طيوب النص

بين أرقام الإيداع وموافقات النشر

( قضية للنقاش )

استهلال :

في الكثير من دول العالم، المتقدم منه والنامي، أو ما يسمى بالعالم الثالث، لا تُمنح موافقات نشر الكتب والمصنفات الأدبية والفنية إلا بموافقة أجهزة رقابية مختصة تتولى الاطلاع على تلك النصوص أو مشاهدتها أو الاستماع إليها ثم بعد مراحل الفحص والتحقق والتدقيق والتأويل تمنح تلك الأعمال حق النشر من عدمه، بل قد تتعدى في بعض الأحيان حتى المنع من النشر أو الاطلاع العام عليها، عندها لا يتمكن صاحب المصنف أياً كان نوعه من الحصول على حق الايداع القانوني الذي يمنحه الحق الأدبي أو الفني، ومهما كانت حالة أو شكل ذلك المصنف.

لقد اعترف القضاء الدولي ومجموع القوانين الدولية الحديثة بحقوق المؤلف، وقررت حمايته باعتباره إنتاج ذهني يُضفي صفة خاصة على المؤلف الذي ابتكره، كما قررت الحماية المباشرة للمصنف الذي أنتجه لكي تؤمِّن بقاء هذا الإنتاج حياً بين أفكار الجماهير، وهذه الحماية القانونية للمصنفات ومؤلفيها هي موضوع بحثنا، والمحور الذي تدور حوله هذه الدراسة.

ولنعمل على تحديد تعريفات شارحة لمفتاح هذه الدراسة مبتدئين بالمؤلف والمصنف والفرق بينهما، وهو ما يستدعينا للإجابة عن السؤال التالي: ما هو الفرق بين المصنف والمؤلف؟

أولاً / المؤَلف:

يعد مصطلحُ التأليف (النص المؤَلف) بأنه: ذلك النص الأصلي لأي عمل أدبي أو علمي أو فني، الذي يقدم علماً أو معرفة أو أفكاراً جديدة تتآلف مع بعضها البعض لتقدم حقيقة معرفية أو معلومة علمية أو خيال مبتكر أو تقديم أو نقد لحالة إبداعية أو البرهنة على مبتكرات أو تسجيل بيانات بغية التطوير أو التنمية أو الترقية لعمل أدبي أو فني أو علمي.

على ذلك فإن عملية التأليف ذاتها تدخل في حكم التسجيل العقلي أو العلمي أو الأدبي أو الفني لتأملات وخيالات المؤلِف (كاتب النص) بأسلوب يرقى إلى مستوى التعبير السليم، والطرح الواضح لمحتويات النص، من أفكار وآراء وتأملات وهواجس ووجدانيات ومهارات تمثل حالة ذلك النص.

ثانياً / المصنَّف:

لا يكادُ يتفق اللغويون وغالبية أهل العلم قديماً على تحديد ما هو (المصَنَّف)، وما الفرق بين المصنف والمؤلف، فكلمة (تأليف) تقترب في المعنى من كلمة (تصنيف)، وهذا يجعل تحديد الفرق بينهما من موجبات الشرح التالي:

(فالتصنيف) هو جَعْلُ الشيء أصنافاً مميزة، ومن ثَم فإن جَمْع مادة علمية معينة في كتابٍ معينٍ، أو ترتيب مادة، يُعَدُّ تصنيفاً، فالأفكار التي تُجمع لتتناول موضوح محدد (كالجغرافيا) مثلاً تُعد كتاباً مصنفاً جمع كل ما توصل إليه (المصِنف) من حقائق ومعلومات ومعارف وما إليها مما يتعلق بعلم الجغرافيا أو العلوم ذات العلاقة بهذا الموضوع، وهذا يُعدُّ تصنيفًا، ومن يتولى القيام بهذا العمل يُسمى: (مصنِّفًا) لا (مؤلِفاً)، لأنه في هذه الحالة يقوم بعمل تحليل وتبويب وترتيب للمعاني والأفكار والمعارف وحتى الألفاظ والأساليب والمعاني، وهي جميعاً ليست من وضعه بنفسه، وهي ليستْ مِن إبداعه أو تخليقه لتلك الأفكار، بل هي عبارات وحِكم ونصوص ومفردات جاهزة مستقاة من الكثير من المراجع أو الحكماء أو البحاث أو الشرائع أو ما إليها من مصادر.

ومن هنا يظهر الفرق واضحاً بين المعنيين رغم اقترابهما في المعنى والتصور، وعليه فالمصنِّفُ هو ذلك الجامع للمادة؛ مرتباً ومبوباً ومحللاً لها.

بالتالي فإن عملية (التصنيف) عند انتهائها تُعطي أفكاراً جديدة ترتبط ببعضها البعض لتقدم رؤى جديدة، ولهذا يتحول المصنف إلى مؤلَّف لأنه دخل في خانة تقديم أفكار وآراء جديدة.

لكن ما هو حق النشر، وما الفرق بينه وبين حق الايداع؟

حق النشر:

يدخل مفهوم التعريفين لدى الكثيرين بأنهما يعبران عن شيء واحد، وهذا يجافي الحقيقة، فحق النشر تتحكم فيه الأنظمة السياسية بمعتقداتها الدينية أو السياسية أو الاجتماعية، بل وحتى الاقتصادية منها، فترفض ما لا يتناسب معها جميعاً أو بعضها، وهو ينظم بقوانين للنشر يلتزم بها المؤلفون والمصنفون والناشرون وحتى من لهم علاقة بمهنة الطباعة، وهي تسمى حقوق النشر، ولا يستطيع أحد مخالفتها وإلا تعرّض بحكم هذه القوانين إلى عقوبات قد تصل إلى حدّ السجن، وحق النشر هو في الحقيقة ملك للمؤلف، أو الناشر الذي يتولى تقديم المؤلف للقراء بأي وسيلة كانت.

حق الإيداع :

أما حقق الإيداع فهو مخالف في المعنى عن حق النشر، وحق الإيداع لا علاقة له بالنشر، ويخلط الكثيرين بينه وبين حق الإيداع، إنما هو حق مرتبط بما ينتجه العقل البشري من آراء أو أفكار أو معتقدات دينية أو فلسفية أو حتى مخترعات مادية، فهو يمثل: أن تُسجل هذه الأفكار مهما كانت اتجاهاتها باسم من انتجها، وتقدم بحفظها في أماكن الحفظ الأدبي التي تخصصها الدولة وهي كثيرة ومتعددة، منها دور الكتب الوطنية، ومؤسسات حقوق الاكتشافات والاختراعات وما إليها، وتنظمها قوانين تحفظ حق المؤلف أو المخترع، ولها لوائح كثيرة تحميها وتحدد كيفية تقديم تلك الأفكار وكيفية عرضها ثم حفظها من السرقة أو الضياع، أو النسبة إلى الغير ممن قد يدعون ذلك، وحق الإيداع هو حق للدولة تملكه بموجب سيادتها السياسية والدينية والاجتماعية الذي كفله لها الدستور في أغلب دول العالم، وتحفظه لمواطنيها من تدوين أفكارهم وحفظها من الضياع.

قراءة في قانون الإيداع :

في ليبيا يوجد قانون  يحدد حقوق الإيداع، ولا علاقة له بالنشر، وتعتبر دار الكتب الوطنية في مدينة بنغازي، التي أنشأت في العام 1972، هي الجهة الوطنيـة الليبية الوحيدة والمسؤولة عن تطبيق الإيداع القانوني للمصنفات المعدة للنشر، وحفظ وتجميع التراث الفكري المؤلف في ليبيا، إضافة لكونها المكتبة الرسمية للدولة.

وبقراءة سريعة في القانون رقم (7) لسنة 1984 بشأن إيداع المصنفات الـتـي تعد للنشر في مادته الأولى، نجد أنها لم تحدد ما إذا كان الإيداع يستوجب الطبع أو النشر، إنما أجازت هذه المادة أن يتم تسجيل المصنف حتى لو لم يطبع أو لم يتم نشره وتوزيعه إلى الجمهور.

ونذكر هنا نص المادة الأولى من القانون التي تحدد بعض التعريفات التي من أهمها: (مركز الإيداع وهو هنا دار الكتب الوطنية ببنغازي).

وحددت المادة عملية الإيداع على أنها: (تسليم المصنفات وما هو في حكمها إلى مركز الإيداع) ووصف المصنَّف على أنه: (كل مطبوع أو ما في حكمه مُعد للنشر عن طريق عمل نسخ منه بأي طريقة من طرق إنتاج النسخ وتكثيرها، بغرض تداوله وتوزيعه للجمهور العام أو لقطاع منه، بمقابل نظير بيعه أو تأجيره أو دون مقابل، ولا يقتصر على المطبوعات الجديدة التي تصدر لأول مرة وإنما كذلك على الطبعات الأخرى التي تختلف عن الطبعة الأصلية، سواء في محتواها كالطبعات المنقحة والمصححة والموسعة والمختصرة، وكل ما يعاد طبعه أو استنساخه منها في صورة إعادة كاملة أو مقتطفات أو مجموعات، وسواء في شكلها كالطبعات الفاخرة والتجارية والمجلدة وغير المجلدة والطبعات في الأشكال المصغرة أو الكتاب الناطق على شريط أو اسطوانة والمطبوع بطريق برايل، وكذلك ترجمات المصنفات إلى لغات أخرى) / (ويعتبر في حكم المصنَّف المواد غير الكتب والدوريات كالخرائط والرسمات والصور والمصورات والمجسمات والتسجيلات المسموعة والمرئية والأشرطة المتحركة والصامتة، والشرائح الشريطية والاسطوانات والمحفورات والتوليفات المجمعة المكونة من عدة وسائط لنقل المعلومات وتضمها حاويات أو أوعية لحفظها).

ونصت المادة الثانية من القانون على أن: (يلتزم مؤلفو وناشرو وطابعو ومنتجو المصنفات المشار إليها في المادة السابقة بليبيا متضامنين سواء كانوا أشخاصاً طبيعيين أو اعتباريين، بأن يودعوا في مركز الإيداع خمس نسخ من كل مصنف باستثناء ما نُص عليه في المادة السابعة من هذا القانون وذلك فور الانتهاء من الطبع أو قبل عرض المصنف للتداول أو التوزيع، ويكون هذا الإيداع على نفقة المودعين ويتم مباشرة أو بالبريد المسجل ويعتبر كل مجلد وحدة مستقلة بذاتها في المصنفات التي تعد للنشر في أكثر من مجلد)، / وأكدت هذه المادة على: (يكون المؤلِّف والموزِع في ليبيا مسؤولين بالتضامن عن الإيداع بالنسبة لمصنفات الليبيين التي تنشر أو تطبع في الخارج).

وحددت المادة الثالثة من ذات القانون أنه: تخضع للإيداع المنصوص عليه في المادة السابقة المصنفات الآتية وما في حكمها:

1) الكتب والكتيبات والنشرات من تقارير وبحوث وما شابهها.

2) الصحف والمجلات والنشرات الدورية الرسمية وغير الرسمية.

3) المطبوعات الممنوعة من التداول العام من قبل الجهات المختصة.

4) الخرائط والأطالس والمصورات.

5) الأطروحات الجامعية.

6) الملصقات والبطاقات البريدية.

7) التسجيلات الصوتية والمصنفات الموسيقية سواء اقترنت بالألفاظ أو لم تقترن المعدة للبيع أو للنشر.

8) أشرطة الخيالة والأشرطة المسموعة والمرئية والشرائح.

9) المجسمات والمنحوتات الفنية إذا أعدت بنسخ متعددة.

10) المصنفات المنشورة في الصحف والمجلات والدوريات إذا ما نشرت على انفراد.

11) المصنفات الأخرى التي تعتبرها اللجنة من المصنفات أو ما في حكمها بقرار ينشر في الجريدة الرسمية).

واستثنت المادة من حكم الفقرة السابقة ما يأتي:

1 -المطبوعات ذات الطابع الشخصي مثل: رسائل وبطاقات الدعوات والزيارات والتهنئة.

2 -عقود البيع والشراء والإيجار.

3 -الإعلانات التجارية وقوائم الأسعار.

4 -الشهادات والبراءات.

5 -الأوراق المالية والنقدية.

6 -الخرائط والمصورات والمطبوعات وسائر المواد الأخرى الرسمية إذا كان لها طابع السرية.

7 -المصنفات الأخرى التي تستثنيها اللجنة بقرار ينشر في الجريدة الرسمية.

قراءة في قانون حق المؤلف:

حدد القانون رقم 9 لسنة 1968 الذي يتعلق بـ (حماية حق المؤلف)، والذي نص في مادته الأولى من الباب الأول الذي يتناول (المصنفات الــتي يحمىمؤلفوها) ما يلي: (يتمتع بحماية هذا القانون مؤلفو المصنفات المبتكرة في الآداب والفنون والعلوم أياً كان نوع هذه المصنفات أو طريقة التعبير عنها أو أهميتها أو الغرض من تصنيفها. ويعتبر مؤلِّفاً للمصنف الشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي سجل المصنَف باسمه إلا إذا قدم دليلٌ على عكس ذلك، ويُعتد بأسبقية التسجيل عند تعدد التسجيلات ما لم يقدم الدليل على غير ذلك، ويتم تسجيل المصنفات وفقاً للائحة يصدرها وزير الإعلام والثقافة).

وتنص المادة الثانية على أن الحماية تشمل (بصفة خاصة مؤلفي: المصنفات المكتوبة / المصنفات الداخلة في فنون الرسم والتصوير بالخطوط أو الألوان أو الحفر أو النحت أو العمارة / المصنفات التي تُلقى شفوياً كالمحاضرات والخطب والمواعظ وما يماثلها / المصنفات المسرحية والمسرحيات الموسيقية / المصنفات الموسيقية سواء اقترنت بالألفاظ أو لم تقترن بها / المصنفات الفوتوغرافية والسينمائية / الخرائط الجغرافية والمخطوطات (الرسوم الكروكية) / المصنفات المجسمة المتعلقة بالجغرافيا أو الطبوغرافيا أو العلوم / المصنفات التي تُؤدى بحركات أو خطوات وتكون معدة ماديّاً للإخراج / المصنفات المتعلقة بالفنون التطبيقية / المصنفات التي تُعد خصيصاً أو تذاع بواسطة الإذاعة اللاسلكية أو التلفزيون / وتشمل الحماية بوجه عام مؤلفي المصنفات التي يكون مظهر التعبير عنها الكتابة أو الصوت أو الرسم أو التصوير أو الحركة / ويعتبر عنوان المصنف متى كان متميزاً بطابع ابتكاري من العلامات التجارية التي يسري عليها قانون العلامات التجارية).

والمادة الثالثة من القانون تنص على أنه: (يتمتع بالحماية من قام بتعريب المصنف أو ترجمته أو بتحويله من لون من ألوان الأدب أو الفنون أو العلوم إلى لون آخر أو من قام بتلخيصه أو بتحويره أو بتعديله أو بشرحه أو بالتعليق عليه بأي صورة تظهره في شكل جديد. وذلك كله مع عدم الإخلال بحقوق مؤلف المصنف الأصلي على أن حقوق مؤلف المصنف الفوتوغرافي لا يترتب عليها منع الغير من التقاط صور جديدة للشيء المصور ولو أخذت هذه الصور الجديدة من ذات المكـان وبصفة خاصـة في ذات الظروف التي أخذت فيها الصـورة الأولى).

وتناول الباب الثاني من القانون، حقوق المؤلف في مواد منها ما ورد نصاً في المادة الخامسة: (للمؤلف وحده الحق في تقرير نشر مصنفه وفي تعيين طريقة هذا النشر وله وحده الحق في استغلال مصنفه مالياً بأي طريقة من طرق الاستغلال المشروعة ولا يجوز لغيره مباشرة هذا الحق دون إذن كتابي سابق منه أو ممن يخلفه).

وتنص المادة السادسة على: (يتضمن حق المؤلف في الاستغلال: نقل المصنف إلى الجمهور مباشرة بأية صورة وخاصة بإحدى الصور الآتية: التلاوة العلنية أو التوقيع الموسيقي أو التمثيل المسرحي أو العرض العلني أو الإذاعة اللاسلكية للكلام أو الصوت أو للصور أو للعرض بواسطة الفانوس السحري أو السينما أو نقل الإذاعة اللاسلكية بواسطة مكبر الصوت أو بواسطة التلفزيون بعد وضعها في مكان عام).

كما تضمنت: (نقل المصنف إلى الجمهور بطريقة غير مباشرة، بنسخ صور منه تكون في متناول الجمهور عن طريق الطباعة أو الرسم أو الحفر أو التصوير الفوتوغرافي أو الصبّ في قوالب أو بأية طريقة أخرى من طرق الفنون التخطيطية أو المجسمة أو عن طريق النشر الفوتوغرافي أو السينمائي أو بغير ذلك من الطرق).

ونصت المادة التاسعة من القانون سالف الذكر أنه: (للمؤلف وحده الحق في أن يُنسب إليه مصنفه وفي أن يدفع أي اعتداء على هذا الحق وله كذلك أن يمنع أي حذف أو تغيير في مصنفه).

وأكدت المادة العاشرة على أنه: (لا يجوز الحجز على حق المؤلف، وإنما يجوز الحجز على نُسخ المصنف الذي تم نشره، ولا يجوز الحجز على المصنفات التي يموت صاحبها قبل نشرها ما لم يثبت بصفة قاطعة أنه استهدف نشرها قبل وفاته).

إن الحماية القانونية في نطاق قوانين الإيداع أو حقوق المؤلف تتجه إلى صيانة وضع، ومنع الاعتداء على، كل من:

حقق الدولة: هو ذلك الحق الذي تكتسبه الدولة بإيداع كل المصنفات التي تؤلف في نطاقها رسمياً أو يتم تأليفها (ابتكارها) من جميع مواطنيها في الداخل أو في الخارج، وكل ما له علاقة بتلك الدولة، والتي تشمل كل ما ينشر ويوزع بشكل عام.

حق المؤلف: هو ذلك الحق الذي يمنحه القانون للفرد الموهوب الذي يتمتع بخيال خصب، وملكة إبداع، ويستطيع عن طريق (الكتاب أو المحاضرة أو المسرح أو الرسم)، أن يرسم أو يقدم به صورة للمستقبل تختلف عن صورته الحاضرة، بما له من ملكة تصور وخيال وقدرة على التعبير.

أيهما أسبق أرقام إيداع أم موافقات النشر؟:

تشترط إدارات متعاقبة بوزارات الثقافة أو الإعلام أو الإعلام والثقافة (على اختلاف أزمان الأنظمة السياسية في ليبيا) على المؤلفين أن يقدموا نصوصهم للتقييم والإجازة للنشر أولاً، وبناء على تلك الموافقات يمنحونهم الإذن بالطبع والتوزيع، وهذا يخالف نصوص القوانين المنظمة لهذا النوع من الإبداع الفكري، والصحيح هو أن يحصل المؤلفون أولاً على أذونات لتسجيل وتوثيق لحقوقهم الفكرية والإبداعية قبل كل شيء، سواء أرادوا نشرها أو لم ينووا ذلك.  

خاتمة:

على ما تقدم، نجزم في هذه الدراسة السريعة، على أن المنتج سواء أكان (كتاباً أو محاضرةً أو نصاً مسرحياً أو عملاً فنياً مرسوماً أو أي عمل ابتكاري) ينبغي أن يخضع أولاً إلى الإيداع والتسجيل والتوثيق، حفظاً لحق صاحبه يحميه من السرقة أو الانتحال أو الضياع، ولا تشترط هذه الحالة وجوب أن يأخذ في ذلك إذن للابتكار أو الإنتاج مهما كان نوعه، إلا إثبات أن هذا المنتج أصيل له، لم يسبقه عليه أحد، وللدولة بعد ذلك الحق في أن تمنع نشره وتوزيعه، إذا ما تعارض ذلك المنتج مع قوانين الدولة وأعرافها ومعتقداتها الدينية والسياسية، ولكن ليس لها الحق بنص المادة العاشرة من منعه من تسجيله أو إيداعه، وقد نصت صراحةً على: (لا يجوز الحجز على حق المؤلف وإنما يجوز الحجز على نسخ المصنف الذي تم نشره ولا يجوز الحجز على المصنفات التي يموت صاحبها قبل نشرها ما لم يثبت بصفة قاطعة أنه استهدف نشرها قبل وفاته).

من هنا نصل إلى فحوى هذه القضية القانونية المرتبطة بالحريات العامة التي تجيز أن يسجل ويحفظ ويودع المؤلف عمله مهما كان نوعه قبل أن ينشره، وسواء كان قاصداً نشره أم لم يقصد.

إن الحماية القانونية في نطاق موضوع هذه الدراسة تتجه إلى اتجاهين:

أولهما / حماية الإنتاج الذهني الذي يتضمن ابتكاراً وينصبُّ في قالبٍ مادي له كيانه المحسوس مهما كانت طريقة التعبير عنه أو الغرض منه أو لونه أو نوعه.

ثانيهما / حماية صاحب الإنتاج الذهني وهو المؤلف الذي يرعاه القانون ويقدر جهوده وإنتاجه ويحيطه بسياج من الحماية القانونية والإيداع القانوني ليحافظ عليه ويحفظه.

هذا يعني أن الحصول على رقم إيداع للمصنفات المؤلفة مهما كان نوعها أو جنسها يسبق أخذ الأذن في نشرها أو طبعها بغية توزيعها.

أما الحصول على إذن الطباعة والنشر فهذا أمر يحتاج إلى إجراء مرحلتين، أولاهما أخذ الأذن من الوزارة المختصة بالنشر، ثم مقارنة النص المقدم للتقييم بالنص المطبوع، لإصدار الإذن بالتوزيع من عدمه، إذا ما خالف الطابع (الناشر) النص الموافق عليه بالنشر.

وبالرغم من اهتمام معظم المشرعين في الوقت الحاضر بحقوق التأليف والابتكار نجد المشرع الليبي جاء بأحكام موجزة في قانون حماية حق المؤلف الذي صدر تحت رقم (3) لسنة 1971، والقانون رقم (7) لسنة 1984 بشأن إيداع المصنفات الـتـي تُعد للنشر، وهي أحكام لا تتناسب مع حقوق أصحاب هذه المصنفات والمؤلفات، التي كفلتها معظم القوانين والتشريعات الدولية.

هذه الدراسة السريعة توجه عناية السادة في وزارة الثقافة والمجتمع المدني، الذين يقومون بالتعامل مع هذا الأمر، العمل على تسهيل الإجراءات الإدارية المتعلقة بالسماح للمؤلفين في الحصول على تسجيل حقوقهم الأدبية أو الإبداعية للمنتجات التي لها علاقة بالإبداع الفكري، بل وكل ما له علاقة بكل العلوم الانسانية، وتجتهد في تغيير النمط الإجرائي لتدوين المصنفات وفصلها عن عمليات النشر والتوزيع، وذلك بتسجيلها وتوثيقها وايداعها أولاً بدار الكتب الوطنية أو أية جهة يناط بها حفظ حقوق المؤلفين والمبدعين، ثم يتم بعد ذلك تقييمها للنشر والتوزيع من عدمه.


المراجع:

(1) قانون رقم (7) لسنة 1984 بشأن إيداع المصنفات الـتـي تعد للنشر.
(2) القانون رقم (9) لسنة 1968 الخاص بحماية حق المؤلف.
(3) قانون حماية حق المؤلف الذي صدر تحت رقم (3) لسنة 1971.

مقالات ذات علاقة

خربشات ملونة – 12

محمد ناجي

قراءة في الرواية الليبية.. من كتاب أكسفورد «تقاليد الرواية العربية» (6/7)

المشرف العام

رِوَايَة الكَلِمَة

المشرف العام

اترك تعليق