المقالة

ثقافة مقهورة

كثيرة هي الدراسات والكتب والندوات التي تناولت أسئلة هذا المصطلح وهو يتوجه مباشرة نحو الثقافة العربية أو الثقافة العربية الإسلامية أو الثقافة الإسلامية لا فرق عندي لأن الصفة أراها مرتبطة بها أيا يكن مسمَّاها…
وهي ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها هذا المصطلح للأسئلة فقد كان للمستنيرين في القرن التاسع عشر شرف التنبيه إلى ما تعانيه ثقافتنا من أمراض وعلل وجب مواجهتها والقضاء عليها قبل أن تستفحل وتتحول إلى وباء…
واستمرت الأسئلة في القرن العشرين ولعلها صارت أكثر زخما عقب هزيمة سبعة وستين، وعندما ظهر هنتنجتون بنظريته في صراع الحضارات عارضه العقليون العرب واتهموه بالعنصرية ورفضوا قوله بأن البقاء للأقوى لأنه يعني التسليم بأن ثقافتنا لن تصمد أمام زحف الثقافة الغربية والحضارة الغربية، ورغم أن عودة سريعة للتاريخ وحضاراته التي سادت ثم بادت والشواهد الصارخة التي نراها في أيامنا هذه والتي تؤكد صدق نظريته إلا أننا ما زلنا نصر على أننا أبناء الثقافة المنتصرة…
وفي ظني ان مجادلاتنا العبثية لن تنقطع ولعلها تصل حتى إلى القرن الثاني والعشرين وما بعده، وهذا ليس من باب السخرية بل هو توقع له وجاهته وشواهده…
الشاهد الأول يثيره هذا السؤال: ما هي مساهمتنا في الحضارة الإنسانية خلال قرن أو قرنين مضيا..؟ الجواب على هذا السؤال لا يرضي إلا كبريائنا الذي أعمى عقولنا وما زال يعميها ويزين لنا أننا الأولون وأننا الأعلون رغم أننا لم نرتق إلا بضع درجات في سلم التقدم، فلينظر كل منا في نفسه ثم ينظر في الآخرين وما حوله ثم ينظر في أحولنا وأحوال الأمم التي حولنا ليعرف الجواب الحقيقي، نحن نعيش على فتات موائدهم وندعي أننا سادتهم…
لا مفر وحسب كل الشواهد ان نعترف بأن ثقافتنا ثقافة مقهورة لأن عقلها مقهور قهرته الخرافة والأسطورة في ثراته ولم يساهم في تقدم الإنسانية ولو بجملة واحدة، وحتى يتجرأ ويعلن ثورة عليها سيبقى عقلا مقهورا وتابعا للعقل الذي يصنع التقدم، العقل والحرية يرتبط كل منهما بالآخر، إذا غابت الحرية غاب العقل، وما نسميه بالعقل العربي مجرد مصطلح لا وجود له في واقع حياتنا، دعونا على الأقل نعترف بهذه الحقيقة.

مقالات ذات علاقة

رائحة الحليب

سالم العوكلي

قبل أن تقرأ: هذه قاعدة مؤسفة وثمة استثناء !

أحمد الفيتوري

الحيوان البشري !

محمد المغبوب

اترك تعليق