طيوب البراح

المـؤامــرة

 

محمد عياد العرفي

 

بعد منتصف الليل سُمع دوي لإطلاق النار خارج القصر.. هرعت الزوجة مسرعةً بملابس النوم متجه نحو غرفة طفلها سامي التي تبنته قبل عام.. وعند وصولها للغرفة لم تجده على الفراش..صرخت بصوتٍ عالٍ.. مستنجدة بزوجها ومن في القصر.

كان الزوج.. ينهي مكالمته الهاتفية التي استغرقت أكثر من ساعة.. فأغلق الهاتف وخرج مسرعاً نحو الغرفة.. فتح درج الدولاب وسحب مسدسه.. نزل يركض من الطابق الأول إلى شرفة الحديقة..يصرخ بعبراتٍ متقطعة ويطلق الرصاص في الهواء.. توقف قليلاً تراخت يداه فسقط المسدس على الأرض..وفجأةً نظر حول بوابة القصر..وجد البوابة مفتوحة..فدخل غرفة البواب لم يجده..خرج فتعثر في شيء غريب أحس بفضول لمعرفة ما هو الشيء ؟ فأشعل ضوء الغرفة على فاجعة رأس البواب يتدحرج..ودماء تغطي المكان.. نفض خارج الباب..متهسترا لا يدري ماذا يفعل؟ فصاح بصوته المعهود فهو كان شديد المعاملة يخشاه كل من في القصر..الزوجة تبكي ماسكة بمعطفه تناشده وتترجاه

_ أرجوك..أرجوك..أرجع لي طفلي..والخدم واقفون كالأصنام لا يعرفون ما سيقدم عليه السيد..فيدفعها بقوة على الأرض..ويتجه بصراخه..نحوها

 _اصمتي..دعيني أفكر..ألا تدرين ؟ ألا يهمكم إلا ذاك الفتى المدلل ؟ أنه ليس أبني.. وأنت تعلمين ذلك..

لقد تبنيته لإرضائك..هذا كل ما في الأمر.. العلة ليست علتي..فتصمت الزوجة أمام الخدم..وهي مقتنعة تماماً أن زوجها السيد سليم..مصاباً بالعقم..فترجع إلى الخلف قليلا..وتنحني

..قائلةً: _نعم أدري ذلك.

السيد:_ إذا دعيني وشأني..اذهبي إلي غرفتكِ..يكفي ما واجهته اليوم..هيا..هيا.. ابقي في الغرفة لا تبرحيها حتى أأمر أن بذلك..خطفت قدميها..والدموع تنسالُ على خدها..وعند وصولها للطابق الثاني..ينتظر السيد على مسامع خطوات إلى أن أغلقت الباب..فالتفت نحو الخدم..

وقال: أتعلمون أن البواب عبود قد قطع رأسه..وخطف سامي.. انه اعتداء مدبر.. لن أطيل عليكم كثيراً..لان ليس من المعقول أن يحدث كل هذا وأنتم صم لا تسمعون..عددكم كبير يفوق العشرة..إذا هناك من خطط لهذا ؟!..فأنتم ألان بالنسبة لي جميعكم مشتركون في هذه المؤامرة..ما عدت أثق بأحد حتى زوجتي ستسأل أيضاً.. هي أول من خرجت عندما سمعت إطلاق النار.

يقبض بيده ويقول:سأوجه السؤال للجميع من منكم كان على دراية بالحادثة ؟.

 صمت جميع الخدم يرتعشون يهمسون

_ أرجوك يا سيدي لا تعاقبنا..فهم العارفون بحدته وشدته في تنفيذ القرارات.. إذا سأضعكم داخل القبو..ولن أطلق سراحكم حتى تعترفوا بجرمكم..

السيد: نادى على مساعده عدنان.. وطلب منه أن يقودهم إلى الأسفل فهز رأسه وقال: كما تريد سيدي.. وبدأ المتعجرف عدنان يستغل الموقف فهو كان يكره الخدم وهم كذلك يرونه شخص دخيلا عليهم.. فصار يدفع تارةً و يوجه لكماته نحو الخدم تارةً أخرى..وهم يصرخون..أرجوك سيدي أن تعفو عنا فنحن أبرياء..نحن لسنا مذنبون.. فجلس السيد سليم يفكر..ويفكر..حتى قطع أفكاره مساعده الخاص..

 _سيدي..سيدي..كل شيء جرى على ما يرام..

لقد أغلقت القبو جيداً..لكن ماذا عن الطعام والشراب ؟ هز السيد رأسه..

وقال: لن يكون هناك طعام ولا شراب..

عدنان:ربما سيموتون سيدي..

السيد: ضحك بصوتٍ عالٍ لاتكن متشائماً من قال لك أنني سأقطع عليهم الطعام والشراب.. اسمعني جيداً أيها الأحمق.. لن يفلت بسهولة من حاول أن يتأمر علي.. اذهب ألان وأتصل بالشرطة..وقل لهم هناك جريمة حصلت داخل القصر..

 عدنان:..ماذا ستفعل يا سيدي ؟

السيد:أصمت ولا تقاطعني..

عدنان: حسنا..حسنا..

السيد: لا تقترب من أي شيء دع كل شيء في مكانه.. أتمنى أن أعرف لماذا قطع رأس عبود ؟ بدأ يهمس بينه وبين نفسه.. من قطع رأس عبود ؟ من قطع رأس عبود ؟ فوقف يصرخ.. إذا أين باقي الجثة ؟

عدنان: أي جثة ؟

السيد: أنسى ما قلته !!..

توقف عدنان قليلاً ثم ذهب ليرفع سماعة الهاتف..

فمسك ببطنه يصرخ..أه أه سيدي..

السيد: ماذا دهاك ؟

 عدنان: لا أدري ألم شديد أسفل بطني

سقط على ألأرض وانطرح ميتاً..

السيد: عدنان رد علي.. رد علي.. أجبني!!

حزن السيد كثيراً كانت تربطه علاقة متينة بعدنان.. تحرك السيد ومد يداه نحو سماعة الهاتف..

السيد: الو الشرطة..

الشرطة: تفضل سيدي..

السيد: أريد أن أبلغ عن جريمة وقعت في القصر..

الشرطة: العنوان من فضلك..

السيد: شرق المدينة قرب مستودع الأدوية..

الشرطة: حسناً سنكون هناك في أقرب وقتٍ ممكن

السيد: أرجوكم لا تتأخروا..

قفل السماعة..وقف يذهب ويجيء.. فشرب كأس من الفودكا..لكي يستطيع أن يتعامل مع الموقف.. رنّة جرس المنزل..فصرخ السيد ينادى على الخدم..فتذكر أنه قد أمر بحجزهم في القبو..

السيد: أنا قادم..فتح الباب..وتفاجأ بعدد الكبير من شرطة المباحث..والكلاب..تلف حول المنزل..والسيد سليم..عُقِد لسانه..وعجز عن الكلام..فتقدم نحوه الشرطي..من فضلك..أن تجلس وأن تخبرنا ما حدث بالضبط ؟..

السيد: حسناً لقد كنت أنهي مكالمة هاتفية..مع أحد رجال الأعمال..الذي كان يريد أن يشتري القصر..وأنا كنت أرفض الفكرة..فمنذ سنوات التقينا في حفلة رسمية..وتعارفنا وعندما عرف أنني أملك هذا القصر..أصر بأن يشتريه مني بأي ثمن..كنت قد أعلمته أن القصر ليس للبيع.. وقطعت معه علاقتي بالكامل.. بعد أن أحسست بنواياه اتجاهي..كان مصراً على امتلاك قصري بأي وسيلة..في تلك الليلة اتصل بي..وكانت نبرة صوته متغيرة إلى أن وصلت إلى التهديد الرسمي..وبالحرف الواحد قال لي..إذ لم أشتري القصر..ستخسر الكثير..فقلتُ له..لا تتصل بي مرة ثانية..وعلى وشك أن أغلق الهاتف بدأ يقهقه بصورة متكررة..إلا أني سمعتُ زوجتي تصرخ..فرميتُ السماعة.. واتجهت إلى الغرفة وسحبتُ مسدسي..وأطلقت ثلاثة طلقات دون أن أدري بما حدث ؟

وعندما توجهتُ لبوابة القصر..تفاجأت وجدتُ رأس البواب عبود يتدحرج أمامي ككرة قدم..

الشرطي: هل لمست رأس..

السيد: لا.. لا.. لم أستطيع فعل شيء..سوى أنني دخلتُ للقصر..وناديتُ على جميع الخدم..

الشرطي: كم كانت الساعة في ذاك الوقت..

السيد: حوالي الثالثة بعد منتصف الليل..

الشرطي: استمر من فضلك..

السيد: نعم..وجدتُ زوجتي منهارة..تخبرني بأن طفلنا سامي..قد خُطف..

الشرطي: هل حققت مع الخدم..

السيد: لا.. لا.. فقط أمرتُ مساعدي الخاص أن يضعهم جميعهم بداخل القبو..

الشرطي: ماذا عن مساعدك..أين هو ؟

السيد: لقد مات هو الأخر بينما طلبت منه أن يتصل.. وأن يبلغ عن جريمة وقعت..

الشرطي: كيف مات مساعدك ؟

السيد: لا أدري لقد وضع يداه على بطنه..وسقط على الأرض..أسأله ماذا دهاك ؟ يقول ألم شديد أسفل بطني..

الشرطي: أين مساعدك الخاص ألان ؟

السيد: هناك قرب الشرفة المطلة على الحديقة..

الشرطي: لا يوجد آثر لأي إنسان

السيد: ماذا ؟ تقدم نحو المكان..لقد كان هنا قبل دقائق..أقسم لكم..لقد سقط قرب الهاتف..

الشرطي: حسناً يا سيدي..هدئ من روعك.. أأنت ثمل ؟!

السيد: لا لا فقط أنا لا أدري.. أعذرني يا حضرة الشرطي.. لا أفهم ما الذي يحدث ؟

الشرطي: حسناً..أين المطبخ ؟

السيد: في الركن الشرقي وسط القصر..

الشرطي: اسمع يا سيد سليم.. ما حدث كانت مؤامرة مدبرة.. سنبدأ بالتحقيق مع كل من في القصر..

السيد: ألان !!

الشرطي: أجل..أين القبو ؟

السيد: في الأسفل..

الشرطي: أين الزوجة ؟

السيد: قابعة في الغرفة..

الشرطي: من فضلك نادي عليها..

السيد: حسناً لكن هي ليست لها علاقة بما حدث..

الشرطي: لا تقلق سيدي..مجرد استجواب اعتيادي..فقط..

السيد: حسناً..

ذهب السيد للطابق الثاني..وفتح الغرفة..لم يجد الزوجة..

يا أيها الشرطي تعال بسرعة..زوجتي اختفت..

الشرطي: اهدأ قليلا.. سيدي..

السيد: كيف يا حضرة الشرطي.. وزوجتي هي ألأخرى قد تم خطفها.

الشرطي:سنهتم بالموضوع..لا تقلق !!

نزل السيد سليم.. يجر قدميه حزيناً لا يدري كيف حدث كل هذا..وبينما هو يتخطى الدرجة بعد الأخرى..يتحدث أحد الشرطة..لزميله..لم نجد أي من الخدم داخل القبو..ماذا ؟

الشرطي: من فضلك يا سيد سليم..هل أنت متأكد أن مساعدك..قد وضع الخدم داخل القبو.

السيد: أجل أنا متأكد من ذلك..

بدأ رجال الشرطة يهمسون لبعضهم البعض ويحدقون في وجه السيد سليم.. ثم اقتربوا منه وقيدوه.

السيد: أنتظر..ماذا تفعل ؟ أنا بريء..

الشرطي: من حقك أن تلتزم الهدوء..كل كلمة تقولها تحسب ضدك..لا يحق لك الكلام إلا بوجود المحامي.

وضِع السيد سليم داخل عربة الشرطة.. وانطلقت سيارات الشرطة إلى المخفر ووضع تحت المراقبة المشددة..

استمرت الشرطة في التحقيق.. ولم تجد الأدلة.. لا يوجد آثر لا للزوجة ,, ولا للخدم ,, ولا للسامي ,, ولا لعدنان ,, ولا حتى ,, رأس عبود ,, وبعد فترة.. حصلت الشرطة على رسالة مدسوسة بين درج مكتب السيد سليم..في أثناء ما كان رجال الشرطة يبحثون عن خيط للوصول إلى الأدلة.

تقول الرسالة:

 بعد التحية..والسلام

من الأب الراحل إلي من يقرأ ألان..لقد تركتُ لأبني سليم القصر..وهذا ما بقى لي من أملاكي..لقد عشتُ سنوات طويلة..وتزوجتُ بعد الأربعين بسبب العلة التي كانت تلاحقنا..وهي العقم..لقد تبنيتُ سليم وهو قد بلغ من العمر تسع سنوات..عندما أخذته كان صامتاً لا يتكلم..كان هادئاً.. وبعد وفاة زوجتي التي كانت في مثابة أمه..كان في الخامسة عشرة من عمره..كنتُ وحيدا.. حقيقةً لقد قسوتُ عليه.. شعرتُ بأنه مدلل..ورأيتُ من صالحه أن يكون رجلاً.. يمتلك زمام الأمور بعد وفاتي..لكن قسوتي سببت له مرضً نفسي..أصبح يعاني كثيراً..كان يتخيل دائماً أنه سيد وأنه يأمر وينهي..وأن زوجته لا تريد انجاب أطفال..وأن الخدم لا يطيعونه..وذات مرة قال لي أنه كلف مساعد خاص أسمه عدنان..هو من سيثق به..اتصلتُ بالمستشفى..وطلب مني الطبيب إحضاره على الفور..فشخصَ حالته..وأتضح أنه مصاباً بمرض نفسي..ونصحني الطبيب أن أعطي له الدواء في وقته المناسب..وان لم أفعل ذلك..ستتأزم حالته..وسيعيش..في دائرة المؤامرة..ويتوهم بأشياء لم تحدث أبداً.. كتبتُ هذه الرسالة لأني كنت أشعر بأنني سأرحل عما قريب.. أرجو ممن يجده أن يتعامل مع أبني بحذر..فهو ألان يرى أن الجميع قد تأمروا عليه..وداعاً.

أغلق الشرطي الرسالة وتوجه نحو المخفر..وعند وصوله للمخفر.. تم نقل السيد سليم للعلاج في مصحة العقلية..وكان السيد سليم قد رفض فكرة العلاج ومازال مصراً على أن الجميع قد تأمروا عليه..حاول الهروب أكثر من مرة..لكنه لم ينجح..وفي إحدى الليالي الشتوية.. سمع السيد سليم دوى إطلاق النار خارج المستشفى..فَعلِم أن الكــاتب لم يستطيــع إكـمال القــصة.

مقالات ذات علاقة

رحلة إلى الوظيفة

المشرف العام

كيس قمح في جيب مبسوطة

المشرف العام

غصنٌ مثمر

المشرف العام

اترك تعليق