النقد

تقنيات السرد في قصة صانع المراكب

تقنيات السرد في قصة صانع المراكب للكاتبة صافيناز محجوب شنبيرة
(سلسلة دراسات في كتابات جديدة في القصة القصيرة)

من أعمال التشكيلي.. معتوق بوراوي
من أعمال التشكيلي.. معتوق بوراوي

كلمة اولى:

هذه الدراسة الأولى من مجموعة دراسات كتبتها حول القصة الليبية القصيرة تنشر لأول مرة تناولت فيها بالدراسة مجموعة من القصص الليبية القصيرة الجديدة، ومتن هذه الدراسات هو تلك النصوص التي شارك بها أصحابها في مسابقة سيكلما للشعر والقصة القصيرة في سنواتها الأربع الماضية: (2016، 2017، 2018، 2019). اهدي كل تلك الدراسات إلى الشباب في سيكلما مثمنا جهدهم المميز وإصرارهم على الاستمرار رغم كل الظروف التي يمرون بها هم وبلادنا.

مقدمة:

تبدأ القصة على صورة مميزة للعلاقة بين الفتى (عمر) وبين البحر، الذ يحب صناعة المراكب الورقية. عمر يعيش في قرية قريبة من البحر، وكان والده صيادا وتوفى غريقا في البحر. عمر يعيش مع أمه التي ليس لها في حياتها إلا هو.

يقوم الراوي، من خلال السرد المعتمد على المشاهد وعديد التقنيات السردية (الأخرى) المتضمنة في المشهد، بوضعنا في إطار تلك العواطف العميقة التي تشعر بها الأم تجاه أبنها. هذه العواطف قدمت من خلال الحيل السردية المميزة وحسن تنظيم الحكاية التي بدأها الراوي بتصوير الشخصية الخاصة: الولد عمر، ثم انتقل ليرسم العواطف من وعي الأم.

الأم التي ستفجع في نهاية المطاف بابنها في زمن قادم. سنقوم في هذه الدراسة بمتابعة التقنيات السردية مع رصد الأحداث المتتالية وندرج ضمن الدراسة متن القصة كاملا دون إنقاص لنوضح بذلك فكرتنا حوله، وكيفية تحليل القصص من خلال دراسة الحكاية ودراسة التقنيات السردية التي احتوت عليها، هذه التقنيات لا يضعها الكتاب بشكل عبثي؛ وإنما تكون لخدمة غرض فني مميز أو رؤية تبنى بها الشخصيات وتؤسس بها الأحداث.

  • أولا. التعريف بعمر وحبه للمراكب الورقية

يبدأ الراوي القصة بوضعنا في إطار موضوعها وهو الولد المهووس بصنع المراكب، هذا التعريف يكون عن طريق تقنية التواتر زمنيا، ثم يبدأ الراوي في وضعنا في التفاصيل:

“(أ) منذ أن كان صغيرا وهو يجيد صنع المراكب الورقية (ب) يصنعها في مرح طفولي (ت) وعندما ينتهي يرسلها عبر الأمواج إلى بعيد، متمنيا لها وصولا سالما. (ث) هكذا أصبحت عادتة كل يوم (ج) يصنع المراكب بأشكال وأحجام،(ح) حتى عرف بين أقرانه بصانع المراكب وفي بعض الأحيان يعطيها لتلاميذ مدرستة نظير بعض الحلوى.

نتابع كيف بدأ الراوي سرده من خلال جعل التواتر في (أ) اداة لبداية السرد، هذا التواتر يغطي مرحلة زمنية لدى المروي له وفي الوقت نفسه يساهم في تأكيد عشق الولد للمراكب الورقية، في (ب) صور لنا حبه لها ومرحه الطفولي وهو يصنعها، ثم في (ت) يرسلها عبر الموج وهي تعبر عن مزيد الانهماك في حب المراكب الورقية، يكرر الراوي من جديد الدورة السردية، فيؤكد حبه للمراكب الورقية وصناعتها حتى أصبحت عادته كل يوم، ونجد في (ج) تفاصيل فنية للمراكب التي يصنعها فهي بأشكال وأحجام مختلفة، ثم في (ح) صار معروفا بين اقرانه بذلك الوله بالمراكب إلى أن صارت صناعتها اسما له، بل ويعطيها احيانا مقابل بعض الحلوى.

  • ثانيا. تأخر عمر عن المنزل وغضب أمه منه

في المقطع التالي ننتقل من السرد التواتري الذي رسم به الراوي جوانب أخرى من شخصية الولد المحب للمراكب الورقية إلى تأطير حدث ما في يوم محدد، حيث الولد تأخر عن المنزل. الراوي قام بتفعيل الحدث بواسطة التصوير السينمائي، أو الصورة البصرية المتحركة، التي تعكس ضمنها ثقافة اجتماعية محددة من خلال صورة الأم وطريقة خروجها بحثا عن ولدها:

 (أ) في ذلك اليوم تأخر ولم يعد للمنزل (ب) ولم تجد والدته الحقيبة بجوار الباب. وبعد طول انتظار ارتدت جردها (1) الأحمر القاني وذهبت مسرعة وهي على يقين بمكان وجوده! على الشاطئ لم يكن سواه جالسا منكبا على شيء ما. (ت) اقتربت في هدوء وهي تمسك بأطراف جردها المتطاير وفجأة أمسكت برقبة قميصه في قوة، فانتفض فزعا وسقط قاربه الورقي فقالت له مغاضبة (كل ما أنقول وين عمر …. يقولوا في البحر ) ، لملم بقايا حقيبته المتناثرة على الرمل وجر قدميه ورجع مع أمه غضبان أسفا.

في (أ) تم سرد الحدث مؤطرا بيوم ما غير محدد بدقة لكنه يوحي بحضور زمن ما، ثم في (ب) نتابع صورة الأم وهي تعكس من خلال مكوناته التكوين الاجتماعي الذي تعيش ضمنه الأم، ثم في (ث) نتابع تصرفها الحازم مع ولدها، هناك تناص في وصف عودة الولد فهو قد عاد غضبان أسفا.

  • ثالثا. استدعاء المدرسة للأم واخبارها عن مشكلة ابنها عمر

المقطع التالي أيضا يستهل بتأطير زمني (بعد الغذاء) ويرسم طبيعة العلاقة بين الولد وأمه الحانية عليه والمغدفة من فيض حنانها ومحبتها:

بعد الغداء سألت الأم ولدها في هدوء ( ليش ما روحت للحوش يا عمر ؟) نظر مباشرة إلى الأرض في انكسار وترقرقت الدموع في عينيه وانكمش في مكانه تاركا قطعة الخبز من يده ، لاحظت الأم توتره فضمته إلى صدرها وقبلت وجنتيه.

بينما نجد في المقطع التالي صورة سينمائية للعلاقة الحميمة بينه وبين الأم وبكاءه نتيجة للاستدعاء الذي عملته المدرسة لأمه لإبلاغه عن إهماله لدراسته:

بكي عمر كثيرا. من العبارات القليلة المختلطة بالبكاء فهمت الأم أن إدارة المدرسة تطلب مجيئها . جلس عمر بعد الغداء أمام منزلهم على قطعة حصير صغيرة، وصنع أربعة مراكب وضعها بجوار سريره قبل أن ينام

يوظف الراوي في المقطع التالي الخطاب المنقول لينقل لنا حوارا تمّ بين الأم وصديقتها الحاجة فاطمة التي طمأنتها عن عمر. بدأ المقطع من خلال التأطير بالمكان حيث عودة الأم كانت من المدرسة في (أ)، بينما في (ب) الترهين من خلال ربط حدث عدم الدخول بحدث لقاء الصديقة الحاجة فاطمة، ثم في (ت) الحوار المنقول بين أم عمر وصديقتها فاطمة والحوار كان باللهجة ليضعنا الراوي فيما يبدو في وضع أقرب لوعي الشخصيات. لنتابع ذلك كما يلي:

“(أ) عادت الأم من المدرسة، وقد أخبرها المدير أن معظم المعلمين يشكون قلة اهتمام عمر بالدروس فضلا عن استخدامه أوراق الكراسات في صنع المراكب .(ب) وقبل أن تدخل الأم إلى بيتها تقابلت مع الحاجة فاطمة، (ت) التى قالت لها في اهتمام: ( ايش في يا حاجة جميلة لا حر لا شر كنك يا خيتي وجهك أصفر ) حكت لها ما حدث معها وما أخبرها به مدير المدرسة فضحكت الجارة قائلة ( اللي خلف ما مات …. ما تخافيش عليه ) .

  • رابعا. معاقبة الوالدة لأبنها عمر وهربه ثم عودته

نتابع في المقطع التالي كيف عاقبت الأم ولدها عمر ويبدأ المشهد من خلال التأطير وربط الحدث بإطاره الزماني الذي نجده في (أ) ثم يتم نقل الصورة لرسم البعد الحركي فيها، مع هذا الحدث الخاص وهو قيام الأم بمعاقبة الولد على تقصيره في (ب) ونجد في (ت) ذلك التصوير من الراوي للوضع السينمائي أو الصورة المتحركة التي تنتقل من الولد إلى الأم ثم بالعكس، فيهرب منها للبحر في (ث):

 (أ) في موعد عودة عمر إلى المنزل فتحت الأم الباب، ووقفت في انتظاره وشيئا فشيئا بدأ الأطفال يعودون إلى منازلهم وما هي إلا دقائق حتى ظهر عمر. نظرت إليه وقالت وهي توليه ظهرها ( خش وسكر الباب ). فقال لها ( نبي نمشي ل…..) فقاطعته في صرامة قائله: ( خش وسكر الباب ) . (ب) تردد قليلا ثم دخل كانت الأم واقفة وسط (الحوش ) وفي يدها غصن زيتون تربت به على يدها اليسرى، (ت) أنزل عمر حقيبته متحاشيا النظر في عينيها، سكت الاثنان للحظات (…) وصرخت في وجهه🙁 أتريد ان تفشل في دراستك وانهالت عليه ضربا بغصن الزيتون وهو يصرخ فارا منها قافزا هنا وهناك (ث) حتى فتح الباب فجرت الأم خلفه، فلاذ بالفرار في حين وقفت الأم تعبه على عتبة الباب وغصن الزيتون ما يزال بيدها يهتز بعنف” .

 نجد في المقطع التالي التأطير والترهين: التأطير في (أ)، من خلال تحديد الزمن في بداية سرد الحدث، حيث يحدد الراوي النقلة الزمنية من لحظة هروب الولد إلى ارتفاع أذان المغرب بكونه ساعتين، ثم نجد في (ب) سعي الأم للصلاة، ثم نجد الترهين في (ت) وهو يجعل من حدث حضور الولد المرهن بحدث صلاة الأم اكثر بروزا، لنتابع هذا المقطع:

 “(أ) بعد مرور أكثر من ساعتين ارتفع صوت الحاج محمد بأذان صلاة المغرب(ب) تركت الأم المسبحة من يدها وأخذت سجاده الصلاة (ت) وما أن رفعت يديها قائلة الله اكبر … حتى سمعت صوت صرير باب المنزل ومن بعدها خطوات صغيرة،(ث) تبسمت في ارتياح، أكملت صلاتها ثم جلست ممسكة بالمسبحة من جديد وهي تنصت لصوت ارتطام الملعقة بصحن الحساء الذي وضعته بغرفه عمر.

لاحظنا في (ث) تصرفات الأم وهي تعكس طيبة شخصيتها وتقدم في الوقت نفسه مجموعة من الأفعال المتتالية تشكل الحدث، وهو تبسمها في ارتياح، واكمالها الصلاة، ثم سماعها لصوت ارتطام الملعقة بصحن الحساء.

ونلحظ جانبين هامين هنا: الأول البعد الاجتماعي من خلال عودة الولد للبيت قبل المغرب، وذلك لأن البقاء بعد المغرب خارج البيت لطفل صغير يعد عيبا كبيرا، والثاني يتمثل في البعد السمعي أو الصورة السمعية حيث الأم تستمع لصوت ارتطام الملعقة بالصحن.

  • خامسا. خوف الأم على عمر أن يصبح صيادا
  • خوف الأم على أبنها من البحر

التأطير من جديد في المقطع التالي وهو تأطير زمني لنتابع ذلك هنا:

 “(أ) في الصباح وحيث كانت الأم مستلقية على سريرها تردد في عقلها صوت الحاجة فاطمة وهي تقول: (اللي خلف ما مات …. اللي خلف ما مات) فـــتملّكها الــــخوف الشديد، (ب) وهي تسأل نفسها هل سيصبح عمر صيادا مثل أبيه ؟ (ت) وشعرت بالألم يعتصر قلبها وهي تتذكر تلك الليلة المشؤومه ، حين عاد الصيادون ولم يعد زوجها (علي)، (ث) ظلت لثلاثة اشهر تقف على الشاطئ في انتظاره، (ج) وفي النهاية تقبلت فكرة أن زوجها مات غرقا، وظل المركب و(عمر) هما كل ما تبقي لها من زوجها , فأستأجر أحد الصيادين المركب، ومن ثمن الإيجار تحضر لعمر ما يحتاجه وتشتري بالباقي ما يلزمهما من أغراض، (ح) وأيقظها صوت ارتطام شيء بالباب من دوامة الذكريات فأسرعت نحو الباب فلم تجد سوى حقيبة عمر .

المقطع السابق يستخدم الراوي كلمة الجارة: الحاجة فاطمة، وهي تقول (اللي خلف ما مات) ليبدأ الراوي في سرد قصة موت الأب في البحر. في (أ) نتابع صورة بصرية سبقها تأطير زمني بتحديد زمنها وهو الصباح، فيها الأم مستلقية تفكر وشعورها بالخوف على أبنها الذي يعكس حبها له، ثم في (ب) نتابع السؤال المستفز من وعي الأم للمروي له لجعله أكثر حضورا معها في أزمتها، ونتابع الترهين في (ت) الذي يوضح شعورها باعتصار القلب وهي تتذكر قصة موت الأب، فالترهين هنا يقوم بين الشعور بالألم وتذكر تلك الليلة، ثم في (ث) يقوم الراوي بتوضيح حجم نكبتها بموت الزوج وشعورها بعدم تصديق ذلك ويجعل من أفعالها متواترة، حيث يستمر ذهابها للشاطئ ثلاثة أشهر انتظارا للزوج الغائب، ثم في (ج) نتابع بقية الاحداث وهي تتمثل في قبولها بفكرة موت الزوج، ثم تأجيرها للمركب إلى احد الصيادين، الذي كان مصدر عيشها الوحيد هي وابنها عمر، ثم في (ح) نجد الصورة السمعية من خلال صوت ارتطام حقيبة الولد بباب البيت.

  • عمر يصبح صيادا.

في المقطع التالي نتابع عبر التلخيص تطور الأحداث لأزمنة طويلة، الثابت فيها اقبال عمر على البحر وزيادة خوف الأم عليه. السرد يبدأ بالترهين في (أ) بين حدث زيادة عمر ابنها (عمر) وزيادة تعلقه بالبحر الذي يترابط مع زيادة مخاوف الأم، فنحن امام تجربة ترهين حدث بحدث مما يحقق الترهين. في (ب) يستخدم الراوي تقنية السرد التواتري ليقوم بإبراز ما تقوم به الأم المُحِبةُ لابنها، الخائفة عليه من البحر، ثم في (ت) نجد تلخيص الراوي لفشل محاولات الأم في إبعاد ابنها عن البحر، بينما نعود للترهين في (ث) حيث يتم الربط بين حدثين متواترين هما: حدث خروجه المتواتر للصيد مع حدث دعائها له طول اليوم بالسلامة.

 “(أ) كـَبـُـَر( عمر) وازداد تعلقه بالبحر لتزداد بسبب ذلك مخاوف الأم المسكينة. (ب) وكما اعتادت انتظار زوجها أصبحت كل يوم تنتظر عودة عمر مع الصيادين على مركب أبيه )ت) فشلت كل محاولاتها في إبعاده عن البحر. (ث) وكلما خرج للصيد تظل طوال اليوم تدعو الله أن يعود سالما .

  • سادسا. حدث ضياع قارب عمر وجماعته في البحر لعدة أيام
  • توتر الأم في الصباح وتوجسها من دخول عمر للبحر

نجد في المقطع التالي تأطيرا زمنيا، لحدث له علاقة بالثقافة وهو فهمنا لطبيعة العلاقة بين الأم والولد وشعور الأم المسبق بوخز القلب قبل حدوث مكروه لأبنائها:

 “(أ) وفي احد الأيام صلت الأم الحاجة صلاة الفجر وهي تشعر بوخز في قلبها(ب) سمعت صوت عمر وهو يستعد للخروج فخرجت في لهفة ونظرت إليه في حنان قائلة:- ( يا وليدي …. خليك اليوم وبلاش البحر ) اقترب مقبلا رأسها قائلا :-( اللي مكتوب على الجبين لازم أتشوفه العين ) (ت) وبصوت منخفض رددت (يستر الله .. يستر الله ) (ث) وظلت واقفة في مكانها تلاحق عمر بنظراتها وشيء من الخوف والألم يتملك قلبها وأفكار وهواجس مخيفة تنتابها حتى خرج واختفى عن ناظريها.”

يبدأ المقطع السابق في (أ) بتأطير زمني مفتوح من خلال: أحد الأيام، ثم نجد الصورة السمعية من خلال سماعها لصوت عمر ولدها يستعد للخروج، ثم في (ت) حوارها مؤطرا من الراوي وهو يصف انخفاضه، ثم في (ث) نتابع في البداية صورتها خارجيا ثم يدخل الراوي ويبرز عمقها ومشاعرها: يصورها خارجيا وهي تنظر لأبنها الذاهب للبحر ثم داخليا ويرصد ما في قلبها وفكرها من هواجس وأفكار. يستكمل الراوي باقي موضوع التوتر من زاوية الأم.

  • تأخر قارب عمر

 في المقطع التالي وهو مكون من تصوير سينمائي (متحرك) لما تقوم به الأم مرتبطا مع بعدها الداخلي وآلامها، حيث في (أ) نتابع تلخيص تأخر عمر وقلق الأم وخروجها بحثا عنه وترقب لحضوره وينتهي المقطع بالترهين بين رؤيتها لبعض المراكب وبين جريها بقوة، وهو ما تسبب في (ب) أن تسقط ارضاً وهيت جري نحو الصيادين، ثم في (ت) صورتها تسأل عنا ابنها الذي مازال في البحر.

“(أ)تـــأخر عمر ولم يعد ، ولم تعد الأم تستطيع البقاء أكثر خرجت مسرعة وقلبها يــــــــكاد ينفطر، وعلى الشاطئ من بعيد رأت بعض المراكب فجرت بقوة نحوها (ب) واختل توازنها فسقطت على الرمل تركت جردها تعبث به الريح (ت) واقتربت من الصيادين تسألهم في لهفة عن(عمر) فكانت إجابتهم انه ما يزال في البحر” .

  • عدم خروج قارب عمر

في المقطع التالي نتابع التلخيص الذي يرسم حِدة هواجس الأم المنتظرة لولدها؛ حيث يرسم الراوي مغادرة الصيادين للمكان وبقاء الأم حتى الفجر وهي تجوب الشاطئ جيئة وذهابا، في (أ) يغادر الصيادون الشاطئ، ثم في (ب) نتابع الحدث الذي يقدم من خلال التأطير بتحديد زمن حصوله حيث خرج الصيادون للبحث عن المركب الضائع، فيما يتم تقديم موقف صديقة الحاجة صبرية الحاجة فاطمة وهي تحاول ان تردها للبيت وتأبى، ثم في (ت) صورة عودة الصيادين دون أن يجدوا المركب ومن عليه، ثم في (ث) نجد حدث محاولة جعلها تعود للبيت وهو حدث مؤطر بزمنه لكن لم تستجب. إننا أمام تفعيل الراوي لكل ما يمكن تصوره من ألم تعيشه الأم المحبة لأبنها التي أصيبت من البحر سابقا في زوجها، ونجد خلاصة الحب في الجملة التي قيلت باللهجة عن تحريمها البيت على نفسها إلا أن يعود ابنها.

“(أ) غادر الصيادون وظلت الأم وحيدة على الشاطئ، تنظر بشوق لعل الموج يحضر إليها ابنها الغائب . (ب) في اليوم التالي خرج الصيادون للبحث وباءت محاولات الحاجة فاطمة في إقناع الأم المصدومة بالعودة إلى المنزل، فجلست إلى جوارها في محاولة لمواساتها قائلة لها ( ما تخافيش إن شا الله يروح ). بكت الأم وهي تدندن في لحن حزين ( كل ما أنقول وين عمر … يقولوا في البحر يا خوفي يا البحر تأخذ مني عمر ). (ت) عاد الصيادون محاولين التهرب من سؤال الأم عن ابنها. (ث) وبعد مغيب الشمس حاولوا إجبارها على العودة ،فرفضت قائلة لهم في إصرار:- ( يحرم عليِ الحوش لين ايروح وليدي ) .

  • انتظار الأم لعمر حتى خروجه ورفاقه من البحر

 نتابع في المقطع التالي في (أ) تواتر بقاء الوالدة على البحر، ثم في (ب) يقدم لنا حدثا مؤطرا وهو قيام الأم بصلاة ركعات على البحر قبل الفجر، ثم في (ت) نجد الترهين الذي يتم فيه الربط بين اكمال الأم لركعتيها وبين ظهور نور قادم لمركب من وسط البحر. في (ث) الأم لم تعد رجليها تحملانها فيما كان ولدها احد الثلاثة العائدين فجرا، وتأكيد حجم العواطف من خلال حاسة اللمس في صورة لمسية للام وهي تلمس وجه أبنها فرحا بعودته سالما في (ج). لنتابع ذلك فيما يلي:

“(أ) ظلت الحاجة جميلة تجوب الشاطئ ، جيئة وذهابا، (ب) وقبيل الفجر بساعة وضعت جردها وثبتته على الرمل. ووقفت لتصلى (ت) وما أن أكملت صلاتها حتى رأت نورا قادما من بعيد (ث) لم تقو قدماها على حملها ظلت تنظر وتنظر وتبكي حتى اقترب المركب وهي تردد في صوت ضعيف (يا عمر …. يا عمر) نزل ثلاثة صيادين واقتربوا من الأم وبينهم كان عمر الذي ضم أمه بقوة وهي تجهش بالبكاء غير مصدقة! (ج) تتلمس وجه عمر في خوف وفرح وهي تسأله ( أنت عمر …. أنت وليدي صح قول ….) ورجعا إلى المنزل وسط فرحه الجيران والصيادين .

  • سابعا. حدث الحصول على الشهادة الثانوية وحصوله على بعثة خارجية

1. الحصول على الشهادة الثانوية

نجد فيما يلي نقلة زمنية إلى لحظة الحصول على الشهادة الثانوية؛ حيث نتابع في (أ) إنهاء عمر لامتحانات الشهادة الثانوية وتواتر انتظاره للنتيجة، ثم في (ب) الراوي يسرد ذهاب عمر وصديقه للحصول على النتيجة وكان الحدث مؤطرا بشكل دقيق من خلال كتابة اليوم والتاريخ الذي أعلنت فيه، وذلك فيه مزيد التأكيد أن القصة حقيقية، ثم يقدم من خلال التأطير المكاني في (ت) صورة الأم تنتظر عودة أبنها بنتيجته هي وصديقتها الدائمة الحاجة فاطمة، ثم في (ث) الولد يخبر أمه بنجاحه، لنتابع هذه المقاطع المميزة فيما يلي:

“(أ) أكمل عمر امتحانات الشهادة الثانوية وظل ينتظر بخوف النتيجة، (ب) وبتاريخ 1-9-1987 وتحديدا يوم الخميس ذهب عمر مع صديقة احمد لرؤية النتيجة وفي الطريق قال أحمد ( تخيل يا عمر لو رسبت! ) فضحك عمر وقال ( والله ما خايف إلا من غصن الزيتون بتاع الحاجة جميلة ) ضحك الاثنان وأسرعا الخطي نحو المدرسة .

(ت) في المنزل كانت الأم جالسة في وسط الحوش مع الحاجة فاطمة وأمامهما (براد الشاي الأخضر فوق الكانون) وهما ينتظران عودة عمر، (ث) وما هي إلا دقائق معدودات حتى سمعت الأم صوت عمر عاليا وهو يقول:- ( يا يمي نجحت ) احتضنت الأم ابنها في حين ملأت الحاجة فاطمة البيت زغاريد قبلت الأم ابنها وهي تبكي قائلة:- ( ربي يحفظك يا عمر …. ويبعدك عن البحر ).

2. الحصول على بعثة خارج البلاد

نجد في المقطع التالي عودة زمنية لزمن سابق تم بواسطته تغطية كون عمر مازال عاشقا للشاطئ قريبا من المركب رغم عدم قيامه بالخروج، هذا المعنى تمّ تقديمه في صورة تواترية في المقطع التالي في (أ)، وتم عن طريق السرد تحديد عدم قيام عمر بالدخول للبحر بعد الحادثة السابقة، رغم انه يبقى هناك لفترات طويلة. بينما في (ب) نجد سردا فيه تأطير ليوم محدد بعد العصر، ثم في (ت) و(ث) نجد الترهين لمرتين متتاليتين: المرة الأولى تم الترهين من خلال ربط حدث لهو عمر بسماعه صوت صديقه أحمد، ثم في (ث) صورة أحمد الذي جاء فرحا فما إن وصل لمكان صديقه عمر حتى سقط على ركبتيه، ثم في (ج) يسأل عمر متوقعا أن شرا أصاب امه، وفي (ح) يعلم أنه قد حصل على بعثة للدراسة في الخارج لنتابع ذلك فيما يلي:

“(أ) لم يستطع عمر أن يترك البحر ولا أن يغيب عن المركب. ورغم أنه لم يعد يخرج للصيد بعد تلك الحادثة، إلا أن جل وقته كان يقضيه على الشاطئ في تجهيز الشباك للصيادين أو إصلاح أحد المراكب. (ب) بعد عصر ذلك اليوم وبعد أن أكمل (عمر ) عمله أخذ يتسلى مع أصدقائه بلعب كرة القدم (ت) وبينما هو في لهوه سمع صوت صديقة أحمد يناديه من بعيد واقترب جاريا نحوه، (ث) وما أن وصل إلى مكان وقوفه حتى سقط على ركبتيه (ج) فاقترب منه عمر ممسكا بكتفيه في فزع قائلا ( كنك شنو فية امي كنها ) (ح) التقط احمد أنفاسه بصعوبة قائلا ( مبروك اسمك جاء في قائمة المبعوثين للدراسة الى الخارج ).

تصرف الأم المحبة كان بالبكاء فرحا، وشجعت أبنها على السفر معتقدة أن ذلك في صالحه وصالح تقدمه العلمي، رغم قلقها وخوفها على ولدها:

 بكت (الحاجة جميلة) فرحا. ورغم شعورها بالخوف من سفر ابنها الوحيد تمالكت نفسها، خاصة وهي تري فرحة (عمر) بهذا الخبر.

ربتت على كتفه قائلة:- ( عدي يا وليدي على الأقل اللي ايقولي وين عمر أنقوله سافر للغرب ) ضحك الاثنان في حين أخفت الأم قلقها الذي اخذ يساورها من ابتعاد ابنها الوحيد.

  • ثامنا. عمر في الخارج
  • ابنة خاله فتحية تقرأ الرسائل لأمه

تظهر في المقطع التالي شخصية فتحية ابنة خاله عمر، البنت التي يصورها الراوي بنتا اصيلة تقوم بالواجب مع عمتها، وتقرأ لها رسائل ابنها عمر في (أ)، وهي بذلك وبحسب العرف الاجتماعي عروسا متوقعة لعمر، في (ب) أخبر عمر أمه أنه سيدرس هندسة تصميم وصناعة السفن، وهي كانت سعيدة جدا، واخبرت بنت أخيها فتحية في (ت) – وعيونها دامعة حبا وشوقا- عن حبه للسفن من الصغر. هذه السعادة وتلك المحبة السابقة ستتغير بسبب مواقف عمر.

“(أ) سافر عمر وكانت فتحية ( ابنة اخيها ) تزورها من فترة لأخرى، فتقرأ لها رسائل عمر (ب) وفي آخر رسالة اخبرها عمر أنه يدرس تخصص صناعة وتصميم السفن. (ت) دمعت عينا الأم الــتي قالت لفتحيه :-( عمر من وهو صغير يصنع من الورق مراكب وكبر ومازال يبي يصنع مراكب ) ابتسمت لها فتحية في حين أخذت الأم الرسالة وضمتها لصدرها .

  • عمر وبيئة بريطانيا المختلفة وزواجه من انجليزية

هنا سنجد الحدث الذي سيقلب كل العلاقات السابقة في القصة وسيغير سعادة الأم حزنا وسيشعرها بالحرج مع أقاربها، حيث في (أ) نتابع تباين العادات والتقاليد بين بريطانيا وقريته الصغيرة، ثم في (ب) نجد – عبر التلخيص الزمني لأحداث كثيرة وزمن طويل – زواج عمر من انجليزية، وإرساله صورة ولديه لأمه في (ت) ليحزنها بذلك حزنا شديدا، ثم في (ث) نتابع حرج الوالدة التي كانت تواسي ابنة أخيها فتحية بكونها خسارة في أبنها التعيس.

“(أ) في بريطانيا كان عمر يرى أشياء لم يعتد رؤيتها في قريته الصغيرة يرى عادات وتقاليد تختلف اختلافا كاملا عما اعتاده منذ الصغر. (ب) تفوق عمر تفوقا ملحوظا وانهالت عليه عروض التوظيف والعمل وأغراه المال والعيش الرغيد ونسي من ينتظره في بلده فعمل في بريطانيا وهناك أيضا تعرف على فتاة بريطانية تزوجها وكون أسرته الصغيرة، (ت) وأرسل صورة ولديه لامه التي حزنت حزنا شديداً وهي التي تمنت أن يعود ابنها حاملا شهادته لتقوم بالإشراف بنفسها على مراسم زفافه. (ث) وحين كانت فتحية تأتي لقراءة الرسائل تقول لها الحاجة جميلة:- ( ما يلقى كيف بنت بلاده إنت يا فتحية خسارة فيه ) لم تكن فتحية تجيب على الأم العجوز سوى بابتسامه صغيرة ثم تغادر.

  • مشكلة عمر وزوجته بسبب صديقها الذي لم يرضى عمر به

وفي نهاية المطاف وقع المحظور ووجد عمر زوجته مع صديق لها وكان أن ضربها فسجنته وطرته من بلدها بعد أن سألتها الشرطة هل ترغب فيه أم لا. في (أ) نتابع تحول عمر الذي يشرب كأس بيرة ويجد زوجته مع صديقها ثم في (ب) عمر يضرب الزوجة التي كلمته سابقا ببرود عن علاقتها الخاصة بصديقها فاستدعت الشرطة التي قبضت عليه، في (ت) نتابع في قسم الشرطة إهانة الزوجة الانجليزية لعمر برفضه وإعلانها عدم الحاجة له. الراوي كما نرى في هذا المقطع يسعى لرسم الهوة بين العرب والغرب أو بين عمر الشرقي وزوجته الانجليزية، ويرسم في (ث) أمانيه – غير الممكنة – بإعادة الزمن الذي لا يعود ليكون خياره الذي تركه وهو اهله وبنت الخال فتحية زوجة، في (ج) يخرج من حرقته السابقة على صوت الشرطي الذي ينهره ويبين له الفارق بين هنا وهناك من ناحية أسلوب العيش.

“(أ) بعد يوم طويل من العمل عاد عمر إلى منزله فسكب في كأسه (بيره) لنفسه في حين أخذ ينادي زوجته فلم تجبه، وبعد ساعة ونصف حضرت ومعها رجل فسألها عمر وقد احمرت عيناه غضبا من هذا فأجابته في برود :- هذا هو (boy frind)، (ب) لم يتمالك عمر نفسه وهو الشاب العربي الذي لا يقبل أن تكون زوجته خليلة أحد، فصفعها على وجهها وانهال عليها ضربا فما كان منها إلا أن استدعت الشرطة فقيدوه ووضعوه في سيارتهم وذهبوا به إلى قسم الشرطة .

“(ت) في قسم الشرطة سأل الضابط الزوجة هل تريدَين زوجك أم نرحله إلى بلاده ؟ رفعت خصلات شعرها في دلال قائلة لا لم أعد أريده (ث) شعر عمر بالإهانة وكم تمني في تلك اللحظة أن يعود بالزمن إلى الوراء فيكمل دراسته ويرجع إلى بلده ليتزوج فتحية ويظل بجوار أمه الحنون تلك العجوز الطيبة التي طالما تعبت لأجله في ذلك البيت الصغير هانئ البال والطمأنينة تغمر قلبه بين أهله وأصحابه وبينما هو في دوامة التخيل تلك (ج) أفزعه صوت ضابط الشرطة وهو يقول له في خشونة )ألا تعلم أن ضرب النساء في بلادنا ممنوع )؟ فأجابه عمر 🙁 لقد أحضرت رجلا غريبا لمنزلي) فضحك الضابط هازئا وقال 🙁 أتظن نفسك في بلادك. أنت هنا في بلد متحضر انظر نحن لا نضرب النساء ) نظر عمر إلى الأرض وقال : ( اللي يحط يده في عش الدبابير أيتحمل قرصه ) .

نلاحظ في المقطعين السابقين عدم استخدام التقنيات السردية إلا قليلا وذلك لما يبدو أن الراوي لا يرغب في هذه المنطقة ولا يحب هذه الأحداث بينما كان مع الوالدة وأجواء الوطن يعيش تفاعلا سيعود له عندما يعود عمر للوطن خاسرا مهزوما.

  • تاسعا. عمر عائدا للوطن نادما
  • ركوب الطائرة عائدا

نتابع في المقطع التالي الحدث الذي يقدم مؤطرا (أ) بتحديد المكان وهو الطائرة والحدث وهو ندم عمر وبكائه على ما ضيعه. ثم في (ب) التأطير ايضا من خلال تحديد الحدث والفاعل مع عمر، حيث الحدث الهبوط والفاعل الطائرة والمكان ضمني وهو المطار، ثم نجد التأطير المكاني من جديد من خلال تحديد داخل صالة المطار حيث الشرطة تنتظر عمر.

“(أ) في الطائرة العائدة إلى أرض الوطن بكي عمر بكاءً مريراَ وشعر بالمرارة تسد حلقه ففي لحظة أنهدم كل شيء: ترك عمله وترك أبناءه وخانته زوجته. (ب) هبطت الطائرة وكم تمني عمر ألا تهبط أبدا من شدة خجله. (ت) وداخل صالة الانتظار كانت الشرطة في انتظاره لإنهاء بعض الإجراءات الروتينية.

  • الوالدة تطرد عمر وهو يقيم على البحر

نتابع في المقطع التالي الأخير من القصة أن التأطير يستخدم وكان هنا زمنيا في (أ) وقدمت عودته عبر تواتر فعل لمسافة محددة وهو تواتر السير من المكار إلى البيت، بينما يتم تحديد الإطار المكاني للحركة مع ربط ذلك بترهين الاستدارة للرجوع بظهور الأم خلفه، ونتابع في (ت) أنكساره مقابل موقف امه القاسي الغاضب عكس حنوه السابق. بينما في (ث) الأم تسأل أبنها اين سيكون فيجيبها على البحر. ونعود لنفس الدائرة الأولى عمر على البحر في (ج) حيث يرصد الراوي تواتر بقاءه هناك على البحر

استكمالا للدائرة ذاتها يستمر عمر على البحر ويستمر فعله هذا متواترا حتى بعد موت امه.

 “(أ) في اليوم التالي أفرج عنه عاد يسير بخطى متباطئا حتى وقف أمام باب منزلهم ولم يستطع أن يدق الباب (ب) فاستدار ليرجع فوجد أمه خلفه (ت) نظر إليها بانكسار في حين قالت له بقسوة:- ( يا خسارة بعت بلادك للغرب …… وفي النهاية ما لقيت إلا هي الصدر الحنون اللي يضمك ) (ث) حمل حقيبته وغادر فسألته أمه في لهفة:- ( كان سألوني وين عمر إيش انقول ؟) أجابها وهو يجهش بالبكاء:- ( قوليلهم عالبحر ) .

(ج) من يومها لم يعد عمر إلى منزله فقد بني له كوخا صغيرا على البحر وظل يصطاد السمك ليبيعه لأهالي المدينة حتى بعد وفاة أمه لم يترك البحر ولم يغادره إلا ليعود إليه.

هذه القصة مستوحاة من قصة واقعية وبطل القصة لا يزال يسكن كوخا على الشاطئ.

تضع القاصة في نهاية القصة جملة تؤكد بها ان هذه القصة بنيت على قصة واقعية وأن بطل هذه القصة لا يزال حيا على البحر.

  • عاشرا. خلاصة:

تميزت هذه القصة بقدرة الكاتبة المميزة على رسم البعد الدرامي، الذي تشكل ببطء وهدوء وهي ترسم كفاح الأم لتربية ابنها وترسم مع ذلك الأبن المحيط الاجتماعي المميز للوطن حيث الحاجة فاطمة فتحية، ورفيق أبنها أحمد، وكذلك مجتمع الصيادين الذين يحترمون ويقدرون هذه الأرملة المكافحة التي حافظت على نفسها وأبنها رغم موت الزوج، كما يضعنا الراوي في ازمة هذه الأم التي صارت تخاف من البحر وتتوجس منه وهي تتابع حب ولده للبخر وعشقه للمراكب.

مقابل هذا المجتمع وضعت مجتمعا أخرا مختلفا في بريطانيا؛ حيث ذهب عمر ليدرس، ثم تزوج هناك زوجة انجليزية وتغيرت طباعه، لكنه كرجل عربي لم يتحمل المستوى التحرري الذي تعيشه الزوجة، فعاد للوطن كسيرا مهزوما. عاد ليجد أنه قد خسر أمه أيضا، وخسر المجتمع الأول الذي كان يتنفس حبا وحياة اجتماعية متوازنة.

ما يميز هذه القصة تقنيا هو حجم حضور تقنيات السرد التي جعلت من القصة مميزة، واخرجتها من زاوية القصة العادية إلى قصة أُبرِزت فيها المشاعر العميقة والخوف من المستقبل والحب الحقيقي والبكاء والألم لفقد الأحبة، وعدم تصديق موتهم كما تمّ إبراز شخصية عمر المحب للبحر العاشق للمراكب عبر السرد التواتري الذي يغطي في جمل قصيرة مراحل زمنية طويلة مع توظيف التأطير الذي كان في أغلب ما يكون تأطيرا زمنيا ونجده حاضرا في بداية كل المقاطع التي قرأناها تقريبا، وكان الترهين يستخدم مع التأطير في اللحظات الدرامية حيث التوتر الدرامي والعواطف المميز بين الأم وولدها. التقنيات السردية كانت أقل استخداما عندما كان الراوي يسرد قصة عمر في بريطانيا وخاصة عند زواجه من الانجليزية والأحداث التي تلت ذلك، وقد قدمت مُلخَّصة ومنها تلك التي تحكي عن غضب عمر لكونه وجد زوجته مع رجل تعاشره، مما جعله يضربها، و قامت هي باستدعاء الشرطة لتقبض عليه وتسجنه ليخرج من بلدها مطرودأ. وعاد توظيف تقنيات السرد بعد ذلك. يمكن أن نصف نظام توظيف التقنيات السردية زمنيا بانه مكون من مشاهد مختلفة متتابعة غالبا؛ حيث يسير السرد زمنيا في أغلب القصة من الأقدم للأحدث، باستثناء حالة واحدة وهي تلك التي سُرِدَ فيها قصة علاقة عمر بالبحر بعد حادثة التيه في البحر إلى الحصول على الشهادة الثانوية، هذه المشاهد وظف معها في مرات قليلة التلخيص الذي يقدم أحداث زمنها في الحقيقة طويلا في سرد قصير سريع، كما يمكن أن نجد السرد التواتري مع التأطير في بدايات المشاهد مع تقسيم المقاطع بين حوار تغلب عليه (اللهجة) وكان مناسبا لبناء تلك الشخصيات الشعبية، مع المشاهد البصرية المتحركة واستخدام الترهين من الحين للأخر عند لحظات متوترة دراميا. وقد حضرت بصور أقل الصور السمعية التي كانت غالبا مخصصة لما تسمعه الأم من كلام وأفعال ابنها عمر في طفولته، ليؤكد لنا الراوي بذلك حجم تفاعلها مع أبنها، بل نجد انه استخدم اللمس ليعبر عن حجم مشاعرا لأم تجاه أبنها الذي عاد من تيهه في البحر بطريقة غير متوقعة.

حجم المشاعر النفسية في هذه القصة مميز وعلى الرغم من كل القيم النبيلة التي تدعو لها إلا ان ذلك لم يوقعها في المباشرة (التي طالما وقع فيها من يكتب كتابة قريبة من هذه) إلا في جملة أو جملتين في القصة كلها، وهو ما يحسب للكاتبة ويدل على تمرسها في الكتابة أو على الأقل يدل على وعيها بالكتابة وبكيفية صياغة قصة مميزة. هناك تأكيد من الكاتبة أن القصص حقيقية في بداية القصة ولعل ما يؤكد ذلك تحديد الراوي لزمن حصول عمر على الشهادة الثانوية.


صانع المراكب

صافيناز محجوب شنبيرة

من أعمال التشكيلي.. معتوق البوراوي
من أعمال التشكيلي.. معتوق البوراوي

     منذ أن كان صغيرا وهو يجيد صنع المراكب الورقية  يصنعها في مرح طفولي وعندما ينتهي يرسلها عبر الأمواج إلى  بعيد، متمنيا لها وصولا سالما. هكذا أصبحت عادتة كل يوم يصنع المراكب بأشكال وأحجام، حتى عرف بين أقرانه بصانع المراكب وفي بعض الأحيان يعطيها لتلاميذ مدرستة نظير بعض الحلوى .

     في ذلك اليوم تأخر ولم يعد للمنزل ولم تجد والدته الحقيبة بجوار الباب. وبعد طول انتظار ارتدت جردها (1) الأحمر القاني وذهبت مسرعة وهي على يقين بمكان وجوده ! على الشاطئ لم يكن سواه جالسا منكبا على شيء ما . اقتربت في هدوء وهي تمسك بأطراف جردها المتطاير وفجأة أمسكت برقبة قميصه في قوة، فانتفض فزعا وسقط قاربه الورقي فقالت له مغاضبة  (كل ما أنقول وين عمر …. يقولوا في البحر ) ، لملم بقايا حقيبته المتناثرة على الرمل وجر قدميه ورجع مع أمه غضبان أسفا .

    بعد الغداء سألت الأم ولدها في هدوء ( ليش ما روحت للحوش يا عمر ؟) نظر مباشرة إلى  الأرض في انكسار وترقرقت الدموع في عينيه وانكمش في مكانه تاركا قطعة الخبز من يده ، لاحظت الأم توتره فضمته إلى صدرها وقبلت وجنتيه .

    بكي عمر كثيرا. من العبارات القليلة المختلطة بالبكاء فهمت الأم أن إدارة المدرسة تطلب مجيئها . جلس عمر بعد الغداء أمام منزلهم على قطعة حصير صغيرة ،وصنع أربعة مراكب وضعها بجوار سريره قبل أن ينام .

    عادت الأم من المدرسة، وقد أخبرها المدير أن معظم المعلمين يشكون قلة اهتمام عمر بالدروس فضلا عن استخدامه أوراق الكراسات في صنع المراكب . وقبل أن تدخل الأم إلى بيتها تقابلت مع الحاجة فاطمة ، التى قالت لها في اهتمام: ( ايش في يا حاجة جميلة لا حر لا شر كنك يا خيتي وجهك أصفر ) حكت لها ما حدث معها وما أخبرها به مدير المدرسة فضحكت الجارة قائلة ( اللي خلف ما مات  …. ما تخافيش عليه ) .

     في موعد عودة عمر إلى  المنزل فتحت الأم الباب ، ووقفت في انتظاره وشيئا فشيئا بدأ الأطفال يعودون إلى منازلهم وما هي إلا دقائق حتى ظهر عمر. نظرت إليه وقالت وهي توليه ظهرها ( خش وسكر الباب ). فقال لها ( نبي نمشي ل…..) فقاطعته في صرامة قائله: ( خش وسكر الباب ) .تردد قليلا ثم دخل كانت الأم واقفة وسط (الحوش ) وفي يدها غصن زيتون تربت به على   يدها اليسرى ، أنزل عمر حقيبته متحاشيا النظر في عينيها، سكت الاثنان للحظات قبل أن يقول عمر: أريد الذهاب. فقاطعته ( يشكوا منك المدرسين وايقولوا انك ما تبيش تقرا وما أدّير في شي إلا اللعب بالمراكب ) وصرخت في وجهه:( أتريد ان تفشل في دراستك)؟ وانهالت عليه ضربا بغصن الزيتون وهو يصرخ فارا منها قافزا هنا وهناك حتى فتح الباب فجرت الأم خلفه، فلاذ بالفرار في حين وقفت الأم تعبه على عتبة الباب وغصن الزيتون ما يزال بيدها يهتز بعنف .

     بعد مرور أكثر من ساعتين ارتفع صوت الحاج محمد بأذان صلاة المغرب تركت الأم المسبحة من يدها وأخذت سجاده الصلاة وما أن رفعت يديها قائلة الله اكبر … حتى سمعت صوت صرير باب المنزل ومن بعدها خطوات صغيرة، تبسمت في ارتياح، أكملت صلاتها ثم جلست ممسكة  بالمسبحة من جديد وهي تنصت لصوت ارتطام الملعقة بصحن الحساء الذي وضعته بغرفه عمر .

     في الصباح وحيث كانت الأم مستلقية على سريرها تردد في عقلها  صوت الحاجة فاطمة وهي تقول :  (اللي خلف ما مات  …. اللي خلف ما مات  )  فـــتملّكها الــــخوف الشديد، وهي تسأل نفسها هل سيصبح عمر صيادا مثل أبيه ؟ وشعرت بالألم يعتصر قلبها وهي تتذكر تلك الليلة المشؤومه ، حين عاد الصيادون ولم يعد زوجها (علي)، ظلت لثلاثة اشهر تقف على الشاطئ في انتظاره، وفي النهاية تقبلت فكرة أن زوجها مات غرقا ، وظل المركب و(عمر) هما كل ما تبقي لها من زوجها , فأستأجر أحد الصيادين المركب، ومن ثمن الإيجار تحضر لعمر ما يحتاجه وتشتري بالباقي ما يلزمهما من أغراض ، وأيقظها صوت ارتطام شيء بالباب من دوامة الذكريات فأسرعت نحو الباب فلم تجد سوى حقيبة عمر .

   كـَبـُـَر( عمر) وازداد تعلقه بالبحر لتزداد بسبب ذلك مخاوف الأم المسكينة. وكما اعتادت انتظار زوجها أصبحت كل يوم تنتظر عودة عمر مع الصيادين على مركب أبيه : فشلت كل محاولاتها في إبعاده عن البحر. وكلما خرج للصيد تظل طوال اليوم تدعو الله أن يعود سالما .

  وفي احد الأيام صلت الأم الحاجة صلاة الفجر وهي تشعر بوخز في قلبها سمعت صوت عمر وهو يستعد للخروج فخرجت في لهفة ونظرت إليه في حنان قائلة:- ( يا وليدي …. خليك اليوم وبلاش البحر ) اقترب مقبلا رأسها قائلا 🙁 اللي مكتوب على الجبين لازم أتشوفه العين ) وبصوت منخفض رددت (يستر الله .. يستر الله ) وظلت واقفة في مكانها تلاحق عمر بنظراتها وشيء من الخوف والألم يتملك قلبها وأفكار وهواجس مخيفة تنتابها حتى خرج واختفى عن ناظريها .

    تـــأخر عمر ولم يعد ، ولم تعد الأم تستطيع البقاء أكثر خرجت مسرعة وقلبها يــــــــكاد ينفطر، وعلى الشاطئ من بعيد رأت بعض المراكب فجرت بقوة نحوها واختل توازنها فسقطت على الرمل تركت جردها تعبث به الريح واقتربت من الصيادين تسألهم في لهفة عن( عمر ) فكانت إجابتهم انه ما يزال في البحر .

    غادر الصيادون وظلت الأم وحيدة على الشاطئ ،تنظر بشوق لعل الموج يحضر إليها ابنها الغائب . في اليوم التالي خرج الصيادون للبحث وباءت محاولات الحاجة فاطمة في إقناع الأم  المصدومة بالعودة إلى المنزل ،فجلست إلى جوارها في محاولة لمواساتها قائلة لها ( ما تخافيش إن شا الله يروح ) .بكت الأم وهي تدندن في لحن حزين ( كل ما أنقول وين عمر … يقولوا في البحر يا خوفي يا البحر تأخذ مني عمر ) .عاد الصيادون محاولين التهرب من سؤال الأم عن ابنها . وبعد مغيب الشمس حاولوا إجبارها على العودة ،فرفضت قائلة لهم في إصرار:- ( يحرم عليِ الحوش لين ايروح وليدي ) .

ظلت الحاجة جميلة تجوب الشاطئ ، جيئة وذهابا، وقبيل الفجر بساعة وضعت جردها وثبتته على الرمل .ووقفت لتصلى وما أن أكملت صلاتها حتى رأت نورا قادما من بعيد لم تقو قدماها على حملها ظلت تنظر وتنظر وتبكي حتى اقترب المركب وهي تردد في صوت ضعيف (يا عمر …. يا عمر ) نزل ثلاثة صيادين واقتربوا من الأم وبينهم كان عمر الذي ضم أمه بقوة وهي تجهش بالبكاء غير مصدقة! تتلمس وجه عمر في خوف وفرح وهي تسأله ( أنت عمر …. أنت وليدي صح قول ….) ورجعا إلى  المنزل وسط فرحه الجيران والصيادين .

    أكمل عمر امتحانات الشهادة الثانوية وظل ينتظر بخوف النتيجة، وبتاريخ 1-9-1987 وتحديدا يوم الخميس ذهب عمر مع صديقة احمد لرؤية النتيجة وفي الطريق قال أحمد ( تخيل يا عمر لو رسبت! ) فضحك عمر وقال ( والله ما خايف إلا من غصن الزيتون بتاع الحاجة جميلة ) ضحك الاثنان وأسرعا الخطي نحو المدرسة .

    في المنزل كانت الأم جالسة في وسط الحوش مع الحاجة فاطمة وأمامهما (براد الشاي الأخضر  فوق الكانون) وهما ينتظران عودة عمر، وما هي إلا دقائق معدودات حتى سمعت الأم صوت عمر عاليا وهو يقول:- ( يا يمي نجحت ) احتضنت  الأم ابنها في حين ملأت الحاجة فاطمة البيت زغاريد قبلت الأم ابنها وهي تبكي قائلة:- ( ربي يحفظك يا عمر …. ويبعدك عن البحر ) .

     لم يستطع عمر أن يترك البحر ولا أن يغيب عن المركب. ورغم أنه لم يعد يخرج للصيد بعد تلك الحادثة، إلا أن جل وقته كان يقضيه على الشاطئ في تجهيز الشباك للصيادين أو إصلاح أحد المراكب .بعد عصر ذلك اليوم وبعد أن أكمل (عمر )عمله أخذ يتسلى مع أصدقائه بلعب كرة القدم وبينما هو في لهوه سمع صوت صديقة أحمد يناديه من بعيد واقترب جاريا نحوه، وما أن وصل إلى  مكان وقوفه حتى سقط على ركبتيه فاقترب منه عمر ممسكا بكتفيه في فزع قائلا ( كنك شنو فية امي كنها ) التقط احمد أنفاسه بصعوبة قائلا ( مبروك اسمك جاء في قائمة المبعوثين للدراسة الى الخارج ).

   بكت (الحاجة جميلة) فرحا. ورغم شعورها بالخوف من سفر ابنها الوحيد تمالكت نفسها ،خاصة وهي تري فرحة (عمر) بهذا الخبر. ربتت على كتفه قائلة:- ( عدي يا وليدي على   الأقل اللي ايقولي وين عمر أنقوله سافر للغرب ) ضحك الاثنان في حين أخفت الأم قلقها الذي اخذ يساورها من ابتعاد ابنها الوحيد  .

     سافر عمر وكانت فتحية ( ابنة اخيها ) تزورها من فترة لأخرى، فتقرأ لها رسائل عمر وفي آخر رسالة اخبرها عمر أنه يدرس تخصص صناعة وتصميم السفن. دمعت عينا الأم الــتي قالت لفتحيه 🙁 عمر من وهو صغير يصنع من الورق مراكب وكبر  ومازال يبي يصنع مراكب ) ابتسمت لها فتحية في حين أخذت الأم الرسالة وضمتها لصدرها .

    في بريطانيا كان عمر يرى أشياء لم يعتد رؤيتها في قريته الصغيرة يرى عادات وتقاليد تختلف اختلافا كاملا عما اعتاده منذ الصغر . تفوق عمر تفوقا ملحوظا وانهالت عليه عروض التوظيف والعمل وأغراه المال والعيش الرغيد ونسي من ينتظره في بلده فعمل  في بريطانيا وهناك أيضا تعرف على   فتاة بريطانية تزوجها وكون أسرته الصغيرة ،وأرسل صورة ولديه لامه التي حزنت حزنا شديداً وهي التي تمنت أن يعود ابنها حاملا شهادته لتقوم بالإشراف بنفسها على مراسم زفافه .وحين كانت فتحية تأتي لقراءة الرسائل تقول لها الحاجة جميلة:- ( ما يلقى كيف بنت بلاده إنت يا فتحية خسارة فيه ) لم تكن فتحية تجيب على الأم العجوز سوى بابتسامه صغيرة ثم تغادر .

    بعد يوم طويل من العمل عاد عمر إلى منزله فسكب في كأسه (بيره) لنفسه في حين أخذ ينادي

زوجته فلم تجبه ، وبعد ساعة ونصف حضرت ومعها رجل فسألها عمر وقد احمرت عيناه غضبا من هذا فأجابته في برود :- هذا هو (boy frind)، لم يتمالك عمر نفسه وهو الشاب العربي الذي لا يقبل أن تكون زوجته خليلة أحد ، فصفعها على وجهها وانهال عليها ضربا فما كان منها إلا أن استدعت الشرطة فقيدوه ووضعوه في سيارتهم وذهبوا به إلى قسم الشرطة  .

     في قسم الشرطة سأل الضابط الزوجة هل تريدَين زوجك أم نرحله إلى بلاده ؟ رفعت خصلات شعرها في دلال قائلة لا لم أعد أريده شعر عمر بالإهانة وكم تمني في تلك اللحظة أن يعود بالزمن إلى  الوراء فيكمل دراسته ويرجع إلى  بلده ليتزوج فتحية ويظل بجوار أمه الحنون تلك العجوز الطيبة التي طالما تعبت لأجله  في ذلك البيت الصغير هانئ البال والطمأنينة تغمر قلبه بين أهله وأصحابه وبينما هو في دوامة التخيل تلك أفزعه صوت ضابط الشرطة وهو يقول له في خشونة )ألا تعلم أن ضرب النساء في بلادنا ممنوع )؟ فأجابه عمر 🙁 لقد أحضرت رجلا غريبا لمنزلي) فضحك الضابط هازئا وقال 🙁 أتظن نفسك في بلادك. أنت هنا في بلد متحضر انظر نحن لا نضرب النساء ) نظر عمر إلى  الأرض وقال : ( اللي يحط يده في عش الدبابير أيتحمل قرصه )  .

   في الطائرة العائدة إلى أرض الوطن بكي عمر بكاءً مريراَ وشعر بالمرارة تسد حلقه ففي لحظة أنهدم كل شيء :ترك عمله وترك أبناءه وخانته زوجته . هبطت الطائرة وكم تمني عمر ألا تهبط أبدا من شدة خجله .وداخل صالة الانتظار كانت الشرطة في انتظاره لإنهاء بعض الإجراءات الروتينية.

   في اليوم التالي أفرج عنه عاد يسير بخطى متباطئا حتى وقف أمام باب منزلهم ولم يستطع أن يدق الباب فاستدار ليرجع فوجد أمه خلفه نظر إليها بانكسار في حين قالت له بقسوة:- ( يا خسارة بعت بلادك للغرب …… وفي النهاية ما لقيت إلا هي الصدر الحنون اللي يضمك ) حمل حقيبته وغادر فسألته أمه في لهفة:- ( كان سألوني وين عمر إيش انقول ؟) أجابها وهو يجهش بالبكاء:- ( قوليلهم عالبحر ) .

    من يومها لم يعد عمر إلى  منزله فقد بني له كوخا صغيرا على البحر وظل يصطاد السمك ليبيعه لأهالي المدينة حتى بعد وفاة أمه لم يترك البحر ولم يغادره إلا ليعود إليه .


(1) الجرد : رداء ليبي تضعه المرأة ولا يظهر منها شيء سوي احدي عينيها.

هذه القصة مستوحاة من  قصة واقعية وبطل القصة لا يزال يسكن كوخا على الشاطئ.

مقالات ذات علاقة

رجب الماجري في ميزان النقد*

المشرف العام

أحياناً أكتفي بالمرور سريعاً*

المشرف العام

زقزقة درويش

صلاح عجينة

اترك تعليق