سرد

رواية الحـرز (34)

يشرع موقع بلد الطيوب في نشر رواية (الحرز) للقاص والروائي “إبراهيم عبدالجليل الإمام“، على أجزاء بشكل أسبوعي!! قراءة ممتعة للجميع…

سكان مدينة غدامس (الصورة: عن الشبكة)

34

 مرت أيام بعد ذلك.. لا جديد في الواحة..

 لم يتحدث احد بأمر زيارتها للفقيه.. ربما تحدثن سرا.. لكنه لم يحدث جلبة.. ربما خشيتهن من الفقيه أخرست ألسنهن عن الخوض في سيرة ما حدث..
لم يظهر الثعبان مرة أخرى.. على الرغم من كميات البخور التي أحرقتها..
كلمات كثيرة نطقها الطفل.. بل جمل كاملة صار بإمكانه قولها.. كما أنه توقف عن الرضاعة تماما.. باستطاعته كذلك الجري ونزول الدرج بمهارة الكبار.. كل ذلك حدث في أيام قليلة لم تتجاوز السبعة.
في ذلك المساء حان موعد حفل العرس..


 جاءت الشقيقة مبكرا لتعتني بالطفل.. تجهزت كما ينبغي التجهز لعرس.. وقت طويل أنفقته لتكتمل زينتها:
– هيا اسرعي لن تجدي موطىء قدم لك في بيت العرس..
ضحكت من قولها.. اضافت:

 – لا تتأخري.. فلزوجي الليلة نوبة سقاية في بستاننا في الزواغير.
– لن اتأخر.
كان الطفل يراقب ما يجري أمامه باستغراب.. داعبته قائلة:
 – كيف تراني؟.. هل أبدوا لك جميلة؟

– كلا.. بل انت مخيفة .
ضحكتا معا من قوله.. اسرعت مغادرة.

سارت في الممرات العلوية في اتجاه العرش المجاور.. التقت بأخريات.. ترافقن.. يرفلن في ثيابهن الأنيقة.. تفوح منهن روائح الطيب المخلوط بالقرنفل والتافندا.. كانت اصوات غناء أهل العرس تصلهن من أول عرشهن.. كلما قطعن شوطا من الطريق ازدادت سرعتهن مع حماسة الغناء.
استقبلتهن نساء العرش المقصود بالترحاب وبكثير من القبلات.. ارتفعت الزغاريد المصاحبة لاستقبالهن.. أفسحن لهن مكان في صدر المجلس.. ارتفعت وتيرة غنائهن المصاحب بآلات الإيقاع..المختلفة الاحجام والنغمات.

بعد عدة وصلات رقص استمتعن فيها بالغناء والرقص.. توسطت عجوز من اقارب اهل العرس حلقة الرقصة.. مطالبة بلحن بعينه يطربها.. غطت وجهها بثوبها.. غنت لها النسوة ملبيات طلبهاالمشروع في مثل هذه المحافل:
– هدانين آ لالة… تنخانين آ زينة…. بري وحديك آ لالة.

 انتابتها حالة وجد تمايلت يمنة ويسرة.. دارت حول نفسها عدة مرات.. جثت على ركبتيها.. واصلت رقصها بحماسة فتاة عشرينية.. سقط الثوب فانكشف وجهها.. تغيرت ملامح وجهها.. ازدادت حماسة النسوة غناءً وتصفيقا وضربا على آلات الإيقاع.. وقفت مجددا.. تمايلت يمنة ويسرة غطت وجهها بكفيها.. طلبت بحركة من إحدى يديها بالمزيد من الغناء والكثير من التصفيق.. كانت تلك علامة يعرفنها جيدا وينتظرنها بشغف.. همست لها إحداهن:

 – يبدو أن إحداهن من أمة الخفاء قد تلبستها مبكرا.
أجابتها هامسة.
– هذا الرقص لا تتقنه من كانت في عمرها..
– ها هي تتجه نحونا.

ارتفعت وتيرة التصفيق والغناء.. وقفت أمامها أمسكت بيدها.. أوقفتها.. انصاعت لها.. توسطتا حلبة الرقص.. احتضنتها.. همست لها في اذنها ..
– ابنك بخير لا تخشي عليه ..
تشبثت بالعجوز.. همست لها بدورها:

 – أريد أن أراه .
 – سترينه.. إذهبي إلى القادم من كانو.

 سقطت العجوز مغشيا عليها… توقفت وصلة الغناء أخيرا بعد طول طرب.

مقالات ذات علاقة

ذاكرة منسوخة

صلاح انقاب

شفرة لوتوفاجي (3)

علي باني

التابوت الثاني

عبدالله الغزال

اترك تعليق