من أعمال التشكيلي علي الوكواك
قصة

درب الحلازين…

من أعمال التشكيلي علي الوكواك
من أعمال التشكيلي علي الوكواك

… في الصباحات الباكرة يوقظني غراب يَمرّ صائحاً من فوق البيت مباشرة.. أنا مَدِين لهذا المنبِّه الحَيّ.
أتوجّه إلى عملي في المدينة.. أسير خارج قريتي مع الطريق الإسفلتي الذي يصل الطريق الرئيس.. طُرُق الصباح لا تخلو من رفقة.. رفيقي يُدخِّن.. ويدوس الحلازين الملونة.. 
ـــ انتبه.. لقد دستَ حلزوناً.
يضحك:
ـــ اسم جميل لمخلوق لزج!
ـــ انظر.. هذا حلزون ملون لايزال في طور تكوين الصَدَفة.. إنه لا يحتمل أي لمس.. فالصَدَفة لاتزال هشة. 
ـــ العالم يتحدث عن حقوق الإنسان.. وأنت تبكي على (البوزويّة)!
ـــ يا مولانا.. الحلازين كائنات وادعة.. غير مؤذية.. لا تلسع.. لا تعضّ.. رطبة.. هشّة.. لا صوت لها.. خطواتها صامتة.. وهي فوق ذلك ثنائية الجنس.. ذكر وأنثى في نفس الآن.. فإذا قتلتَ حلزوناً فأنت تقترف جريمة مزدوجة!
ـــ هل سترفع فِيّ قضية باسم الحلازين؟!
ـــ أرجوك.. كُفّ عن السخرية.. انتبه لخطواتك.. ولا بأس بعد ذلك أن تتحدث عن حقوق الإنسان.. والبنية التحتية.. وانقطاع الكهرباء اليومي.. وغلاء البنزين.. والكلاسيكو بين برشلونة وريال مدريد.. فقط أتوسَّل إليك ـــ إذا كنت تريدنا أن نسير معاً ـــ لا تدهس الحلازين.. لستُ أدري لماذا لا ينظر الناس تحت أقدامهم؟!
تمرّ سيارة مسرعة.. تقرمش قواقع الحلازين تحت إطاراتها.. تتلاقى أعيننا.. لا أدري إن كان رفيقي يشمت بي.. يقول:
ـــ لعله من الأفضل أن تضع لافتة في منطقة عبور الحلازين.. لافتة كبيرة عليها صورة حلزون ملوّن.
ـــ ها أنت تسخر من جديد.. حتى لو فعلنا فلن ينظر إليها أحد. أنهم دائماً مستعجلون.. ينبغي أن يكون ظهور الحلازين عقب مطر الخريف عيداً!
ـــ على كل حال هو طريق للسيارات وليس للحلازين.
ـــ الحلزون قبل السيارة.
أنظرُ إلى الغربان تنغمس في الضباب.. تصعد مرة أخرى بأجنحة لامعة.. الحلازين بصدفاتها المخططة بالأحمر تنزلق بنعومة فوق العشب النديّ الذي يؤطِّر الطريق.
نلتفت فجأة على صرير الإطارات..
ـــ اركبوا.
ـــ كدتَ تدهس الحلزون.
ـــ هل تعتقد أنني أعمى؟ وضعته بين العَجَلات.
… ألتقطُ الحلزون.. أضعه خارج الطريق.. أتساءل: لماذا يزحف بعضهم بينما يتشقلب الآخرون فوق الريح؟ 
تبتعد السيارة.. أحاول مراقبة الطريق من خلال غبش البخار.. يقول السائق وهو يمسح الزجاج من الداخل بظهر يده:
ـــ الحلازين اسم جميل لكائنات لزجة.

(2009)

مقالات ذات علاقة

تـجربة

الصادق النيهوم

الإمــكـان

محمد الزنتاني

تفــــاح بلـــون الـذهـــب

محمد العنيزي

اترك تعليق