حوارات

الناقد: أحمد الفيتوري/ إبراهيم الكوني يلخص العملية النقدية في ليبيا

الناقد “أحمد الفيتوري”.. يعلق على أسئلتنا:

إبراهيم الكوني يلخص العملية النقدية في ليبيا

النقد الكلاسيكي هو السائد

والعمل النقدي عمل إبداعي أيضاً

حاوره: رامز النويصري

الكاتب: أحمد الفيتوري

 

أحمد الفيتوري، ناقد مختلف.. إنه يعمل بعزلة تامة، ومثابرة، يكتب نصاً نقدياً، وهو يعول على هذه الكتابة في استظهار علاقة أكبر بالنص، فتنطلق من لغته، من لغة إبداعه.. وفي محاضرته برابطة الأدباء والكتاب حول سؤال النقد، تطرق في ورقته (كلام في الكلام)، للكثير من الشجون ذات العلاقة بالتجربة الإبداعية الليبية، سؤال النقد الملح، ودور الناقد في بلورة فكر نقدي عام، يشمل كل مناحي الحياة، وهو المفقود.. لذا فإن اللقاء به، هو حديث زاخر بالكثير، وهذه المقتطفات هي حصيلة لقاء سريع على هامش الندوة:

■ هل نستطيع أن نقول: أن هناك سؤال نقد؟.. أو هل يمكن الحديث عنه؟

□ سأبدأ من العموميات، وأدخل صلب التجربة الليبية

ممكن أن نعرف سؤال النقد، بأنه سؤال حياة، وأن العقل غير الناقد هو عقل غير حي بالأساس، هو سؤال وجود يخص ماهية الإنسان ومعنى وجوده، وبالتالي فاعليته.. ومعنى هذا أنه دائمُ القلق والتساؤل حول وجوده، ودلالة كينونته، ومعنى هذا السؤال فلسفياً.. وهذا يعني ضرورة وجود هذا السؤال وحتميته.. فما بالك عندما يتعلق هذا العمل الفكري بالإبداع.

حيث لا يوجد سؤال نقدي، يدور الشك حول وجود حياة.. ولهذا أعتقد أن السؤال النقدي موجود ولو بشكل آخر، قد يخفت، وقد يبرز، وقد يتعمق، وقد يكون أفقي الحركة مقابل حركته الرأسية، وعلى العموم فإن النقد في الثقافات الإنسانية هو أحد مهمات هذه الثقافة وبالضرورة.

وعندما تحل أزمة بواقع مّا، يبدأ هذا السؤال بإلحاح، لأننا نعرف أن هذه الأزمة تظهر خالة اللا معقول، فتحتم وجود العقل الناقد، وتحتم وجود النقد.. وبهذا نجد أن السؤال النقدي موجود، وهو سؤال كل شيء.

وأنا أعتبر أن كل عمل إبداعي عمل نقدي.. لأنه عمل يحاول أن يؤكد معطىً جديد، على مستوى البناء، أم على مستوى الخطاب الإبداعي، ويحتم وجود عقل برهاني نقدي يقوم بتحليل هذا العمل التأويلي، ولهذا نجد قلب المبدعين العرب في عمومه حول المدارس النقدية المهمة، وأحياناً مما يؤدي إلى إطلاقهم لأحكام قيمية، تحصر نفسها ضمن إطار اللا وجود للنقد في هذه الثقافة (الثقافة العربية).

وإذا خرجنا من هذا إلى الشان المحلي للثقافة العربي في ليبيا، فإننا نجد هذا السؤال يلح إلحاحاً شديداً، حيث أن المهمة المطروحة بالدرجة الأولى تحص هوية هذا المجتمع، فيما يخص ثقافته، دلالته، وجوده.. وبالتالي السؤال النقدي سؤال محتوم مثل حتمية الموت مقابل الحياة، وليس على مستوى العمل الإبداعي فقط، بل على جميع المستويات الفكرية والفلسفية والاجتماعية والسياسية.. ولخصوصية التجربة الإبداعية الليبية، فالكثير يعتقدون أنها لم تقع ضمن نظرة العقل التحليلي والنقدي، والتالي فالكثيرين يسمون التجربة الإبداعية الليبية بعدم وود شغل نقدي، وإن كنت أرى أن هناك عملٌ نقدي، إلا أنه من الضمور، بسبب ما يخص التركيبة السياسية والاجتماعية التي تحاول تأكيد السائد، وإقصاء أي محاولة لتقديم فكر نقدي مغاير.

■ باتفاق أن هناك سؤال نقد يخص التجربة الإبداعية الليبية، وهو غير واضح وغير مؤطّر، فهل نلمس دوراً للناقد الشفهي في هذه التجربة (الذي أشرت إليه في ورقتك)؟

□ كون هذا العمل النقدي ليس في مستوى طموحاتنا، هذا متفق عليه.. كون هذا العمل النقدي، يعاني من إقصاءات واستبعادات، هذا أيضاً أشرت له.

وبالتالي الشغل النقدي موجود، من خلال الحوارات الثقافية، أيضاً من خلال هذا السؤال القلق، في سؤال البحث عن النقد، هذا السؤال منطلقه منطلق نقدي، ينتقد الحالة الموجودة في الوسط، ويرى فيها ما يرى من قصور، أحياناً يقوم بوضع توسطات ونتائج لهذه المقدمات، وأحياناً يقدم نتائجه دون تقديمات، يقفو مباشرة، ومثل هذا اللقاء واللقاءات الأخرى يدلل على ذلك.

أيضاً الكتابة النقدية موجودة، هل هي في المستوى، هنا نحتاج إلى الدراسة لكي نصل إلى أحكام؟.. فالكتابة النقدية موجودة في شكلها الأكاديمي الذي من الممكن إذا ما درسنا الحالة النقدية، أنه لا يشبع رغباتنا، وأيضاً لا يصل إلى تصوراتنا، وهو مهيمن ومسيطر بشكل واسع، وأيضاً هناك مدارس نقدية حديثة اشتغلت على الأعمال الإبداعية الليبية، حتى من خلال المقدمات لبعض الأعمال.. إنما نحن نتكلم عن النقد باعتباره خادم يخدم العمل الإبداعي.. في تصوري شغلة النقد في أن لا يتحول إلى خادم للعمل الإبداعي، لذا فإن هؤلاء لا يطالبون بعمل نقدي، غنما عرضٍ صحفي، والعرض الصحفي بطبيعته خادم للعمل، يخدم عنده، لكن العمل النقدي عملٌ آخر.

إن كل الذين يطالبون ويتكلمون لديهم تصور للعمل النقدي، لذا فهم لا يرضيهم العمل النقدي المطروح، وهذا لا يخص الثقافة الليبية، بل كل الثقافات الأخرى، والثقافة الإنسانية في عمومها.

■ هناك أكثر من تجربة لقراءة الإبداع الليبي قراءة نقدية، لكن هذه القراءات لم تقرأ بعضها، مما أحدث تشتت حدا بالناقد للبدء من نقطة الصفر؟

□ سأبدأ من سؤالك.. أنت تحدثت عن شاعر الوطن/أحمد رفيق المهدوي، وانتقاده منهجاً أسمى دراسته (المتجبرنون)، هذا المنهج أو هذه التجربة أنتجت ناقداً هو “خليفة التليسي”، المتجبرنون هم “خليفة التليسي”، أي إنها خرجت من أطرٍ لنقد مدرسة سابقة، والتي هي الكلاسيكية الحديثة والتي كان يمثلها “أحمد رفيق المهدوي”.

وقد يأتي سؤال. إننا لم نرى مدرسة بالمعنى، ولم نرى أن هناك أسماء كبيرة؟

الإشكال أن شخصاً كخليفة التليسي، يستطيع أن يكون مدرسة ويصبح الآخرين ظلاله، لأنه هو مثلهم الرئيسي والجوهري، هذا موجود ضمن التجارب الإنسانية في العموم، وهذا شيء مميز، بينما المدارس الحديثة التي أتت فيما بعد (الواقعية الاشتراكية)، لم تستطع تقديم رمزاً بهذا المستوى، حيث إنها ترى الشعب والجماهير والعموم، هنا خرج مجموعة من النقاد كـ: أمين مازن، محمد الزوي، سليمان كشلاف، كامل المقهور.. وهؤلاء لم يكتبوا في الإبداع فقط، بل كتبوا في التاريخ، في المجتمع، حتى إنه فتح حوارات، وهناك كتاب للأستاذ/كامل عراب، اسمه (معارك الأمس)، يضمن معكرة، كانت معركة نقدية حول مفاهيم فكرية وفلسفية، وحول أساليب نقدية.

ثم بعد ذلك جاءت مجموعة من الشباب –في رحلتهم-، وبدءوا مع مدارس النقد الحديثة، ويصبح هناك تبايناً، وهذا يدل على التنوع وعدم سيطرة أي فكر –واحد-.. بمعنى أنه لا يمكن القول تماماً أن كل ناقد يبدأ من بداية جديدة.

■ القصد كان.. أن التجارب النقدية المطروحة الآن، تبدأ بقراءة التجربة من البداية، ولا تكتفي بالقراءة السابقة.

□ سأبدأ من أنا

عندما أمارس العملية النقدية، أحاول أن أقدم منهج يبرر هذه القراءة النقدية، أحاول في جذور لهذه القراءة في الحركة النقدية الموجودة والمناهج الفكرية.. وتصوري هنا، أنها ليست قراءة من البداية، بداية للشغل النقدي الذي أشتغله، أنا أحاول أن أقرا الحركة الفكرية والثقافية لتأسيس رؤية نقدية جديدة، هذا ليس عيباً.. إنما العيب، أن تلتقي هذه التجارب في مفترق الطرقات وتعطي ظهرها لبعضها، هذا ممكن تم في ظروف موضوعية خاصة، حيث من الممكن أن يحدث انقطاع التجربة نتيجة ظروفٍ ما، وهذا يظهر في ليبيا بشكل خاص، وهذا يضطر للبدء من جديد.

■ أنت تتحدث عن دور للناقد، مثل الشاعر والقاص.. هل يعني هذا أن يكون للناقد نجمه الساطع؟

□ كلمة نجم تعطي إيحاءً بالشغل على السطح.. وكوني أشير إلى أن (الصادق النيهوم) يصبح نجماً في فترة الستينات، بشغله الصحفي في النقد الاجتماعي، فأنا أشير إلى أنه في فترة معينة كان رمزاً للحركة النقدية في عمومها.. لكن في تصوري، الشغل النقدي شغل ظل، وليس شغل ضوء، وأننا نبحث عنه، ويصيبنا القلق لأننا لا نجده، لأن شغل الناقد، شغل رجل العلم، أقرب للعزلة والانزواء، هذه العزلة تعطي العمل النقدي منحىً إبداعياً، فيسير في الناقد الذي يمارس النقد، شغل ما بين العالم والفنان، وعندما نشير إلى الناقد فإننا نشير إلى تكوين ما بين الفنان والعالم.

وأنا أبحث في أن يكون العمل النقدي عملية إبداع، قراءة النص الإبداعي من خلال عملية نقدية، هي كتابة لعمل إبداعي آخر.

■ ألهذا يمكن أن نرجع لغة كتابتك؟

□ هذا صحيح، وأحياناً يصبح منزلقاً.. لكن في تصوري وتقديري، إن العمل النقدي الحقيقي هو الذي تقرأه يعطيك إحساساً بأنه نص أدبي، وفي زاوي أخرى إحساساً بأنه نص علمي تقيمي دقيق، فإذا استطاع أن يعطيك هذا فهذه نقطة رئيسية. لأن عمليه نقديه لا تنطلق من نقطة التعاطف مع النص الذي تود قراءته فهي ليست عملية نقدية، تصبح عملية عاطلة وميتة، فإذا كان شغلي على النص الإبداعي، فكيف لي أن أفارق اللغة الإبداعية.. سأكون لست أنا.

■ الواقع الإبداعي الآن.. كنقد وكتاب؟

□ سيكون جوابي صحافياً

إبراهيم الكوني.. يلخص هذه العملية، بشكل مؤيد ومدهش ومكثف، وبالتالي إذا كان هذا حصل، فتصور أفق ما هو سيحصل.

مقالات ذات علاقة

القاص والشاعر عبدالله عبدالباري لفسانيا: النشر في بلادي يحتاج إلى ورقة حظ أو قصاصة واسطة

المشرف العام

حوار مع محمد النعّاس المرشح للقائمة القصيرة

المشرف العام

تشكيلي ليبي يتألق بين الحروفيات وتصميم العملة

المشرف العام

اترك تعليق