المقالة

خصوصية ظاهرة النور

يشكل النور عنصرا فعالا حاسما في الكون، وعلى الأرض وفي حياة الإنسان. حتى ليمكن القول أنه لولا النور ما كانت لتزدهر الحياة على الأرض، ولولاه لما كانت لتظهر العيون في الحيوانات والإنسان. فالعين ثمرة النور. لذا كانت للنور مكانة بارزة ومبجلة، وحتى مقدسة، في الأديان منذ القدم. في البداية لم تكن المكانة المعنية للنور في حد ذاته، وإنما لمصدره الأساسي في الطبيعة، ألا وهو الشمس، ثم النجوم والكواكب.

في الهند القديمة نجد في الدين الفادي (نسبة إلى الفيدا، أحد كتب الهندوس المقدسة) الشريعة المعروفة تحت اسم “قوانين مانو”، المؤلفة منذ مطلع القرن الثاني عشر قبل الميلاد واكتملت في القرن الخامس قبل الميلاد، حيث تطالعنا أوامر ونواهي هذه الشريعة التي فرضها “ففسبان” إله الشمس على “مانو” أول إنسان وأبي البشر. كما أن هذا الدين يعزو أصل الوجود إلى الحرارة، والحرارة والنور أخوان لأب واحد، هو الشمس.

وفي البوذية، التي نشأت على يد البوذا (560- 480 ق. م) نجد ما يسمى “النرفانا”، وهي درجة “الاستنارة” الروحية. فهنا نجد النور مرة أخرى، الذي يبدو استعماله في هذا السياق مجازيا، إلا أنه ليس مجازيا خالصا، ذلك أن الإنسان الذي يصل حالة الاستنارة هذه إنما يكون قد وصل إلى استكمال الجزء النوري الكامن فيه كمونه في الكائنات جميعها على اختلاف صورها.

في إيران ظهر الدين المتهري حوالي 1400 سنة ق. م. حيث كان العقل البشري يفزع من الظلام وينبهر بالنور وإليه يصبو، فأله النجوم التي أبرزها الشمس، الإله الذي يضيء العالم مسلسا حياة الإنسان ويقف داعما له ممثلا الخير تحت اسم “أهورا مزدا” ضد إله الظلام، إله الشر المسمى “دوروج”. لهذا السبب جرى تقديس النور والنار، فكانت الصلاة تقام نهارا للنور، وليلا للنار. في هذا الطرح يتصارع الإلهان صراعا أبديا لاستقطاب الإنسان ويسيران الكون.

مع مجيء زرادشت (660- 583 ق. م) أبطلت هذه الثنائية. فليس ثمة وجود إلا لإله واحد، هو إله الخير، إله النور اللامرئي، الذي سيكون النصر المؤزر من نصيبه، إذ ما الشر إلا ضباب عابر في حياة الإنسانية. أما في مصر فقد دعا الفرعون أخناتون (ت حوالي 1354 قبل الميلاد) إلى عبادة إله واحد، يرمز له بقرص الشمس، هو أتون، أي إله الشمس.

في العهد القديم (التوراة) أول ما خلق الله النور. خلقه قبل أن يخلق الشمس والنجوم والكواكب، ما يدل على العلاقة الأثيرة لله بالنور. كما تتخذ الديانة اليهودية نجمة رمزا لها. وفي المسيحية “”إنَّ الله نور، وليس فيه ظلمة البتة”. أما المسيح فهو نور العالم. تكررت لفظة “نور” و “النور” في القرآن 43 مرة ولفظة “منير” 6 مرات، مثلما أكدت البحوث المختصة. لكننا سنقتصر هنا على أمثلة محددة من تلك التي يدل فيها النور على القرآن أو دين الإسلام، وتلك التي يضيف فيها الله النور إلى نفسه.

فمن أمثلة الباب الأول:
اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [الآية] (البقرة: 257) .
يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (التوبة: 32).

ومن أمثلة الباب الثاني:
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ [الآية]. (النور:35).
هذا، إضافة إلى أن الهلال يمثل رمزا إسلامية.
وفي العصور الحديثة، وبعيدا عن الدين، نسمي الفلسفة العقلانية التي ظهرت في القرن الثامن عشر في فرنسا “فلسفة الأنوار” أو اختصارا “التنوير”. ونسمي المفكرين المدافعين عن تقديم العقل وحرية التفكير “المستنيرين” أو “التنويريين”. ونقول “العلم نور” وللشخص المتألق الذي يثير إعجابنا “منور”.

_______________________________

* ملاحظة. في ما يتعلق بأديان الهند والصين وإيران، اعتمدنا كليا على: أبكار السقاف، الدين في الهند والصين وإيران، آفاق، 2018، القاهرة.

نشر بموقع بوابة الوسط.

مقالات ذات علاقة

اللغة المقدسة

المشرف العام

كلاسيك (100/13)

المشرف العام

أوهام رواندية

المشرف العام

اترك تعليق