قصة

سقط سهواً

من أعمال المصور أسامة محمد
من أعمال المصور أسامة محمد

1
وقفتُ أمام سير الأمتعة بالمطار .. انتظر وصول حقيبتي حتى أغادر .. لم تكن الرحلة متعبة لكن الوصول إلى مكان إقامتي وأخذ قسط من الراحة يليق بهذا التعب القليل .
تحلق ركاب عدة رحلات امام سير الامتعة .. العيون تترقب مدخله الشبيه بمغارة .. لم اكن اتوقع ان تكون حقيبتي اول الواصلين .. لم اعتد أن تكون الحياة بهذه البساطة .. بعد مرور دقائق خرجت أول حقيبة .. كانت كبيرة ومنتفخة .. تقدم بها السير نحونا .. كانت أشبه بقائد فصيل يتقدم جنوده .. توالى خروج الحقائب .. سارع الركاب لالتقاط حقائبهم .. تناقص المحلقين حول السير .. تقلص عدد الحقائب فوقه .. تخفف من حمل تنوء عنه الجبال .. لكن حقيبتي لا تزال هناك داخل المغارة المظلمة التي يستر مخرجها ستار أسود .

2
دفع السير بالمزيد من الحقائب .. غادر جمع غفير من المسافرين يجرونها خلفهم .. لا تزال حقيبتي حبيسة المغارة .. بدأت اتململ في وقفتي .. شعرتُ بشيء من الضيق لتأخر الحقيبة .. نظرت حولي .. تعرفت على بعض الوجوه .. انهم رفاق الرحلة .. لم اكن وحدي اذا الواقف في تململ .. هناك شيء ما يحدث خلف ستار المغارة .. لا أحد منا يعلمه .
مرت الدقائق .. ارقام الساعة تتغير في ملل .. والسير لا يتوقف عن الحركة .. تتخلص المغارة من حقائب اخرى .. يغادر فوج آخر مسرعا .. اكتمل سير الامتعة دورته .. هذه المرة كان خاليا من الحقائب عدا حقيبة وحيدة لا صاحب لها لينتشله من فوق ظهره ..

3
اكمل دورة أخرى والحقيبة الوحيدة لا تزال تنتظر صاحبها .. لم يعد التململ يجدي على ما يبدو .. هناك من بدأ البحث عن سبب هذا التأخر .. تضارب الأقوال حول السبب .. بعضهم يقول ان الامر متعمد .. انها فقط الرغبة في اذلال المسافرين .. لم يرق لي هذا القول .. لكني لن الوم اصحابه على كل حال .. اخرين يقولون ان السبب بسيط يتمثل في انها فترة راحة عمال المناول لتناول وجبة الغذاء .. فند احدهم هذا القول حين صرخ في وجه احد قائليه :
– اربع رحلات وصلت معنا غادر ركابها جميعا ..

4
لا زال السير يحمل تلك الحقيبة الوحيدة .. تشاغلت بهاتفي المحمول .. اكملت شوط لعبة بدأته في الطائرة قبل نزولها .. اذني تراقب ما يقال .. اختلس نظرات بين فينة وأخرى لمدخل المغارة .
تعالى صراخ احدهم بعد ان تجاوز انتظاره حدود صبره .. طلب مسؤولا ليبرر لنا كل هذا التجاهل .. ايده البعض بينما اكتفى اخرون بالصمت والمراقبة ..لا زال السير يدور بالحقيبة .. اكملت شوطا من لعبتي المفضلة وشرعت في آخر في انتظار ما تسفر عنه كل هذه الضجة بالجوار .
توقفت عن اللعب .. احدهم هناك يتحلق حوله الركاب الغضاب ملوحين بأيديهم .. توقفت عن اللعب بينما السير لا زال يكمل دورته في ملل حاملا الحقيبة الوحيدة .

5
اقتربت من الجمع الغاضب .. بالكاد تبينت صوت المسؤول بين كم الاصوات المتعالية .. طلب من الجمع ان يمنحوه فرصة ايضاح ما جرى ..
أكد أن خطأ ما حدث .. جعل الحقائب تتجه لمكان آخر غير وجهتها الصحيحة .. صرخ أحدهم في وجهه مندداً وبيديه ملوحاً .. أكد أنه ليس صاحب ذلك الخطأ وهو هنا ليخبرنا بما يتوجب علينا فعله فقط لاسترداد حقائبنا الضائعة .
– يمكنكم الحضور غدا صباحا لاستلام حقائبكم التي توجهت إلى اسطنبول .
تناقص الجمع الغاضب حول المسؤول .. غادرنا تباعا .. لا يزال السير يدور حاملا حقيبة تنتظر صاحبها .
يبدو أنها أخطأت طريقها إلى هنا .. بينما صاحبها ينتظرها هناك في اسطنبول أمام سير الأمتعة .

اكتوبر 2019 م
 

مقالات ذات علاقة

العـيش مع الذكريـات

رجب الشلطامي

نْبَقّ بغداد

المشرف العام

المقبـــــــرة

أحمد العنيزي

اترك تعليق