المقالة

المطربون الشباب بين المحاربة والإهمال

بدرون (الصورة: عن تاناروت)

الهجوم في وسائل الاتصال الاجتماعي على أي نشاط  او احتفالية موسيقية وغنائية تقام  في بنغازي كما حدث مع النشاط الموسيقى والغنائي “لنادي تاناروت” منذ أيام هو نتيحة سنوات طويلة من التصحر الفني لعدم الاهتمام  من جانب وزارات الثقافة المتعاقب بتخصيص ميزانية لتشجيع المطربين الشباب وكان الإنتاج الغنائي للمطربين الشباب  دائما ينتج عبر مجهود شخصي في مجمله كما إن انعدام وجود مهرجانات فنية بالمدينة طيلة عقد كامل جعل الهجوم يشتد على أي احتفالية فنية  تقام بالمدينة وعلى المواهب الفنية الشابة كما حدث مع المواهب الموسيقية والغنائية التي وجدت في تاناروت براح للتعبير عن عشقها ومحبتها للموسيقى وللغناء.

فعلينا أن لا ننسى أن كل ما يحدث هو نتيجة تراكمات عقود من القرارت السيئة منها قرار الغاء مادة التربية الموسيقية من المدارس وقرار إيقاف مسابقة المهرجانات الغنائية الموسيقية على مستوى مدارس البلاد   التي كانت تقام في اواخر السبعينيات وبداية الثمانينات قبل أن يقوم القذافي بألغاء مادة الموسيقى من المدارس ويوعز للجانه الثورية  بالعمل على تحطيم الآلات الموسيقية الغربية مثل الجيتار  والدرامز وغيرها  في تجمعات همجية جعلت تعاطى الشباب مع الموسيقى الحديثة ينحسر ويتقوقع في لون  واحد احتكرته أسماء مقربة للسلطة وفرضته عبر أذرع الدولة الإعلامية مما اضطر الشباب الموهوبين ،الذين يغنون الوان أخرى للخروج من البلاد لتتفتح مواهبهم في بلدان اخرى استقبلتم بمحبة وترحاب ولدينا في الفنانين  احمد فكرون وحميد الشاعري وباسط الحاسي أمثلة حية على ما حدث في تلك العقود

ثم جاءت بعد 2011 الجماعات التكفيرية التي حرمت الغناء وحاربته وقامت بتهديد بعض المطربين الشباب لمنعهم من الغناء باعتباره من المحرمات

لهذا علينا الوعى والمعرفة  بأن محاربة داعش لا تكمن في الجانب العسكري فقط بل يجب محاربتها فكريا أيضا بنشر الثقافة والفن الغنائي وإقامة مهرجانات فنية تشرف عليها وزارة الثقافة  التي من واجبها فتح الأبواب أمام المواهب الشابة العاشقة للموسيقى والغناء كي يسترد المجتمع بعض من وعيه الفني الذى فقده نتيجة كل هذه التراكمات على مدى عقود وكى تتوقف كل هذه الهجمات الإعلامية على أي نشاط فنى بل يجب تفعيل شرطة  مكافحة الجرائم الإلكترونية لإقفال الصفحات التي تقوم  بالتشهير والتشويه للفتيات اللواتي لديهن مواهب ورغبة في الغناء أو الفن بصورة عامة لأنه من الناحية القانونية لا يحق لهم ذلك بل إن هناك عقوبات للتشهير والتشويه ولكنها للأسف غير مفعلة في بلادنا.

ولكن ما يثلج الصدر أنه رغم المحاربة  المجتمعية للفنون والغناء  والإهمال الحكومي والإعلامي للمطربين الشباب وعدم دعمهم فنيا والعمل على  نشر فنهم بين الجمهور بإقامة حفلات فنية تقدم فنهم للجمهور إلا إن ذلك لم يمنع المطربين الشباب من الاعتماد على أنفسهم لإنتاج البومات وأغاني شبابية  تعبر عن روحهم  الفنية وبصمتهم الغنائية ونشرها عبر منصات اليوتيوب والفيس والانستجرام التي قدمت خدمة للمطربين  الشباب والهواة لنشر أعمالهم دون انتظار  دعم حكومي لن يحدث ولن يكون ضمن خطط وزارات الثقافة الليبية المتعاقبة طيلة عقد من الزمان  ، ولعل بارقة الأمل في الموضوع هو زخم الأصوات الشابة ففي بنغازي مثلا برزت  خلال العقد الأخير العديد من الأصوات الغنائية  رغم كل ظروف البلاد السيئة وعدم الدعم المجتمعى لهم  إلا أن كل ذلك لم يمنع ضهور أصوات شبابية  منذ سنوات في المجال الغنائي  استمروا في انتاج أغانيهم بتمويل من شركات انتاج صغيرة  غير مبالين بإهمال الدولة وتقصيرها في إقامة مهرجانات فنية تقربهم أكثر من الناس وتجعل إقامة الحفلات موضوع اعتيادي وطبيعي لا يثير  ردة فعل هجومية .

ولعلنا نذكر بعض من تلك الأسماء الشبابية التي تعمل في مجال الغناء في بنغازي مثل الفنان المطرب ايمن الهوني الذي يعمل بالمجال الغنائي منذ قرابة خمسة عشرة سنة وكذلك معه في نفس المرحلة لفنان محمد عثمان والفنان سامي محمود، وبعد 2011 برزت أسماء شبابية جديدة منهم الفنان صلاح غالى، والفنان محمد الوشيش، ووائل البدري، حميد الحاسي، وسيم عادل، فارس صابر، حسن البيجو ،عادل العريبي، بوبكر محمد، مصطفى عادل عبد المجيد، مسعود الشيخى، معتز نجم الدين، حمادي الفاخرى،  والموهبة الجديدة حمزة العروبة،

ولاننسى دور فرقة الزمن الجميل بقيادة الموسيقى أحمد الزليتنى في المحافظة على التراث الغنائي الليبي وتقديمه للأجيال الجديدة التي لا تعرفه، وهو دور عظيم يذكرنا بفرقة الرشيدية سابقا في تونس، ففرقة الزمن الجميل بنشاطاتها واعمالها في تقديم التراث الغنائي الليبي لا تقل قيمة عن الفرق العربية الكبيرة في وطننا العربي

فزخم كل هؤلاء المطربين الشباب في بنغازي يبرهن على أن الفن الراقي الجميل يستمر ويبقى مهما واجهته عوائق الاهمال والنكران والحجب الإعلامي، لأن الفنون بكافة أنواعها هي مثل الأدب تساهم في الارتقاء بالإنسان والمجتمع أما محاربته وقتله فلن يخلق إلا مجتمعات منغلقة الفكر داعشية التفكير مع مرور الوقت

مقالات ذات علاقة

الشخصية الليبية “قشوط” نموذجا

خالد درويش

يـا خسارة ما كتـبنا

تهاني دربي

محمد صدقي: الأغنية الليبية الحديثة الأم كانت بصوته

زياد العيساوي

اترك تعليق