دراسات

دراسة لقصص الكتابة فاطمة فحيل البوم

الجزء الأول :دراسة لقصة قلوب حطمتها عاهات وتقاليد

من أعمال التشكيلي العراقي علاء بشير (الصورة: عن الشبكة)

1.1 مدخل عن موضوعات قصص الكاتبة فاطمة البوم:

شاركت الكاتبة فاطمة فحيل البوم بثلاث قصص في مسابقة سيكلما للشعر والقصة، وفازت قصتها في السنة الأولى، قلوب حطمتها عاهات وتقاليد بمركز متقدم، كما شاركت بقصتين مميزتين هما : بطاقة زفاف مثيرة للشفقة، وقصة رصاصة فقد.

تتناول قصة قلوب حطمتها عاهات حكاية فتاة ليبية تعرفت على شاب مصري بوسائل التواصل الاجتماعي (الفيس بوك). الفتاة زارت مصر،  والتقت هناك صاحبها، ثم فكرا في الزواج، لكن لم يحدث الزواج بسبب العادات والتقاليد.

القصة الثانية رصاصة فقد تحكي عن قضية فيها مكون اجتماعي مميز، وهي ذات بعد أمني (حول سوء الأوضاع الأمنية الحالية الموجودة في بلادنا)؛ يوسف صديق أحمد يستذكر بعد سنوات قصة (أو مأساة)  صديقه أحمد الذي قتل برصاصة طائشة في يوم تخرجه من كليته التي يدرس فيها. أحمد شاب ربته أمه بعد موت أبيه، وهو يستعد للزواج من خطيبته مريم، ترسم القصة محيطه العائلي وعلاقاته مع خطيبته مريم وأخته مريم وأمه وصديقه يوسف، كما يصور الراوي بشكل مميز مأساة موته مقتولا برصاص طائش في الشارع في نفس يوم تخرجه وفي أسبوع زواجه من مريم خطيبته.

القصة الثالثة بطاقة زفاف مثيرة للشفقة عن قضية اجتماعية خطيرة كانت ولازالت بشكل ما موجودة في مجتمعاتنا، وهي قضية زواج كبار السن من فتيات صغيرات يتم ذلك عبر سرد قصة فتاة تنتظر ابنة عمها وصديقتها طالبة الطب، وقبل وصول بنت العم  تصلها وأختها نادين دعوة لعرس بنت الجيران القاصر شهد التي سيزوجها أبوها إلى رجل أكبر منها بكثير. نتابع قصة شهد بعد سنتين لنجدها مطلقة ترعى طفلها الرضيع.

نحن نعلم أن القصص ذات البعد الاجتماعي تكون غالبا مطب للكاتب باعتبار أن القضية التي يتناولها موجودة في برامج التلفزيون والصحافة ووسائل التواصل الأخرى، ومن الصعب الخروج من أسر القضية وجعل العمل مميزا وجيدا وفيه تفاعل درامي عالي. ونظرا لأنني أزعم هنا أن كل نصوص الكاتبة التي شاركت بها الكاتبة في مسابقات سيكلما مميزة من جانب ما، ولم تقع الكاتبة في مطب المباشرة في القضية التي تتناولها، بل أعتقد انها قد خرجت من أسر القضية الاجتماعية المغلقة إلى أفق فني مميز؛ فسؤال دراستنا هنا سيكون كيف استطاعت الكاتبة أن تخرج من أسر القضية الاجتماعية إلى أفق اكثر اتساعا وبعدا مميزا نصيا، وهذا التميز الفني هو ما سيكون سؤال دراستنا حول نصوصها الذي نصيغه كما يلي: كيف استطاعت الكاتبة أن تحافظ على البعد الجمالي المميز للنصوص رغم أنها تتناول قضايا اجتماعية؟.

ستكون دراستنا مكونة من جزئين: الجزء الأول تعريفي، نعرف فيه بحكاية القصص الثلاثة والقضايا التي تتناولها، بينما سيكون الجزء الثاني فني نجيب فيه على السؤال السابق.

2.1 حكاية القصة

موضوع القصة عن فتاة ليبية تعرفت على شاب مصري عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي (الفيس بوك)، وتطور العلاقة بينهما في (الفيس بوك)، ثم حدث التواصل المباشر عندما زارت الفتاة الليبية مصر وتعرفت على الشاب المصري بشكل مباشر، وبعد شد وجدب، انتهى الموضوع بينهما بدون حصول زواج؛ بسبب عدم سماح العادات والتقاليد بذلك.

الشخصية الرئيسية فتاة وهي تمثل الشخصية المسئولة عن السرد وكان الراوي يقدم القصة من وعيها ورؤيتها. السرد يسير بشكل طيب والأحداث تظهر أمامنا بشكل غير مباشر دون علم الراوي المسبق بها، القصة مميزة وليس فيها مباشرة، ولكن الوصف واللغة الشعرية محدودة قليلا، على الرغم من أن القاصة نجحت في تصوير المجتمع المحيط بالفتاة ومجتمع القصة بشكل جلي وواضح.

3.1 دراسة لتقنيات السرد في قصة قلوب حطمتها عاهات وتقاليد

أولا. مدخل

يمكن ان يلحظ قارئ القصة كيف قدم (الراوي على لسان الشخصية) الأحداث بسهولة ودون تدخل منه، فالقصة التي تحكيها الشخصية كانت تقدم مع الإيحاء بعدم العلم بمستقبل الأحداث وهو ما جعل الأحداث تقدم دون الوقوع في المباشرة التي يسببها الراوي العليم، لنتابع ذلك في بداية القصة:

“(أ) … أتصفح الانترنيت وأنا اقضم آخر جزء من التفاحة. أعجبني ذلك المنشور، ولفت انتباهي أكثر، ذلك التعليق. ضغطت على بريده الالكتروني، طالب في الطب، على مشارف أن ينال لقب “الطبيب”. لا بأس إذا أرسلت له طلب صداقة، ربما نكون أصدقاء على أرض الواقع!.

فور ما أن نبّهني حاسبي المحمول بإشعار موافقته على الطلب، نظرت إليه كأي إشعار متخطية إياه بكبسة زر. لم يكن محوراً شدّ اهتمامي، ولم يصبني الشغف لأن أتعرّف على معالم حياته. أغلقت الحاسب وأخذني سبات عمييييق، ولم أستيقظ إلا على صوت أمي في صباح اليوم التالي.(ب) بعد أن جهزت الافطار، وأكملت واجباتي المنزليّة الركيكة، أخذت هاتفي، وفتحت ذلك الموقع كالعادة، أذهب إلى قائمة الأصدقاء، ليقابلني ذات الشاب الذي أرسلت له “طلب صداقة” ليلة البارحة!. دخلت لألقي نظرة على صفحته الشخصية. ولا أعرف لماذا انتباني شعور الخوف عندما تمعّنت في صوَرِه، ذهبت راكضة بالزر، لأكبس على أيقونة “إلغاء الصداقة”

في (أ) تابعنا حالة الشخصية وهي تتابع صفحتها على الفيس بوك وتعرفها على الشخص المقصود. سيكون التعارف عن طريق تعليق مميز لاحظته فقررت إضافته. نتابع في (ب) تصرفاتها تجاه الشخص الجديد وسردها للأحداث اليومية الحاصلة في بيتها ثم ستسرد تطور علاقته به، القصة كما تابعنا تقدم من وعي لا يدرك من الأحداث إلا ما يتم تقديمه، كما نتابع تقنيات سردية اخرى تمّ توظيفها منها ما سيرد ذكره.

ثانيا. توظيف الترهين والتأطير لتقديم السرد:

نتابع الترهين في المقطع التالي وهو يجعل الحدث المسرود أكثر حضورا عند متلقيه، لنتابع ما تحته خط في (أ) وفي (ب): في (أ) ربط تنبيه الحاسب المحمول له قيامه بالنظر إليه بدون اهتمام كأي إشعار آخر، بينما في (ب) تم ربط الاستيقاظ بصوت الأم.

(أ) فور ما أن نبّهني حاسبي المحمول بإشعار موافقته على الطلب، نظرت إليه كأي إشعار متخطية إياه بكبسة زر. لم يكن محوراً شدّ اهتمامي، ولم يصبني الشغف لأن أتعرّف على معالم حياته. أغلقت الحاسب وأخذني سبات عمييييق، (ب) ولم أستيقظ إلا على صوت أمي في صباح اليوم التالي. بعد أن جهزت الافطار،”

التأطير:

وهنا تمّ استخدام التأطير لتقديم حدث مركزي بالنسبة للشخصية التي حدثها رفيقها أنه يريد خطبتها، تمّ تقديم الحدث وقبله تديد الزمن بدقة (في ليلة على مشارف الشتاء):

“وفي ليلة، وعلى مشارف الشتاء؛ أخبرني بأنه يريد أن يتحدث لوالدي؛ يطلبني منه بطريقة رسمية.”

وهنا في لحظة حاسمة من أحداث القصة يستخدم الراوي التأطير الزمني مدخلا لسرد مجموعة أحداث والشخصية تعيش توترها الداخلي:

يأتي صباح آخر اختباراً لي، أتناول وجبة إفطاري، تتردد دعوات أمي لي بالإجابة، أقبّل جبينها (حبيبتي إنتي). أنحني لأرتدي حذائي، تعلو نغمة رنين هاتفي.

ثالثا. استخدام تقنية التواتر:

تمّ توظيف تقنية التواتر في عدة مواضع من القصة ومنها ما يلي:

أخذت هاتفي، وفتحت ذلك الموقع كالعادة،”

كما نجده هنا في نهاية القصة؛ حيث يستخدم الراوي أسلوب التواتر في السرد ليسرد علينا شيئا ربما لو قيل بأسلوب أخر لدخل في المباشرة والسطحية في السرد، لكنه بهذا الشكل قُدِم بطريقة مميزة على أنه سؤال من الشخصية. قدم بشكل غير مباشر في إطار (تواتري) بكونه هاجس من هواجسها:

“بينما في طريقي إلى الجامعة، شردت بسؤال يراودني كل ليلة:

– كيف لأشياء دنيئة كالعادات والتقاليد، يمكنها أن تكسر كل هذا الحب، كل هذه المشاعر، كل ذلك الودّ، وكل تلك القلوب البريئة الصادقة؟!”

رابعا. اشتغال الراوي والتأطير والتواتر في مقطع واحد:

يقوم الراوي في المقطع التالي بتقديم الحدث عن طريق عديد الأساليب السردية المميزة: في (أ) يستخدم أسلوب الحديث باسم الشخصيتين معا، ليوضح اندماجهما في التحاور، ويجعل المسئولية عليهما معا، ويستخدم سرد التذكر (وهو سرد تأكيدي) مع التأطير في (ب) ليرسم صورة الفرح وشهقات الضحك على وجه الشخصية، والتذكر هنا تأكيد منبه لحقيقة الحدث الذي وضع إطاره الزمني تلك الليلة ، ثم في (ت) نتابع الحدث الذي صار متواترا، وهو ما يجعل المنطقة المغطاة بالتواتر ظاهرة محسوس بها لدى المروي له الذي عرف استمرار الشخصية في لقائها مع رفيقها وذلك كله ضمن إطار محدد (تاطير) في زمن هو الموعد ذاته..

“(أ) أخذَنا الحديث بعيداً لنثرثر كأصدقاء، يجيدون معرفة بعضهم منذ زمن، وإن كان ليس ببعيد. (ب) أذكر شهقات ضحكتي الصاخبة تلك الليلة التي فرطت دموعي منها. (ت) اعتدت محادثته ليلة تلو الأخرى، كجرعة دواء يتلقاها المريض في الموعد ذاته.”

خامسا. أسلوب الأسئلة في السرد

وهنا أيضا لتقديم الحدث بشكل غير مباشر يقوم الراوي بتقديم الحدث بنمط الأسئلة من السرد لجعل تصرف الشخصية منطقيا ومقبولا:

“ولا أعرف لماذا انتباني شعور الخوف عندما تمعّنت في صوَرِه، ذهبت راكضة بالزر، لأكبس على أيقونة “إلغاء الصداقة”.

4.1 خلاصة:

تركز القصة على أثر العادات والتقاليد على العلاقات بين الناس، حيث كان التصريح بدور العادات والتقاليد في منع زواج الفتاة من صديقها الذي تعرفت عليه بواسطة الفيس بوك، وهي تنتمي بشكل واضح للقص الذي للعادات والتقاليد فيها دور حاسم على الشخصية الرئيسية لإنجاز حكايتها، حيث توقف السرد وانتهت العلاقة بسبب العادات والتقاليد، أيضا تابعنا دور المحيط العائلي في القصة؛ حيث نجد الدعم العائلي للشخصية خاصة الأم، التي كانت رافدا للفتاة التي تعيش أزمة خاصة.

القصة تعبّر من حيث حكايتها عن أزمة شخصية، السرد فيها يتم بشكل جيد مع وعي بالكلمات المختارة  التي تعبر عن حالة الذات بدقة، فالسرد كان مميزا والكاتبة عبرت بشكل جيد عن أزمة شخصيتها، لم يقع السرد في مطب المباشرة رغم صعوبة ذلك في هذا النوع من القصص العاطفية التي تكتبها انثى؛ حيث ساهمت التقنيات السردية المختلفة في جعل خطاب القصة مميزا وغير مباشر. وقد وظف الراوي عديد التقنيات السردية منها اشتغاله المميز مصحوبا بتقنيتي الترهين ولتأطير لجعل الاحداث طازجة ولجعلنا نشعر بما تراه وتحس به الشخصية، كما وظف الراوي عديد الأساليب السردية المميزة لنجدنا في قصة مميزة في حكايتها، تتحدث عن موضوع اجتماعي معتاد، لكنها تخرج من آسر الجانب الاجتماعي بحكم السرد الذي قُدم من عين لا تعلم الحقيقة، ولكن تتابع أمامنا حدوثها، وكذلك من خلال التوظيف المتقن لتقنيات سرد مميزة.

مقالات ذات علاقة

ليبيا واسعة – 38 (بـاهـي)

عبدالرحمن جماعة

الشجرة كدلالة مكانية للوطن في الشعر الليبي المعاصر

سالم أبوظهير

بدايات الشعر في ليبيا

المشرف العام

اترك تعليق