سرد

رواية الفندق الجديد – الفصل التاسع

من أعمال التشكيلي المغربي خليل بوبكري (الصورة: عبدالمجيد رشيدي-المغرب)

صفقة تجارية مُستعجلة

………. حينما عاد (مصباح) إلى الفندق مصطحباً (المسكين علي)، قادماً من عيادة للطب العربي القديم، قرر أن يدخله من الباب الخلفي، وبينما هو يهم به داخلاً أصطدم كتفه بكتف شخصاً آخر كان يغادر متخفياً، وبخفة متسللا دون أن تتفطن له السمراء (عائشة) موظفة مكتب الاستقبال الخاص بالمدخل الخلفي للفندق، وكذلك بعيدا عن ملاحظة العامل الأسمر (محمود)، كان ذلك الشخص هو (مفتاح) عامل صيانة المفاتيح والأقفال.

–  أيقن (مصباح) من الوهلة الأولي، أن هناك ثمة سوء إدارة في منظومة عمل الدخول والخروج والاستقبال عند أبواب الفندق، وحينها تسأل (مصباح) في قراره نفسه:

– ماذا يفعل (مفتاح) هنا؟

– هل يدري (الحاج أنور) بدخوله؟

انشغلت (عائشة) و (محمود) عن (مصباح) بتسكين جموعً من ذوي البشرة السوداء في الطوابق (الأول الثاني والثالث)، فلم تنتبه بدقة لحركة الدخول والخروج الفوضوية الحاصلة عند المدخل الخلفي.

صاح (مصباح) موجها حديثه لموظفي الاستقبال (عائشة) و (محمود):

ماذا يجري هنا بالله عليكم؟

هل هذه طريقة عمل صحيحة لفندق من فئة أربعة نجوم أيها الفوضويون؟

هل (الحاج أنور) على دراية بما تفعليه هنا؟

أعتقد يا (عائشة) ويا (محمود) قد أنهيتم مشكلة كل أقاربكم الراغبين في العيش في مدينة (بنغازي) بتسكينهم في غرف هذا الفندق!

وبينما (مصباح) يصيح بصوت خشن، سارع العمال البنغال بإخبار (الحاج أنور) عما صدر من (مصباح) تجاه زملائهم عمال مكتب الاستقبال.

– تدخل (الحاج أنور) محدثاً (مصباح) بصوت رصين وباللهجة الليبية العامية الحادة:

هيــــــــــــــــه، مصباح) اللي ديارها هنا يا (مصباح)؟

– (مصباح):

فوضي يا (حاج أنور) يوجد فوضي هنا وسوء تنظيم لحركة الدخول والخروج

لقد ارتكبت خطأ فادحاً يا (حاج أنور) بوضعك اثنين من العمال المتفقين في كل شيء كموظفين في مكتب الاستقبال هذا!

فبغض النظر عن كونهما يحملان لون بشرة سمراء واحدة، فهم يحملون مستوي تفكيراً واحداً   كذلك.

– وأضاف:

ألم تلاحظ بأن أغلب النزلاء صاروا من السود وكأننا نعيش في أدغال أفريقيا؟

يجب أن تضيف سؤالاً في نموذج التسكين الخاص بالنزلاء حول الجنسية، اعتقد أن كل من قامت (عائشة) و(محمود) بتسكينهم هم من الدول المجاورة كتشاد والسودان والنيجر ومالي، فلابد من اشتراط معلومات عن الجنسية يا (حاج أنور).

الأمن القومي يبدأ من هنا من أمامك من محيط سكنك وشارعك ومنطقتك وفندقك هذا.

– وأضاف:

ثم كيف تقوم بتوظيف العمال البنغال؟

 ألا يراودك تجاههم شكاً في أنهم يتقاضون مرتبات إضافية من جهات استخباراتية معادية، فكيف يقبلون بمرتباتهم الضئيلة في ليبيا، لو لم تكن هناك دولة أخري تدفع لهم الفرق، مقابل تقارير يومية عن حالة دولتنا المعيشية أول بأول؟

– لقد أخطأت يا حاج أنور) في طريقتك لإدارة توزيع عمال مكاتب الاستقبال فالعامل (صالح) يجب أن يكون مع (عائشة) السمراء، ويجب أن يحل محله العامل الأسمر (محمود) مع الموظفة الثانية (فاطمة)، “فحين ينحاز البيض للبيض، والسود للسود، الآخرون لن يجدوا المكان ” ح س ن

– وأضاف:

ثم ماذا يفعل عامل صيانة المفاتيح والأقفال (مفتاح) هنا؟ هل كان في مقابلتك؟

– الحاج أنور:

(مفتاح) أبدا لم أقابله منذ مدة.

– وأضاف:

معك حق يا (مصباح) سوف أقوم بالتعديلات التي نوهت عنها فوراً.

ثم أردف:

هل قمت بما طلبته منك تجاه (المسكين علي)؟

– مصباح:

نعم لقد تمت حجامته ولقد طلب مني أن اشتري له بعض العصائر وبعضا من ساندويتشات الكباب الدسمة من مطعم حكيم الواقع في بداية شارع الخطوط حسب طلبه، وحين أخذنا طريق البحر نهاية شارع الخطوط، أصر من جديد أن يلتهم وجبة أخري وكانت من السمك المشوي هذه المرة، وكانت من مطعم بالة الشهير، وحققت له ما أراد، وأثناء الطريق إلى هنا، أسمعته بعض من الموسيقي الهادئة من خلال مذياع مركبتي.

– الحاج أنور:

حسنا جيد ما قمت به يا (مصباح)، أريدك أن تذكرني بضرورة حمله كل شهر إلى نفس عيادة الحجامة لتجديد دمه، هل اتفقنا؟

– رد مصباح:

 بالتأكيد 

– الحاج أنور:

 تعال معي إلى مكتبي أريدك في أمور آخري.

… في المكتب كشف (الحاج أنور) لـ (مصباح) عن عدد من المعلومات التي حصل عليها عن بعض من نزلاء الفندق، والذين تراي له أنهم ناجحون، ويعتقد أنه يمكن التعرف عليهم عن قرب للاستفادة منهم، فهناك (جادالله) تقول (سعاد) نقلا عن (فاطمة) أنه يرغب في السفر لبلجيكا أو أمريكا أو كوريا لاستيراد السيارات المستعملة.

– مصباح:

(سعاد)؟ (فاطمة)؟ من هي (سعاد)؟ ومن هي (فاطمة)؟

– الحاج أنور باللهجة العامية الليبية:

(سعاد) بنت الأرملة (عواطف) و(عواطف) بنت المرحوم صديقي (سيدي عيسى) موش اقترحت عليا أنه يجب توظيف مخبرا سريا بالفندق، ايشمشم الأخبار الصحيحة عن النزلاء.

– مصباح:

 تذكرت تذكرت … تمام استمر ومن هي (فاطمة)؟

– الحاج أنور:

(فاطمة) هي موظفة الاستقبال البيضاء اللون يا راجل؟ والتي وضفتها في مكتب الاستقبال الخاص بالمدخل الأمامي.

رد (مصباح) بعد أن أمتعض من جراء معرفته لمن هي (فاطمة) فقد تذكر أنها حاولت أن تطيل الحديث معه ذات مرة، ولم يعجبه ما كانت تستخدمه من مفردات رخيصة لا تليق بمفردات لموظفة استقبال في فندق من فئة أربعة نجوم، خلال ذلك الحديث، فتجاهلها متظاهرا أنه لم يفهم ما ترغبه حينها وتركها في أحلامها وغرائزها:

نعم تذكرتها

– الحاج أنور:

المهم خلينا في (جاد لله) ايش رائك نستدعوه الآن لبعض الوقت؟، حتى انتعرفوا على طبيعة عمله.

– مصباح:

ماعندكش مشكلة خلي الموظفين يستدعوه بس فيه حاجة أهم.

– الحاج أنور:

شن هي؟

– مصباح:

أرغب في أن تستبدل عمال النظافة البنغال بعمال نظافة آخرين، أستبدلهم بأي جنسية أخري كانت، الحقيقة أنا ضد توظيف أي عامل أجنبي في هذه الفترة الصعبة التي انعرجت فيها بلادنا، والتي تمر بها حالياً.

في الحقيقة أنا أعتبرهم جواسيس (يا حاج أنور)، وأعتقد أنهم يعملون ضد مصلحة بلادنا، ويغذون نار الفتنة فيما بين أبناء الوطن، أليسوا هم من أخبروك أني أقوم بتوبيخ عمال مكتب الاستقبال الخلفي بدون أن يطلب منهم أحد ذلك؟ واستمر ضاحكاً، هذا يؤكد أنهم غارقون في نهج الوشاية والجوسية بنقل الأخبار هنا وهناك.

– وأستمر مقهقهاً ومحدثاً (الحاج أنور):

هل تعلم لو أتفق جميع الأجانب هنا، أن يقوموا بفتح المياه سراً فقط، من خلال الحنفيات في دورات المياه بجميع الغرف، ما الذي سيحدث؟

– اكفهر وجه (الحاج أنور) ثم تسأل:

 معك حق…. ماذا سيحدث؟

– مصباح:

 ستحل كارثة بالفندق، فستجف كل الخزانات، ولن نجد حتى قطرة من الماء لنستخدمها، لا في الشرب ولا في النظافة كذلك.

– الحاج أنور:

صدقت يا (مصباح) صدقت.

في هذا الأثناء اجري (الحاج أنور) مكالمة هاتفية من مكتبه مع مكتب الاستقبال، وأعطاهم تعليماته بالاتصال بنزيل الغرفة رقم (100)، لإخباره بأن مدير الفندق، يرغب في التحاور معه في بعض الأمور.

…لم يستغرق الأمر كثيرا حتى دخل (جادالله) إلى مكتب (الحاج أنور)، فرحب به الاثنان، وبعد أن قدم (الحاج أنور) نفسه إلى (جادالله) قام بالتعريف (بمصباح)، فبادلهما (جادالله) كلمات الترحيب.

– الحاج أنور موجها حديثه إلى (جادالله):

أخبروني بأنك شديد الإعجاب بموقع الفندق، هل هذا صحيح؟

– جادالله:

بالتأكيد، أعجبني، فمستوي الخدمات تروق لي وحقيقة أنني أشعر بالراحة وأفكر في إطالة فترة مكوثي هنا.

– الحاج أنور:

لقد أخبروني كذلك بأنه إن لم يجدوك في غرفتك، فأنهم سيجدونك حتماً جالسا على شاطئ بحر الصابري هل هذا صحيح؟

– جادالله:

 كما تعلمون بأن للبحر جمالاً فريداً ولهوائه العليل جاذبية، فالفندق قريب من البحر وأنا من الذين يستمتعون بالجلوس على الشاطئ.

– ثم أقحم (جادالله) من خلال إجابته طُعماً في حديثه، لمحاولة الحصول على فرصة للنصب والاحتيال، على (الحاج أنور) و (مصباح) فقال:

وهذه الأيام أنا أراقب حركة السفن القادمة والمغادرة لميناء بنغازي البحري.

– الحاج أنور:

تراقب!!؟

 هل تنتظر باخرة شحن سيارات مستوردة هذه الأيام؟

فلقد أخبروني بأنك تعمل كتاجر للسيارات المستوردة، هل هذا صحيح؟

– (جادالله) بعد أن لمعت إحدى عيناه:

نعم هي تجارة راجت أخيرا بين الشباب، واجدها تحقق لي بعضً من الأرباح الإضافية.

– الحاج أنور:

كيف تقوم بتنظيم عملك؟ أقصد كم سيارة تقوم باستيرادها في العام الواحد؟ أو كيف؟ فالأمر مبهم وغامض بالنسبة لنا؟

– جادالله:

 كل شيء يتعلق بالعلاقات وطريقتك في اجتذاب الراغبين في استيراد سيارات من المعارف والأصدقاء والأقارب أو عن طريق معارفهم.

– وأضاف:

إذا كنت مثلا ترغب في استيراد سيارة أو سيارتين، فسأطلب منك نصف ثمن السيارة قبل وصولها إليك في ميناء بنغازي، ولن تستلم السيارة أو تستلم أوراقها إلا عندما تقوم باستكمال ثمنها هنا في ميناء بنغازي.

– الحاج أنور:

جميل هذا عرضاً جيد.

هنا نظر (الحاج أنور) إلى (مصباح) وقال:

عرض رائع يا (مصباح) اعتقد إني سأجرب مع (جادالله) التعامل التجاري، وسأستورد عن طريقه عدد خمس سيارات من نوع واحد، وهي هونداي سوناتا.

ثم توجه بالحديث لجادالله مجدداً:

هل تستطيع يا (جادالله) تأمين شرائها ووصولها ألي ميناء بنغازي، في ظرف شهر واحد فقط

– جادالله:

هذا إذا تم استيرادها من إحدى الموانئ الأوروبية، أما إذا رغبت استيرادها من الأسواق الأمريكية أو الكورية فستستغرق المدة أكثر من شهر.

– الحاج أنور:

 دعنا في الأسواق الأوروبية؟ وكم ستكلفني عملية استيراد خمسة من السيارات طراز سوناتا موديل 2009 بيضاء اللون.

– جادالله:

أنت مطالب بدفع نصف القيمة فقط وهي خمسة آلاف دولار أمريكي، وهذه القيمة تعتبر نصف القيمة لعدد خمسة من السيارات في الوقت الحالي من الموانئ الأوروبية.

(الحاج أنور) ودون أن يستشير أحد استدار بكرسيه الدوار إلى الخزنة الواقعة خلفه واخرج بعض الرزم المالية لمختلف العملات الأجنبية، ووضعها مع بعض الملفات على مكتبه.

في لمح البصر تفطن (جادالله) إلى أن أحد الملفات يتعلق بملكية الفندق، فاستأذن بسرعة طالبا الخروج من المكتب، ليأخذ بعض الجرائد والصحف المجانية من مكتب الاستقبال.

فأذنوا له.

فعاد بسرعة متأبطاً لبعض الصحف والمجلات، ومن حسن حضه أن إحدى المجلات بها صورا لسيارات للبيع، فأوهم (جادالله) الآخرين بأنه يريد أن يتبين رأيهم في جمالية بعض من موديلات السيارات الحديثة في هذه المجلة.

فوضع الصحف والجرائد على سطح المكتب وتحديدا فوق ملف ملكية الفندق وناقشهم في جمالية السيارات المبينة في صور في إحدى المجلات.

وبعد أن أجابوه ببعض الملاحظات، قام (جادالله) برفع المجلات والصحف ومعها الملف المختفي بين طيات الصحف، دون أن يحس به الاثنين.

ثم عاد إلي مكانه منتظرا (الحاج أنور) ليكمل تعداد أوراق الدولارات، المتفق عليها لاستيراد عدد خمس سيارات من مواني أوروبا إلى بنغازي.

وعلي عجل، ودون استشارة قام (الحاج أنور) بتسليم المبلغ إلى (جادالله)، وأخبره أنه لو نجحت هذه الصفقة فسيستمر معه في عمليات استيراد سيارات أكثر.

بخفة يد شديدة استلم (جادالله) النقود وتأبط صحفه وجرائده، مُخفيا الملف وأستأذن في المغادرة متحججا بأنه سيجري عديد الاتصالات واللازمة مع وسطاء من دول أوروبية، لتأمين شراء هذه السيارات من داخل غرفته.

– وعند وصوله إلى غرفته تفاجأ (جادالله) بعدد كبير من المكالمات الواردة إلى جهازه كان مصدرها شخص يعيش في ألمانيا فتمتم (جادالله):

جيد هذه المكالمة جاءت في وقتها.

وعلي الفور قام (جادالله) بإجراء المكالمة ليتبين سبب الاتصال.

فتبين من ذلك الشخص أنه وحسب الأوامر الصادرة له يجب أن يكون قريبا من الميناء وأن يتظاهر بالجلوس عند المغيب في محاذاة الشاطئ، عند الكورنيش، وتحديدا مقابل محكمة الشمال، لأن هناك شحنة مخدرات يجب عليه التقاطها وستمرر له عن طريق صندوق عائم تتحكم به الذبابات الكهرومغناطيسية لاسلكياً، من إحدى السفن المنتظرة السماح لها بدخول الميناء، وما عليه إلا أن يُحسن استخدام جهاز الاستقبال وتوجيه الذبابات لجذب الشحنة إليه.

وافق (جادالله) على تنفيذ الأوامر.

ولكنه طلب من نفس الشخص أن يورد له عدد خمسة عشر سيارة مستعملة من طراز هونداي فيرنا موديل 2004 لا يتعدى ثمن كل واحدة منها الثلاثمائة دولار..

وأنه سوف يقوم بتحويل قيمة الخمسة ألاف دولار إلى حسابه عن طريق بنك ويسترن يونيون.

وافق الطرف الأخر على إتمام هذه الصفقة في غضون شهرا واحدا من استلامه للمبلغ المتفق عليه كثمن للسيارات الخمسة عشر المطلوبة.

وبعد أن أكمل (جادالله) المكالمة أستلقي مسترخيا في سريره مفكرا ومعجبا بنفسه كونه قد حقق هذا اليوم نجاحا في ثلاث عمليات نصب واحتيال دفعة واحدة، حيث قد ضمن البدء في تجارة السيارات بأموال ليست له كونه سيستورد سيارات لم يتم الاتفاق على توريدها وبالتالي سيضطر الحاج أنور للقبول باسترجاع المبلغ المدفوع فقط وهي فائدة بالنسبة له حيث أنه استثمر هذه الأموال لمدة شهر لصالحه.

وقد ضمن كذلك شحنة من المخدرات والتي ستصله عند الغروب وسيتمتع بقيمتها إلى حين موعد سداد ثمنها لمن أرسلها إليه، وأخيرا أن أوراق ملكية الفندق الأصلية والتي تبين أن ملكية الأرض التي تم بناء الفندق عليها تخص ثلاثة من الورثة من عائلة واحدة وقد أمست هذه الأوراق في عهدته.

مقالات ذات علاقة

جزء من رواية سوق الحشيش

عائشة بازامة

رواية الفندق الجديد: الفصل الحادي والعشرين

حسن أبوقباعة المجبري

مقطع من رواية “الهروب من جزيرة أوستيكا”

صالح السنوسي

اترك تعليق