قصة

النشيج

من أعمال الفنان محمد الشريف.
من أعمال الفنان محمد الشريف.

ذات أصيل خريفي عزف (الحاج علي) عن الالتحاق بشلته من الكهول والشيوخ، فجلس على عتبة بيته. تعالى صياح صبية يلعبون كرة القدم في الساحة ألقريبة وافترش رفاقه من المتقاعدين أرضا ترابية يلعبون (السيزة)*، تحلق آخرون يتابعون مجريات اللعب باهتمام وحماس.

ألقى (الحاج علي) نظرة واهنة على جذع شجرة دون أوراق ينتصب إلى جوارها عمود كهرباء معدني فضي اللون دون أسلاك.

انحدرت على خده دمعة ثم أخرى، وضع كفيه على وجهه، لكن الدموع تسللت من بين أصابعه.

في اليوم التالي جلس (الحاج علي) عند الأصيل جلسته المعتادة، شرعت دموعه بالهطول، تحولت بعدها إلى بكاء مكتوم فنشيج استرعى بعض متابعي (الخربقة)، حينها قرر أن يؤوب إلى بيته درءا لأية تساؤلات.

في اليوم الثالث وأمام عتبة البيت انهمرت الدموع كشلال، وحين هم بالدخول اكتشف أن جاره (سعيد) يبكي في صمت.

بنهاية الأسبوع لم يعد أحد يلعب (الخربقة)، هجر البعض المقهى، واتخذ جيرانه عن يمينه وشماله وأمامه أماكنهم أمام عتبات بيوتهم وشرعوا كجوقة متناغمة في البكاء الحار.

انتقلت الحالة إلى الشوارع المجاورة وأغلقت المقاهي أبوابها.

استرعت حالة البكاء أمام البيوت عند الأصائل اهتمام رجال الأمن، الذين رفعوا تقاريرهم إلى مسؤوليهم الذين تلقوا الأمر بعدم اكتراث في البداية، ولكن بعد شهر تقريبا توالت التقارير من أحياء عدة متناثرة بالمدينة تفيد استشراء حالة البكاء على عتبات البيوت عند الأصيل.

انهالت التساؤلات من أعلى المستويات لمعرفة أبعاد هذه الظاهرة: هل هي حركة منظمة؟ من يقف ورائها؟ هل تمت بإيعاز خارجي؟ ما هي أهدافها؟

حار رجال الأمن ولم يعرفوا الإجابة، ارتبكت دوائر الاستخبارات الداخلية والخارجية ولم تعرف كيف تتصرف هل تقبض على كل من يبكي في هذه المدينة؟ وما هي التهم التي ستوجه إليهم؟ أم تتركهم على حالهم؟ ماذا لو انتقلت إلى مدن أخرى؟ وهل من سبيل لحجب هذه الظاهرة عن عيون السفارات الأجنبية؟

ماذا لو تم التطرق إليها في الصحف العالمية والقنوات الفضائية الدولية؟

اختفى (الحاج علي) عن أهله وجيرانه أسبوعا، لم يعرف أحد من وراء هذا الاختفاء، رجع بعدها إلى بيته ولم يخرج منه، إلى أن وجد ذات فجر ندي مفارقا الحياة تحت جذع الشجرة الجرداء.


* الخربقة أو السيزة: لعبة شعبية  ليبية تلعب على التراب وبأحجار مختلفة.

مقالات ذات علاقة

أخر ثواني

مدار الشهوة

سالم الهنداوي

عدوى

هدى الغول

اترك تعليق