النقد

رواية “علبة السعادة”.. الجيتار ينتصر على الدكتاتور

رواية علبة السعادة لمحمد الأصفر

لا يمكن لأي متابع لحركة السرد الليبية أن يتغافل عن أعمال الأديب الليبي محمد الأصفر، وهو يكتشف المجتمع الليبي بأسلوب متفرد، فيه من الجرأة الكثير التي يعجز المجتمع نفسه على البوح بها.

ولا ينفك الأصفر عن الإبداع بهذا الأسلوب في روايته الجديدة “علبة السعادة”، فهو يوثق التاريخ الليبي المعاصر من خلال هذا العمل الأدبي، يوثق لمرحلة غاية في السوداوية والكبت خلال حكم نظام العقيد معمر القذافي، وينسج نماذج مجتمعية عاشها الليبيون خلال حقبة الثمانينات من القرن العشرين، أين اشتدت قبضة النظام الديكتاتوري على الشعب، وأصبحت الحياة غاية في الصعوبة والشظف، وبدأت مغامراته الدموية مع دول الجوار، كل هذا وأكثر يوثقه الأصفر في هذه الرواية.

الموسيقى، والجيتار تحديداً، يمثلان الرمزية في هذه الرواية، فهو يجمع شخصيات الرواية من ليبيا إلى ألمانيا ثم تشاد ومالطا، والشخصيات تتحدى من خلال الجيتار- الألة الموسيقية الغربية الممنوعة في بلد الدكتاتور- قبضة النظام القمعي ووحشيته وجهله، ويواصل الجيتار ومن بعده الموسيقى في تشكيل أقدار أبطال هذه الرواية، لينقذهم عديد المرات من الموت الجسدي، بيد أن أرواحهم ظلت تقاوم من أجل إنقاذ هذه المتعة الحسية الدافعة لنهضة الشعوب في أماكن أخرى من العالم.

“علبة السعادة” كرواية، يتعدد فيها الرواة، ولكنهم جميعاً ينتمون لمدرسة الموسيقى، التي ترتقى بالبشر بعيدا عن اختلافاتهم الجنسية والعرقية، لتتجاوز ألوانهم وبلدانهم في الهضاب الباردة وسط أوروبا أو في الصحارى القاحلة في أفريقيا، فتجمع أرواحهم التي لا يُعرف لها لون أو عرق، فتصل بهم إلى نفس الفردوس من التلاقى الأبدي، ما يقودنا إلى نص غزير في مشاعره وقوي في تواصله و متين في بنائه.

الروائي الليبي محمد الأصفر
الروائي الليبي محمد الأصفر

ويمكن القول، إن هذه الرواية، تُمثل مرجعا مهماً للعشرية الثانية من حكم القذافي، فمن خلالها ستتعرف الأجيال الشابة في ليبيا على الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية من خلال ما تعايشه شخصيات هذه الرواية المتحررة من قيود الظلم من معاناة للاستمرار في العيش مع الضغوط الممنهجة للنظام ولجانه الثورية المنفلتة التي مارست أقصى درجات الظلم في ليبيا.

العمل الأدبي الذي يؤرخ لأحداث معنية من أعمار الشعوب، يتعامل مع حقائق تاريخية موثقة، لا يمكن اخفائها، وأبطال هذه الرواية وثقوا عددا من الأحداث التاريخية وبالأسماء بكل شجاعة، إلى أن تدخل الكاتب ليغفل أحد الأسماء،  فالجيش الليبي تعرض لأكبر هزائمه في تشاد، نتيجة لأطماع القذافي في جيرانه، وهذا تسبب في رفض صامت من الليبيين الذين زج بهم في هذه الحرب المتهورة، وتمثلت الهزيمة المريرة من خلال أسر قائد القوات الليبية في تشاد، وهو العقيد خليفة حفتر في ذلك الوقت، والذي انضم بعد ذلك للمعارضة الليبية في الخارج بقيادة الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا لإنهاء حكم القذافي.

وتأتي النهاية بمفاجئة غير متوقعة في روايتنا، لتظهر أن التعصب والظلم ليس حكراً على مجتمع بعينه، ويتوجب على المرء أن يستعد لخوض معاركه إذا قرر عدم الاستسلام لنمطية الواقع الظالم في أي مكان على كوكب الأرض.

مقالات ذات علاقة

كـوامـي أيـايـا

المشرف العام

متاهة الجسد.. وهم الهروب في رواية «ليالي نجمة»

عبدالسلام الفقهي

جدليَّة الرَّمز في أُقصُـوصــة (ضجيج الصَّمت) للقاص: خالد خميس السحاتي

المشرف العام

اترك تعليق