تجارب

حين نكتب على أرذل الورق

رواية بلقاسم للكاتب إبراهيم عثمونة

يا سبحان الله كيف تتضح رؤية الصورة أكثر كلما ابتعدنا عنها أو كلما ابتعدنا عن المكان والزمان الذي وقعت فيه، ونحن الذين كنا نظن دائما أنه كلما كنت قريباً منها كانت الصورة أوضح.

أذكر أن أخي “محمد” كان قد نصحني بأن أنتظر وأتمهل ولا أكتب “بلقاسم” الذي يظهر بالأسفل، كنتُ عجولاً، وكنتُ أحسب أن كل شيء واضح وكان هو يأخذ القلم من يدي ويقول لي أن الصور الكبرى يا إبراهيم لا يمكننا أن نراها كاملة إلا حين نبتعد عنها وتظهر لنا بالطول والعرض من أقصاها على أقصاها.

لم استمع له ولم آخذ بنصيحته، وكتبتُ بالقاسم الذي يبدو لي اليوم كما لو انه المولود الذي تمخضت به امه وأنجبته منقوصاً بلا ذاكرة.

كم أتمنى لو يموت بلقاسم اليوم!

لا أريده حياً إلى جانبي.

كتبته في 2012 وكان أول ظهور له في معرض طرابلس للكتاب 2013 وأنا أحتفي به وأخبرهم أنه أول عمل أو أول مولود لي، أوزعه على الذين أعرفهم والذين لا أعرفهم، ولو كان معي 6 مليون نسخة لوزعتها على الستة مليون، الشيء الذي يؤلمني اليوم وبعد مرور سنوات على ميلاد بلقاسم، والشيء الذي أخشاه أن يقول كل مَن يقرأ بلقاسم عني، كما قال رجل أسمه “السني” أنني أكذب، لا أعرف هذا الرجل فقط التقيته صدفة وبيده نسخة الرواية بمكتبة الأستاذ عبد القادر ناجم في سبها ليقول لي وهو يلقي ببلقاسم من النافذة إلى الشارع، أنني أكذب، هرع عبد القادر ناجم ليعيد الرواية من الشارع وهذا الذي اسمه السني يقول أن نصف الرواية الأخير كان كذباً وشططاً وكلاماً غير معقول، لم ارد عليه، ربما الرجل كان محقاً فنحن ساعة نجهل كنه الأشياء وحقيقتها يحدث أن نقول كلاماً غير صحيح ويراه الآخرون كلاماً كذباً . صمتتُ للحظات قبل أن أقول له بأن لا يغضب فإذا كان من محاسن في اشتباكات ورشفانة والزاوية التي تكررت يومها أنها أحرقت ما تبقى من نُسخ بلقاسم بمخازن الكتب التابعة لوزارة الثقافة والواقعة جهة “صياد” و”المايا” وتلك النواحي.

حسن فعلت الاشتباكات!

كتبتُ بلقاسم في 2012 وأنا العجول بطبعي حين أكتب حتى على أرذل الورق،

كتبتُ عمن مدينة البيضاء ومشيتُ غرباً مع المدن المنتصرة على الساحل وحتى الزنتان دون أن أعرف أن النصر يكون فقط يوم تنتصر ليبيا من غات إلى طبرق، جنحتُ بالزنتان وأخواتها وطرتُ بهن فوق السحاب دون أن أعرف أن ليبيا كانت وقتها في الحضيض، فقال لي السني الذي لا أعرفه انني أكذب،

لأول مرة أتمالك اعصابي على هذا النحو وهو يكيل الشتائم لبلقاسم،

عرفتُ يومها والرجل يلقي به من النافذة إلى الشارع أننا بحاجة إلى مراجعة أفكارنا بعد كل حين حتى نتبين أي الأفكار تصمد مع الزمن وأيهما تُستهلك وتغدوا هباء حين يصفها الآخرون بالكذب، وعاد على بالي الدكتور “محمد محمد المفتي” الذي أُعجب بالعمل أو دعني أقول أُعجب بنصفه الأول حين كنتُ أكتب فقط عن سجن الحصان الأسود وأخي محمد نفسه سجين بالداخل، وأكتب عن حديقة باب بن غشير اليوم في طرابلس حيثُ مكان الحصان الأسود في السابق، وأمازج بين السجن والحديقة دون أن أعرف أنني أمزج شيء في شيء آخر – أخذني الدكتور محمد محمد المفتي وأنا أهم بدخول فندق طرابلس الدولي (حيثُ يقيم المدعوون لمعرض طرابلس للكتاب 2013) أخذني من ذراعي ومشى بي بعيداً عن الضوضاء ليقول لي أنني أفلحت كثيراً وأنا أمزج بين السجن والحديقة، أذهلته فكرة المزج التي أبداً لم اتقصدها ولم أنتبه لها إلا وهو يتحدث لي عنها ويعطيها أبعاداً ومعاني أخرى، وشعرتُ به كما لو أنه يريد أن يقول أنني في الصفحات التي بعدها لم تفلح يا ابراهيم، وبدا لي كما لو أنه يريدني أن اعيد كتابة السجن والحديقة أو السجن بالحديقة أو عن السجن والحديقة، فهو الذي وجد في فكرة الخلط والمزج فكرة جديدة وجديرة بكتاب أجمل، عرفتُ يومها، والدكتور المفتي يأخذني على جنب، أن في داخل بلقاسم شيء جميل جداً، وعرفتُ بعدها والسني يلقي به إلى الشارع أن للجمال شروطاً، فمهما بلغ هذا الجمال من أناقة وفتنة سيفقد معناه وقيمته ونظارته حالما يفقد الذاكرة.

مقالات ذات علاقة

ما فيه خير من ساعة ربي لا تبرم لا تعبي

المشرف العام

علاقة ود قديم

سعيد العريبي

“مراد آغا”.. مسجد تاريخي في ليبيا يقاوم الزمن والحرب

المشرف العام

اترك تعليق