من أعمال التشكيلي محمد بشير
قصة

المكحلة

من أعمال التشكيلي محمد بشير
من أعمال التشكيلي محمد بشير

 

مستوحدة في ذيل الوادي تتشمس فوق عتبة بابها.. تظلل عينيها بكفها المنحنية وهي تحاول رؤية الدرب القديم الصاعد مع سفح الوادي.. الدرب الذي نحتته أقدام الرجال ذات شباب.. تنظر في المرآة الصغيرة الدائرية ذات المسند.. تزيح خصلة شعرها الأشيب من فوق خدها بأصابع مرتعشة بها أثر حنّاء.. تحاول وضع المرود في المكحلة.. يرتعش رأس المرود فوق الفوهة.. ينزلق مع جانب المكحلة عدة مرات.. تتنهد.. تغمض عينيها.. ثم تشرع في سرد الرجال الهابطين مع الدرب القديم.. تلتفت إلى ظلمة بيتها.. تسمع لهاثهم.. وخوارهم.. تدغدغها بذاءاتهم في أذنها.. تتمايل.. تشهق.. تمد ساقيها.. تعض شفتها.. يوقظها غراب عابر ينعق نعقتين متتاليتين.. تنحدر دمعتان.. تتعرجان مع التجاعيد.. تعود إلى المكحلة.. المرود المرتعش ينزلق دائماً خارج الفتحة.. ترفع المكحلة أمام عينيها.. بينها وبين الضوء.. تحاول تثبيت يديها.. لكن المرود يظل ينزلق خارجاً.. تحاول التوقف عن التنفس حتى لا يرتعش المرود.. ومن خلف المكحلة يبدو الدرب القديم الخالي.. المتعرج مع سفح الوادي وقد قطّعه العشب.. وشحب في غبش الدموع…
 
(2018)

_____________________________
الفصور الأربعة، العدد 119 – ديسمبر 2018.

مقالات ذات علاقة

3 قصص قصيرة

رحاب شنيب

مَن يعدل ميلها؟

عبدالرحمن جماعة

فاتت جنبنا

هدى القرقني

اترك تعليق