من أعمال التشكيلي عادل الفورتيه.
قصة

تمرد آزار

من أعمال التشكيلي عادل الفورتيه.
من أعمال التشكيلي عادل الفورتيه.

 

عند قدومي للعيش في الولايات المتحدة كانت هناك بيئة ومناخ جديدين لم ألفهما في حياتي التي عشتها في وطني من قبل.

انتابني شعور بأنني قذف بي في الجنة لم أر في حياتي الوجودية سابقة لي مثل هذا المكان.. كان كل شيء من حولي ينطق بالحياة .. وكأن الجنة قد فتحت لى ابوابها من حيث لاأدرى ..

كان كل شيء من حولي ينطق بحياة جديدة فالخضرة تطوقني من كل مكان والهواء يرسل نسيما عليلا لم اعتده من قبل حيث كنت اتنسم رياح القبلي المملؤة بالغبار القادم من تصحر الجنوب في بلادي أو رائحة السبخ المنتشرة فى كل مكان تزكم الأنوف.

كانت المدينة التي كنت أسكنها في جنوب الولايات المتحدة وبالأحرى في ولاية (المسيسبي) تلك الولاية المشهورة بجوها المبدع واراضيها الخضراء طوال السنة .. كنت أتجول فى غاباتها بين الفينة و الاخرى المجاورة حيث كانت قطوفها دانية بأنواع ماتشتهى الأنفس من فاكهة  حيث كانت أشجار اللوز الآمريكى تدلى من فروع الآشجارفى صورة عذرية لم يمسها بشر من قبل .. تصورت و أنا أتجول فى تلك الغابة بأن الله قد قذف بي في الجنة.

كان كل شيء من حولي عذريا لم تطله يد أنسان من قبل ..تخيلت أنها ذات طبيعة لم تلمسها يد أنسان .. خيل لي أنني أسكن مكانا لم يخصص للإنسان من قبل .. كنت أسكن في جنة وارفة الظلال لم أحس مطلقا بوهج الشمس بل اشعتها تلامس جسدي في لطف شديد لم اعتده من قبل في وطني .. حيث الحرارة تقتلع جلدى بحروق عنيفة .. كل شيء حولي يلامسني بلطف ..شعرت وانا في مكاني الجديد أنه قد قذف بي في عالم لم ألفه من قبل .. الناس و الطبيعة من حولي في صمت دائم لا تسمع فيها لاغية .. شعرت انني في صورة الجنة التي وردت في الأسفار الدينية و ان اختلف المكان و الصورة.

شعرت بصدمة هائلة تقفز الى شعوري و تتسرب الى أعماقي وقفزت الى نفسي أن أقضي جل حياتي فى هذا المكان الموعود و تسرب الى نفسي أمل أن أدفن فى هذا المكان بعد موتي الذي يغمرني بالسعادة ..لكن بعد برهة من الزمن بدأ الملال يتسرب الى نفسي .. لقد انتفت كل حياة الصخب  التي كنت أعتدتها في بلادي. فالناس حولي من هنا قد أطبقت أفواههم صمتا قلما يتحدثون اليك ..شعرت انني أعيش في وسط أشبه بسكان القبور.. لا أحد يتواصل معك وحتى الجيرة الذين من حولي دائما في حركة سريعة.. لايعيرونك أدنى اهتمام مع أنهم جيرة .. شعرت بالوحدانية تأكل جسدي.

لم أعد أطيق حياة الصمت من حولي وقد دفعني شوقا للرجوع الى تلك الحياة التي الفتها .. كان جسدي يتحرك في فضاء لا يلامس أحدا .. شعرت أن الحياة دون الآخرين عدم مطلق .. لقد علق لساني في حلقي ومن كثرة الصمت انتابني شعور باليأس المطبق ..

الانسان يشعر بالعدم من حوله اذا لم يجد أحدا.. لقد شعرت بالنفي الوجودي من حولي.. شعرت بالضيق يتسرب الى نفسي من هذهالحياة الرتيبة التي لم تحقق وجودي .. شعرت بأنني كالطريدة التي أظلت القطيع وبدأت تبحث عن خلة .. لا تشعر بالسعادة الا عندما يلامسك الألم فلا تعي وجودك الا من خلال الصراع والآحتكاك بالغير  .. شعرت بأنني مثل ذلك الكاهن المدعو ( آزار *)..الذى كان موليا على أصنامه في معبده ..و عندما كفر بأصنامه عاد الى اصنامه ثانية ..لقد شعر بالفراغ يلفه خلال تركه لأصنامه التي تعود الالتصاق بها طوال عمره .. لقد شعر بأنه لا وجود الا من خلال بقائه بين أصنامه .. كذلك بالنسبة إليّ، لم يفترق الأمر عندما كنت اشاطر ذلك الكاهن شعوره ..فهو قد عاد الى أصنامه ثانية و أنا عدت الى بلادى ألتمس الوجود المقفر ثانية.

________________________________

*آزار هو والد سيدنا ابراهيم

نشر بموقع بوابة أفريقيا الإخبارية.

مقالات ذات علاقة

شمس على نوافذ البراكة

علي جمعة اسبيق

كحال البلاد!!!!

زكريا العنقودي

النخلة

المشرف العام

اترك تعليق