رواية الفزاعة لإبراهيم الكوني.
النقد

رحلة الي الذات عبر الفزاعة

رواية الفزاعة لإبراهيم الكوني.
رواية الفزاعة لإبراهيم الكوني.

الصحراء .. حين تغرينا بها نتوه  في العشق والهيام للرمال والواحات والسراب .. حياتنا التي يكتنفها الألم .. والصحراء أعراسنا المزدانة بأباريق البهجة .. ولحاف البسمة وشواطئ الحب اللذيذ .

وصحراء إبراهيم الكوني تتسم بأكثر من ذلك ، تحتوي الكثير حتى لتنزلق في شمولية الذوات … حاملة هموم آهالي الصحراء من ترحال في سبيل استقرار النفس قبل كل شيء .

الفزاعة هي شرور النفس البشرية عندما توغل في الخطايا ، فما يتبقى سوي إقامة حد القصاص لتغسل الذات البشرية من خلاله بقايا الشوائب الملتصقة به .

عند التوغل في أحداث الرواية نجد أنفسنا أمام مرآة للذات النفسية في كثير من الاحيان تكون طاهرة أو غبية أو لئيمة هذا ما يوجد داخل الانسان ولا شيء غيره ، ويتبقى منه عندما يتحرر من كونه انسان سوى بعض الاعواد ” العظام ” والقليل من الخرق البالية ، في هذه الوقفة اتناول احداث الفزاعة.

الأحداث والدلائل

بدأت الرواية بموت أغوللي ، ومن بعدها تم قوع احداث وبروز ظواهر غير عادية منذ وبداية البحث عن زعيم جديد للواحة وقبل البدء ، تسير الأحداث بين الاضطراب و البحث ثم الخوف وعدم الاستقرار الفزع بحيث أن الواحة ” الرواية ” لم تعرف الهدوء ، عامل وراء عامل يزيد من الاحداث اضطراباً فالعلاقة بين الاثنا عشر وحدة السابقة تعاقبية أي الحدث السابق يشير للاحق واللاحق يشير للذي سبقه .

تتدرج الرواية ضمن سياق روائي قائم على تصور عالم قبائل الصحراء التي استوطنت الواحة ولم تدرك ألا بعد مرور زمن على بقاؤهما حبيسة داخل اسوار الواحة بحيث اغراء الواحة اقتلعهم من أمهم الصحراء .

من هنا نجد انفسنا في الرواية بين العديد من الدلالات وهي علاقة أهل الواحة بالزعيم ، علاقة الزعيم بالسحرة ، علاقة أهل الواحة بقيم الصحراء ، علاقة الفزاعة بالواحة ، علاقة الترحال والاستقرار .

ولا ننسي الاهم وهي علاقة القارئ بالدرجة الأولي ، من حيث استفادته من تلك الدلالات أم من حيث أن ذاكرة القارئ منظمة بوقائع تقبل التناقش مع الواقع في أي قضية من القضايا التي يتقبلها الفكر والعقل وفجأة يتواجد أمام أحداث غير عادية لا يتقبلها هذا العقل بسهولة وإنما يصبح في جدل عن كيفية تقبلها أي ادخال الرعب متخيل وسط عالم حقيقي والدخول الى هذا العالم يعتبر كمفارقة للحياة المألوفة فيصبح القارئ يشعر بالتيه والعجز في تمييز مجموع الظواهر سواء كانت رؤية أم تجارب متخيلة .

حلم أم هذيان ، كما يجب ان لا ننسي العنصر الغريب في الرواية أو العجائبي وهو النواة المهيمنة على أهل الواحة للوجود ، نواه مثقلة باحتمالات تنطوي على رؤية للعالم منظمة برعب المعني ، الخوف من القادم ، أي القلق المسيطر جمعي على أهل الواحة من اهل الخفاء من الجن والعرافين من السحرة من كل ما هو يستطيع إدخال رعب متخيل وسط عالم حقيقي كما لو كان حقيقي فعلاً .

والحقيقة إنه في كل عقد من الزمن تتشكل هذه الاساطير والاحاديث كما لو كانت واقعة فعلا في تاريخ الثقافة العربية والعالمية .

ومن مجموع الأحداث و الوقائع في الرواية قسمتها ثلاث مستويات :

مستوى الشخوص: تدور الأحداث حول شخصية تبدو في البدء كشخصية هامشية تطورها الأحداث لتصبح محورها الرئيسي ، شخصية غير عادية مسكونة بالجن ، ساحر ، تكون الانطباع لدي القارئ بالحيرة ، هل هو جن أم أنس ، هي شخصية سليل الاغراب صاحب الفزاعة ، الزعيم الجديد .

هناك ايضا ” آهلوم ” الذي نال قصاص الصحراء المؤلم ” العمي ” وحرم متعت النظر على معشوقته الصحراء ، هناك ايضا ” أغوللي ” الذي بدأت الرواية بنبأ مصرعه والقضاء عليه من قبل أعوانه ومن ثم الاشارة عليه في منتصف الرواية مقارنة بالزعيم الجديد ، كذلك نجد الكثير من الشخصيات التي تعتبر حتى ولو لم تستمر في أثراء الاحداث فهي مهمة عن طريق جملة او حداث قدم في الرواية فشخصية ” المعمر” لها دلالاتها التي تؤكد أهميتها .. كذلك شخصية الزعيم “آزجر ” الذي قدم الواحة بفزاعته الجديدة كي يبحث عن أبنته ، فجميع الشخوص بالرواية يتضح بأن إبراهيم الكوني يقصد بها حدث ما أو عبر يعتبر بها .

مستوى الحدث: يتجلى مستوي الأحداث منذ البدء عندما يتكاثف الاعوان ويقتلون الزعيم ومن ثم البحث عن زعيم جديد ورفض الجميع الزعامة على أنها مسكونة بالجن ، الخفاء ، و البحث عن الزعيم حافز ينمو رويداً رويداً حتى يصبح هو المدار الذي تدور حوله الأحداث ، ومن ثم بعد أن يجد الزعيم الجديد صاحب الفزاعة الذي جلب سوء الطالع للواحة وتتصاعد الأحداث بدون استقرار الي ان ينتهي بالهلاك ، أي تبرز أحداث وتنتهي أخرى بظواهر غير عادية وعلي القارئ أن يتقبل هذه الأحداث بحيث تبدو فق طبيعة تستطيع استقبال تفسير العقل و اما أن يقبل بأن هذه الأحدث تحدث كما هي في الحقيقة مع تساؤله كيف استطاع انسام عادي ان يقوم بأعمال غريبة فوق العجيبة .

مستوى الدلالي: لقد بدأت الفزاعة بالهيمنة الاساسية والعنصر الرئيسي في البنية الفنية في ابتعاث المغزى الاساسي ، لقد ترددت اكثر من مرة فغدت المعبرة على المس ، الجن ، ما يصيب الانسان من فزع وخوف من المجهول ، ارتباط الرواية بالأسحار ، المجهول ، الفزع من الزعامة ، الفزع من الجديد ، الفزع من المجهول ، الفزع من الاستقرار ، الفزع من المرأة ، والفزع من الواحة ، يتبين من الدلالة بأنه لا يوجد اطمئنان لأهالي الصحراء سواها فهي ملجأ لمن تركها ، ولمن يبحث عنها ، بصدقها ، بشمولها.

الدلالة واضحة وعميقة في الرواية، ربما تكون هي عبرة لمن يترك الصدق ويتخذ طريقة نحو المجهول ” الكذب ” ربما تكون هي عبرة لمن يترك القناعة ويلتحف الطمع.

تُرى لماذا الخوف من الفزاعة ، فالفزاعة عند المزارع عبارة عن ألواح تلبس لصقة بالية لأخافت العصافير ، وتُرى لماذا تخاف العصافير من الفزاعة لاعتقادها بأن الفزاعة انسان حقيقي ، فما هو شعور آهالي الصحراء ” الواحة ” عندما تصبح الفزاعة حقيقية انسان ، حائرين بين ان يكون ساحر أو عراف ، فهو في كل الأحوال غير اعتيادي .

نعود الي دلاله اخرى وهى الإشارة مولد المعمر من جديد غير أن الولادة الثانية كما يطلق عليها لم تحدث تغيير في الأشياء أي الظاهر الجديد لم يتغير الباطن فهو لا يعيد الاشياء كما كانت والاشارة لعدم فهم الاهالي لعبرة  رجوع المعمر إيماءه المعمر في عدم الرغبة للرجوع إليهم ” ليتني لم أولد ليتني لم اعد ” الإشارة الي الميلاد الاول والاشارة الي الميلاد الثاني له ، فعن أي شيء يتحدث المعمر ؟ ثم من بعدها الإشارة الي غياب المعمر والبلاء الذي سيأتي بعد صوت النبوءة القائل ” لا يغيب المعمر في أرض الا ونزلت فيها البلية ” من هنا تتحذف البلايا على أهل الواحة .

الإشارة الي موت الحسان في الواحة ، و افتقارها  للنساء ، هذا يدل على بداية النهاية للواحة ” الاستقرار ” ففي الصحراء الاشارة الي الأنثى من كونها فخ لتوثيق الروابط بالأرض و الشياطين و الجن ،الأنثى فخ لنها ترهن قب الانسان فيما هو أرضي و موت الحسان في الرواية هو الإشارة على فقدان الانسان فيما هو أرضي ” الارض ” وحتى بعد أن تم جلب الحسان للواحة عن طريق الغزوات لم تستطع إعادة الاستقرار للواحة لأن أرض الواحة قد طردت ساكنيها .

الإشارة الى قصاص الصحراء ، القاصي بحيث يُحرم الآثم البصر لكي يحرم من متعة النظر الي المعشوقة الصحراء ، وهذا ما حدث لأهل الواحة عندما تم الحصار عليهم من قبل قبائل آزجر  هذه الجملة هذه الجملة على لسان الزعيم الجديد ” صدقت اللئيم .. يعلم أن الحصار للعابر قصاص أقوي من كل قصاص ” .

ففي مجمع الأحداث نجد أن الرواية تجسد قضايا الإنسان و توهانه    عبر مسيرة السيطرة نحو الحياة والترحال والاستقرار والموت وتوضح لنا سخافة الواقع الذي نأطره بقضايا تشغل الانسان في كل مكان وتتضارب الدلالات وسط زمن وصفي من أزمنه مجهولة الزمن لتكون متاهة الانسان الصحراوي المسكون بالجن ، يبتلعه العالم الصحراوي يضيعه في زمن الترحال ومن ثم يسير يستقر في الواحة .

تبدأ الأحداث آنية وقريبة أمام القارئ ،  ينتهي بموت أهلي الواحة جميعا لانهم لم يفكروا تفكير أهل الصحراء لأنهم تركوا الصدق وما يتبعه من صفات الصحراء وتصبح الدلالة هنا على توهان الانسان عموما داخل  ذاته و أمام هذا الكون ، فمن يقرا الفزاعة تتعري أمامه اشكاليات الواقع المحير داخل الذات الانسانية .

فماذا يتبقى من الزمن من الناس عندما يتحولون الي فزاعة تخيف كل من يراها ، هذا ما يحدث لهم عندما تسقط الاقنعة وسط زحام العالم المليء بالدهشة و التحولات الا معقولة ، يفقد بها الانسان طهره ، صدقه ، واحسانه وبرأته ، ولا يتبقى منه سوى اسمال بالية ، وماذا يتبقى داخل الانسان عندما يتحول عالمه الي مجاميع من الفزاعات التي تترك من وراؤها الدمار فكما هو راي سليل الاغراب في الرواية ” الفزاعة قدرنا .. نحن نستقر في الفزاعة .. والفزاعة تستقر فينا .. نحن الفزاعة والفزاعة هي نحن ”

______________________________________________________

هامش: جميع الاقتباس من رواية الفزاعة ، للكاتب ابراهيم الكوني ، الطبعة الاولي ، 1998 ، المؤسسة العربية للدراسات والنش ، بيروت ن لبنان>

مقالات ذات علاقة

بما ضاقت العبارة

عبدالله الماي

رداً على مقالة يونس الفنادي بحق الشاعر محمد الدنقلي

المشرف العام

جماليات بناء الحكاية والنص في رواية المولد لأمين مازن

عبدالحكيم المالكي

اترك تعليق