المقالة

“بيناتكم يا ساكنين الحارة”.. “عشرين قَمْرة” وأكثر

218

مطربات عربيات تغنوا بأغاني ليبية

أواصر من حنين تربطنا بكل ما هو غارقٌ في الوجدان الليبي، لتجبرنا الأرواح المنهكة كلما خفت نور الوطن على استدعاء ألبوم “الأغنيات الليبية”، وتحديدا ذاك الخالي من الألوان، أو لِنَقُل “الأبيض والأسود”، لأنه لم يكن يوما إلا ضاجّا بالألوان، نابضا بالحياة، حافلا بصور الجميلات من كل البلاد العربية، لن نتحدث هنا عن أصالة، سميرة سعيد، لطيفة، سهام إبراهيم، غادة رجب، لطيفة رأفت، والراحلة ذكرى، بل سنغوص أكثر في الأرشيف الليبي، وتحديدا في النصف الثاني من القرن الماضي، سنقلّب دفاتر الفنانات العربيات من المحيط إلى الخليج، فلن يكون غريبا أن نسمع الكلمات الليبية الخالصة تجري على ألسنة جاراتنا التونسيات والمغربيات، لكن الغريب هو أن تشدو بها حناجرُ لم تخرج منها يوما إلا الكلمات “الشاميّة”!.

فمن كلمات “علي السنّي” وألحان “كاظم نديم” قدّمت التونسية “عُلَيّا” رائعة: ”بيناتكم يا ساكنين الحارة عندي غزيّل راح فيه أمارة“.. وغنّت التونسية الأخرى “سُلاف” أجمل الكلمات الليبية في أغنيتها “ريدي الغالي”، التي تقول في مطلعها: ”نعدّيك يا سيّات ريدي الغالي ونقابلك بالصّبر فيما جرالي“.. وغنّت أيضا “مانحسبك خوّان يا غاليّا” التي طال النزاع عليها، لأن هناك من نسبها للجزائري “عبدالله المنّاعي”، لكن الأخير أكّد في إحدى مقابلاته على التلفزيون التونسي أنها أغنيةٌ “ليبية”، وأنها للّيبي “بشير فهمي فحيمة”، ومن أجمل الأغنيات الليبية العذبة التي قدمتها لنا التونسية الجميلة “نعمة”أيضا، رائعة الملحن “كاظم نديم” التي كتب كلماتها “مسعود بشون”: ”قمري يا يُمّا كل ليلة يطلع وين يوصل بابي قدّامه يركع“.

ولا ننسى “وعيوني سهارى” التي عرفناها بصوت الكبير “سلام قدري” قبل أن يوصلها “شاب جيلاني” للأذن العربية في كل مكان، فقد غنّتها “عُليّا”، وسمعناها أيضا بصوت السعودية “عِتاب”، وهى من كلمات “علي السنّي” أيضا ومن ألحان “عبدالباسط البدري”.

ومِن ألحان “عبدالباسط البدري” أيضا، كانت أغنية “يا العنب ويا العنب” التي كتب كلماتها الشاعر الجميل “أحمد الحريري”، وقدّمتها للجمهور فرقة “الثلاثي المرح” المصرية التي كانت في ذلك الوقت تسطع في سماء مصر والعالم العربي بأغنياتٍ مثل “حلاوة شمسنا”، واقتربت الموسيقى الليبية بشكلٍ أو بآخر من “كوكب الشرق” أيضا، فما لم يكُن “كلاما” جاء لحنا جميلا في “ودارت الأيام”، رائعة “أم كلثوم” و”محمد عبدالوهاب” الذي قال إن لحنا ليبيا أعجبه ليجعله في المقدمة الموسيقية لهذه الأغنية، وهو لحن أغنية “بعت المحبة هناش من يشريها” للراحل “محمد رشيد”.

ومن تونس ومصر إلى جميلات “الشام”، إذ تغنّت أجمل الأصوات وقتها بالكلمات الليبية الأصيلة، لتكون الموسيقى لغةً واحدةً وحيدة، نقلت لنا كلماتنا بلسان أهل الشام، فمن لبنان قدمت “هيام يونس” أجمل الألحان الليبية في “يسلّمك تسلم غالينا”، وغنّت “سهام شمّاس” كلمات ليبية قد يجهل معناها حتى بعض الليبيين كأغنيتها “نور القمر”: ”نور القمر خطّر عليّا الغالي جدّد غلا مولى الجبين يلالي“ وغنّت “شمّاس” أيضا: ”لو كان كلمة آه تنفع بيّا.. لا عاد يلحقني خطا لا سَيّة“ التي غنّتها أيضا “هناء الصّافي” شقيقة الفنان “وديع الصّافي.

ومن كلمات “سالم محمد” قدّمت السوريّة “ليلى مطر” لحنا ليبيا جميلا في أغنيتها: ”على الله تجينا بعد طول الغيبة.. والقلب يزهى ان طال يوم حبيبه“. وقد تكون “مطر” من أكثر الفنانات السوريات حظا مع أجمل الأغنيات الليبية، فمن يسمع أغنيتها “عشرين قمرة” سيشمّ رائحة ليبيا على بُعدِ عشرين مطارا في العالم، وسيسافر معها إلى حيث ينتمي: ”عشرين قمرة والعيون سهارى.. والقلب في مدعاك توقد ناره“. وكذلك اختبرت “زكية حمدان” العشق على الطريقة الليبية عندما غنّت: ”البارح منام الليل بين ايديّا.. جابك لعندي يا عزيز عليّا.

وبصوت اللبنانية “نازك” سمعنا أيضا: ”ريدي كان مو هاين عليّا.. نسيته وين جدّدلي السّيّة“.. وتُعتبر “اطّاول مرجاك” من أشهر الأغنيات الليبية التي وصلتنا بأصوات لبنانية، وتحديدا بصوت “صباح خوري” التي لم تعجزها الكلمات الليبية، فجاءت سلِسةً طيّعةً على لسانها: ”رجيتك واطّاول مرجاك.. لا رجعت ولا العقل نساك“.

وهكذا فإن الوجدان الليبي لم يكُن يوما إلا مرتعا للفنون وللجمال، إذا ما أبعدنا عنه “الزّبَد” الذي يظهر في كل عصر، لكنّه سرعان ما يذهب جفاءً.

مقالات ذات علاقة

قرنٌ من حربٍ كبرى لم تنتهِ بعد!

أحمد الفيتوري

علي ماهر…

بشير زعبية

القبيلة العميقة

منصور أبوشناف

اترك تعليق