الشاعر حسن السوسي.
شعر

حضور في الغياب

 إلى شاعرِ الجمَالِ الرَّاحِلِ الكبيرِ حسن السوسي في ذكرى رحيلِهِ السادِسَةِ ..

الشاعر الليبي حسن السوسي -رحمه الله-

لم نفتقدْكَ فلم تزلْ منظورا *** حَسَنًا جميلاً غَيْبَةً وَحُضُورا

فلأنتَ في سمعِ القوافي صَدْحَةٌ *** تَنْسَابُ أغنيةً ، وتهطلُ نورا

ولأنتَ في دِفْءِ المشاعرِ رَجْفةٌ *** تُجْري على وجْهِ الحياةِ سرورا

ولأنتَ في شَفَةِ الزمانِ قصيدَةٌ *** سَاقَتْ قُلُوبَ العاشقينَ خُمُورا

ولأنتَ في سِفْرِ الخلودِ حِكَايَةٌ *** تنبثُّ في ليلِ الغيَابِ ظهورا

ولأنتَ في كتبِ الهوى أنشودَةٌ *** ضَحِكَتْ ضِيَاءً أحرفًا وسطورا

ولأنتَ في روحِ المزاهرِ عَبْقةٌ *** تَسْرِي على لَهْفِ الرَّبيعِ عبيرا

هل غِبْتَ ..؟ كلاَّ ، هل تغيبُ عنادلٌ *** صَدَّاحَةٌ ، لا نقبلُ التبريرا

هل مِتَّ ..؟ كلاَّ ، هل تموتُ قصائدٌ *** رسمَتْ على وجْهِ الحياةِ حبورا

هل للرَّبيعِ الطَّلْقِ يُمْسِكُ عطرَهُ *** ويُخَاصِمُ النَّحْلاتِ والعصفورا

والشمسُ هل تجفو ليعمى كونُنَا *** أَتعاقبُ الدُّورِيَّ والشُّحْرورا..؟

أمْ للبلابلِ أنْ تُصَادِرَ صَوْتَهَا *** وتُمَانِعَ الْكَوْنَ الْعَشُوقَ سُفُورا

يا سيِّدي ، وَجْهُ القصَائدِ كَالِحٌ *** لكأنَّها قد أُلبسَتْ ديجورا

يا سيِّدي ، والحزنُ يعصرُ رُوحَنا *** لا زالَ رُكْنُكَ في القلوبِ وثيرا

لا زلْتَ تَحْفَظُ للقصيدَةِ عهدَهَا *** وَتُبِيحُ صَبْوَتَهَا صِبًا وغرورا

كوَّنْتَهَا حَقْلاً وَحَفْنَةَ أَنْجُمٍ *** وقطيعَ غيمَاتٍ ، شذًا وعطورا

ترجمْتَ للعشَّاقِ صَبْوَتَهُم هُدًى *** وجعلت شَقْوَتَهُم هَوًى مغفورا

أَمْلَيْتَ شَوْقَ العاشقينَ على المدى *** وملأتَ ليلَ الحالمينَ بدورا

ونظمْتَ آهاتِ الحسَانِ حدائقًا *** وزرَعَتْ بَسْمَاتِ الْمِلاحِ زُهُورا

وَصَنعْتَ من لهفِ العيونِ مَرَاجحًا *** وبنيْتَ من رهفِ القلوبِ قصورا

وَدَعَوْتَ للحبِّ القلوبَ فأمَّنَتْ *** هَتَفَتْ بحبِّكَ نبضةً وثغورا

لبَّيكَ عشَّاقًا تسامى عشقُهُمْ *** قد أَدْمَنُوا الحبَّ النبيلَ ظهيرا

لازلتَ توقظُهَا بنبرةِ عاشقٍ *** لازالُ شعرُكَ للنُّفُوسِ مُثيرا

هلاَّ رجعْتَ فللمنابرِ رجفةٌ *** تَنْتَابُهَا ، ولقد بكتْكَ كثيرا

هلاً رَجَعْتَ فللقصائدِ وَحْشَةٌ *** قد صَارَ محفلُهَا عليكَ صفيرا

ولطالما أهْدَتْ لشعرِكَ عطرَهُ *** وَكَسَتْ حُرُوفَكَ مُخْمَلاً وحريرا

ولطالما غانَجْتَهَا فَتَصَادَحَتْ *** ودَنَتْ لتقبسَ من رؤاكَ شعورا

وتهامَسَتْ في نشوةٍ وَتَضَاحَكَتْ *** تَسْتمرئُ التَّوشيحَ والتدويرا

فيكَ اسْتَلَذَّتْ شاعرًا متجاسِرًا *** فيكَ الفرزدقَ عانقَتْ وَجَرِيرا

قد كانَ حرفُكَ للقلوبِ شفاءَهَا *** قد كانَ شِعْرُكَ لِلْجَمَالِ سفيرا

قد كانَ صوتُكَ للرَّبيعِ عبيرَهُ *** قد كانَ وجْهُكَ في الدُّجى موشورا

كم من نفوسٍ قد شفيتَ جراحَهَا *** فَرَحِمَتْ قلبًا يائسًا وكسيرا

ولربَّ يائسةٍ مَدَحَتْ شَبَابَهَا *** فَأَثرْتَ في القلبِ الكسيرِ غرورا

من كحلِ عينيها رَسَمْتَ شَوَاطئًا *** وَدَعَوْتَ عُشَّاقًا .. بَعَثْتَ عصورا

من فجرِ بسمتِها أضأْتَ مدائنًا *** وَنَسَجْتَ قافيةً .. بنيْتَ بحورا

من عطرِ لمستِها رسمْتَ خمائلاً *** من دِفْءِ هَمْسَتِهَا أَضَأَتْ دهورا

فَلِحُسْنِ شعرِكَ لا تزالُ وفيَّةً *** تتلو قصيدَكَ مُنعشًا وأثيرا

ترنو على بابِ الرَّجَاءِ بمهجَةٍ *** ترجو بريدَكَ أنْ يَزُفَّ عبيرا

كيف اختفيتَ ..؟ وهل نصدِّقُ نَاعِيًا *** يَنْعى الجميلَ الشَّاعِرَ المشهورا

أَسَرَتْكَ أُنثى فاستجبْتَ لِسحْرِهَا *** وبقلبِهَا قد خبَّأتْكَ أميرا

حوريَّةٌ كانت دَعتكَ لنزهَةٍ *** فتريكَ في كنفِ الجنائنِ حُورا

فمنحْتَهَا قلبًا يُنَابزُهُ الهوى *** فَيَمُدُّ للحسنِ الْجَسُورِ جُسُورا

فمضيْتَ تَنْسُجُ للحِسَانِ فرائدًا *** وَتُبِيحُ لِلَّهَفِ الجهورِ بحورا

وتركْتَ شِعرَكَ مالكًا أرْوَاحَنَا *** يُهْدِي قلوبَ العاشقينَ سرورا

يَتَوَاطَأُ الشُّعَرَاءُ للحسنِ الذي *** يفتنُّ من قَصَصِ الهيامِ قصورا

لم تغرِكَ الدُّنيا فتجري خلفَهَا *** إذ عِشْتَ فيها سيِّدًا وحصورا

رمْتَ الحياةَ جمالَهَا وجلالَها *** وحلالَهَا وَزُلالَها المقدورا

أحبَبْتَهَا فَنًّا وحسنًا َمُلْهِمًا *** وَنَأَيْتَ عنها شقوةً وفجورا

لا لم نصدِّقْ أنَّ قلبَكَ قد وَهَى *** وتقاعدَ القلبُ الرَّسُولُ أخيرا

لم نفتَقِدْكَ فلم تزلْ منظورا *** حَسَنًا جميلاً غَيْبَةً وحُضُورا

مقالات ذات علاقة

أنا أسيرُ .. أنا أسير

عبدالدائم اكواص

أربعة عشر أخاً وأختاً

مفتاح العلواني

قصائد .. 1

الجيلاني طريبشان

اترك تعليق