المقالة

النيهوم في الميزان

 
أي كاتب ليبي سيحاول الحديث عن مشاكل وقضايا المجتمع بشكل تهكمي سيوصف بأنه يقلد الصادق النيهوم، مثل أي لاعب يسجل ركلة جزاء ساقطة في منتصف المرمى فيصف الناس هدفه بأنه “على طريقة بانينكا”. وبالرغم من اعتبار الكثير من الكتاب الشباب هذا الوصف على أنه تهمة تلاحقهم، أجده (بالنسبة لي) إطراءً لا يستحقه الكثير منهم.

الكاتب الليبي الصادق النيهوم
الكاتب الليبي الصادق النيهوم

 
يعتبر الصادق النيهوم اللاعب الأكثر مهارة وجرأة بالنسبة للكثيرين وبالخصوص لدى معظم النقاد والباحثين والكتاب داخل وخارج الحدود في ملعب الكتابة الإبداعية، وهذه الصفات التي خدمته ومازالت تجعل اسمه لامعا حتى بعد وفاته بربع قرن، كانت لها ضريبة أيضا، فالنيهوم لم يبحر في باخرة ولم يكن قبطانا محترفا يحترم قواعد المحيط ويريد الوصول إلى ضفة معينة، بل كان يتزلج فوق الموج بكثير من الأدرينالين الفكري غير آبهٍ بآراء الناس ولا مشاعرهم ولا هوسهم الشديد بالسمعة، ولا إلى أين ستأخذه هذه الجرأة المخيفة.
 
وهذه الجرأة كانت سلاحا ذو حدين، فقد وقع في الكثير من الأخطاء والهفوات، العديد من الآراء القطعية التي عابت جدية طرحه، والحقائق التاريخية التي أوردها بلا مصادر، لكني لا أجد شيئا من هذا يعيبه، فهذه تجربته وهذه ظروفها، والذي لا يخطئ هو الذي لا يعمل، ومن لا يغامر لن ينجح يوما، كما فعل النيهوم على الأقل.
 
كثيرون اعتبروه كافرًا ومهرطقًا، كثيرون يرونه أهم كاتب في العالم كله، وقلّة من معاصريه اعتبروا نقدهُ الاجتماعي منطقيا واستمعوا له بإنصات شديد، في حين كان يراه بعضهم (فقيها)! أما بالنسبة لي لم يكن الكاتب الأكثر تأثيرا في وجداني كقارئ، لكنه بلا أدنى شك، كان أحدهم.
 
وكم أتمنى في ذكرى وفاته هذه أن تحظى نصوصه وقصصه ونقده الاجتماعي وتجربته كلها إذا كان هذا ممكنا بعناية أكثر وقراءات جديدة وجادة، بدلا من الحديث من علاقته المشبوهة مع السلطة وقائدها، وعلاقته مع الله والدين والمجتمع، فكل هذه أسئلة قد دُفنت أجوبتها الحقيقية معه.

مقالات ذات علاقة

أطفال من شمع

سعاد الورفلي

أدوار….

سمية أبوبكر الغناي

الهوية

عبدالرحمن جماعة

اترك تعليق