استطلاعات

المثقف العربي والتخبّط في دائرة مغلقة !

استطلاع / مهنّد سليمان

من أعمال الفنانة التشكيلية “مريم الصيد”

ما مدى تأثير المثقف العربي في بيئته المجتمعية ، هل عجِز أم عُجِّز عن إحلال تأثير ما وكيف يُراهن هذا المثقف في ذات الوقت على قيادة أبناء مجتمعه وهو الذي يحمل في أدبيات خطابه الإبداعي دلالات إزدراء وإحتقار للمجتمع ؟! …
لاريب بأن المثقف بوجه عام مهما ترقّى في سُلم السمو وتجلى في سموات الابداع يظل إبن بيئته المخلص، فقد تأثث وعيه الأول بمفرداتها وظروف اتصال ذلك بالعوامل الاقتصادية والسياسية لتترعرع بذروه تحت سطوتها المطلقة ، ونحن في هذا الصدد لا نتناول علاقة المثقف بالسلطة وإن تداخلت في الدور التأثيري للمثقف كعائق يحول دون إنجاح مشروعه بقدر ما نتناول حالة الفصام التي يعاني منها المثقف مع واقعه الاجتماعي وتمثلاته التاريخية..
والمرء ما أن يطالع أول كتاب ويخطّ باكورة حروفه الأولى حتى تتأصل في باطن جلده فكرة تبدو هشّة من الخارج لسذاجتها وهي أنه قد صار بإمكانه تغيير العالم ومخوّل بمسؤولية تغيير وجه التاريخ لا محالة ، وفي ضوء دغدغة هذه الفكرة لجوارح مخياله يبني المثقف العربي مشروعه الإبداعي في الشعر وفي الرسم وفي النحت وفي الفلسفة، تتفاوت درجات ذلك ما بين النرجسية المطبقة وما بين الانفتاح النسبي على الآخر ، مثل محاولاته المستميتة للتحرر من سطوة العرف الإجتماعي ، بيد أنه طوال مسيرته الإبداعية يزداد رسوخًا بأن المجتمع لن يشهد ميلاد التغيير إلا إذا توخّى جملة من المعايير والاشتراطات التي من شأنها أن تستوفي عملية التغيير المنشودة ، وهو إزاء كل ذلك متورط في صراع حامي الوطيس ثنائيته قيم الأسلاف وواقعها المتجذر وتطلعات المستقبل، فهو من جهة يطرح نفسه كبديل إستراتيجي وموازي لأدوات السلطة الكلاسيكية لقيادة الجموع ويرى أن الناس جديرون بالتغيير والتقدم، إذ رأيناه إبّان ما أطلق عليه بثورات الربيع العربي كيف كان يتحدث عن ثقته المفرطة في إرادة الجماهير وقدرتها على إحداث التغيير ومن جهة أخرى وفي مناسبات مختلفة لا يتوانى عن التسخيف من قدرات هؤلاء الجماهير ويُطنب في إزدراء سلوكياتهم التي يجد هو نفسه ” أنكر أو لم ينكر” أنه جزء منها ومن تعقيداتها المتشابكة ، فنراه في أغلب الأوقات يسير في سلوكه تَبعًا لنهج المجتمع الذي لا يألوا جهدًا في تجهيله والحط من قيمه عبر كتاباته ومنتوجه الفكريّ ..مما يجعلنا نقف أمام سؤال مهم وهو هل من مَخرج للمثقف العربي ينتشله من محنته هذه ؟
حول هذا الموضوع رصدنا عبر هذا الاستطلاع أراء مختلفة ووجهات نظر متنوعة لثُلة من المعنيين بالشأن الثقافي والمهتمين به .

الكاتب الصحفي “عبد الوهاب العالم”

عبد الوهاب العالم كاتب وصحفي ليبي: المثقف يظل في المحصلة إنسان مواطن وجزء من ثقافته المجتمعية
لا أدري …إنما أجدني متحفظًا على موضوع المثقف “العربي” بإعتبار أن ليبيا بلد متنوع وإفريقي بالأساس كما أن ظاهرة التحقير – الإحتفاء موجودة أيضًا عند بعض المثقفين في بلدان إفريقية أخرى وبلدان أمريكا الجنوبية، فهي تشمل كل بقاع دول العالم الثالث وهذا أيضًا ليس بصائب كون أن المثقف أينما كان يظل في المحصلة إنسان مواطن وجزء من ثقافته المجتمعية التي ينتمي إليها ، وبالتالي نجده يقيِّم ويحكم ويُعبِّر عن المواقف والأحوال التي تتوفر وتتنامى في بلده الأم أو التي تستوجب في بعض الأحيان الاحتقار والتهكّم أو نراه يحفزهم ويحثهم على خوض الحروب ..ومن هذا المنطلق يجعلنا نرى المثقف كما هو مواطن نشط في حيِّزه المجتمعي من خلال الثقافة العامة ..إذًا هنا الأسلوب/ طريقة العرض/ اللغة وما نحو ذلك كل هذه عوامل غير مهمّة بقدر إمتلاك المثقف لمشروع شمولي واضح الملامح …وعلى الرغم من ذلك فلا بأس بإنتقاد مواقفه التي تنطوي على صور الاحتفاء أو الاحتقار للجماهير ومحاسبته عليها .

الروائي والكاتب “ناصر عراق”

ناصر عراق روائي وكاتب مصري : المثقفون يُحمّلون الشعب أوزار الأخطاء الكبرى التي يرتكبها حكامهم
حسب قناعاتي الفكرية: لم ينجب التاريخ مثقفا محايدًا حتى الآن، ولن ينجب، فالتاريخ يؤكد لنا أن المثقف دومًا رجل ينحاز، رجل صاحب موقف، حتى وإن توارى هذا الموقف خلف عبارات رنانة وتعبيرات غامضة. والسؤال: ينحاز المثقف إلى ماذا ومَنْ بالتحديد؟
لكن قبل الإجابة عن هذا السؤال علينا لفت الانتباه إلى أمر بالغ الأهمية ينساه الكثير من الناس، وهو أن الشعب، أي شعب، ليس كتلة واحدة تجمعها مصالح مشتركة، وإنما كل شعب يتكون من عدة طبقات متناقضة المصالح في المقام الأول، وفي عالمنا الثالث، تملك على الدوام طبقة قليلة العدد السلطة السياسية والمال والنفوذ، وربما التعليم المتميز، وتترك الملايين يكابدون الفقر والهم والجهل والمرض، وبالتالي ستعمل تلك السلطة على تعظيم مصالحها وأرباحها على حساب مصالح الغالبية المنهوبة.
إذا كانت هذه الرؤية صحيحة، وأظنها كذلك، فإننا نستطيع الإجابة من خلالها على سؤال المثقف، حيث يجب أن نحدد، أي مثقف بالضبط؟ هل المثقف الذي ينحاز إلى أصحاب السلطان، فيروج لضلالاتهم ويمتدح قراراتهم التي تضر بغالبية الشعب؟ أم المثقف الذي ينتصر لأحلام الملايين ويعمل معهم على فضح بطش الحكام وجشعهم، وربما غبائهم؟
لذا يظل تعبير (المثقف العربي) مصطلحًا منقوصًا، لأنه لم يحدد أي مثقف؟ مثقف السلطة القاسية الغليظة أم مثقف الناس المكافحين البسطاء؟ مثقف يكيل الثناء للحاكم وقراراته حتى لو كانت هذه القرارت تضر بحقوق الأهالي؟ أم مثقف يقف بالمرصاد ضد نزوات الحاكم وبطشه واستبداده وهو يعلم تمام العلم أنه قد يتعرض للبطش والسجن وربما الموت؟
من هنا نستطيع أن نفسر تعالي بعض المثقفين على الشعب، إنهم أولئك المثقفون الذين قرروا الانحياز إلى السطان بحثا عن ذهب المعز أو خوفا من سيفه. لذا تجدهم دومًا يحمّلون الشعب أوزار الأخطاء الكبرى التي يرتكبها حكامهم، فإذا ثار الناس ضد الفقر والبطش، هددوهم بأنهم يعملون على إسقاط الدولة! وإذ طالب الملايين بحقوقهم في حياة حرة كريمة لائقة، قالوا لهم: إن الحاكم يبذل قصارى جهده من أجلكم، ولكن مواردنا شحيحة، وأنتم من كل حدب تنسلون!
وهكذا لا يستحي هؤلاء المثقفون عن كيل التهم للشعوب بسبب تخلفهم وفقرهم، متجاهلين أن الشعوب مجرد عجينة لينة في يد الحكام، فإذا كان أولئك الحكام يحملون رسالة جادة وطيبة نحو تطوير بلدانهم وشعوبهم ارتقوا بالناس إلى ذرى سامقة، أما إذا كان الحكام مجرد طامعين في السلطة والمال خسفوا بشعوبهم الأرض وعذّبوهم وبصقوا عليهم!
والمثقف إما مع الحاكم النبيل، أو خلف الحاكم الوغد.

فاطمة رحيم شاعرة وكاتبة مصرية :من يحتقر الشعوب أو يقلل منها غير مثقف
أعتقد بأن من يحتقر الشعوب أو يقلل منها غير مثقف بالمرة خصوصاً ان بعض الأفراد من الشعوب ينال منها الخوف بسبب المعتقالات والتعذيب وليسوا بالأعداد القليلة وهذه الفئة الصامتة.. ومنهم من يقف مع الأنظمة لجهله أو لأن مصلحته معهم.. لكن وضع الشعب كله في كفة واحدة واحتقاره او اتهامه بعدم القدرة على التغيير أعتقد ان هذا سوء فهم وقلة ثقافة.. التغيير بحاجة للمجازفة والمخاطرة والإرادة القوية لكن دائما القمع يواجه هذه الفئة من الشعوب.. وهؤلاء أشخاص يواجهون الرصاص بينما الذي يحتقرهم ويقلل منهم يتحدث من مكتبه لا من الشارع.

القاص والكاتب ” محمد النعاس”

محمد النعّاس قاص وكاتب ليبي: المجتمع يعتبر المثقف إنسان ينفخ في الريح وفاشل لا يملك الأدوات التي تجمعل منه عضوًَا ناجحًا في المجتمع
التقدير في هذه المسألة صعب إنما من واقع خلفيتي والنظرة خاصتي وتحديدًا فيما يتصل بالحالة الليبية ، المثقف الليبي لا يملك تأثير( خلي نقولوا كبير) على بيئته، بل على العكس تمامًا، المجتمع يؤثر فيه بإزدراء وسخرية من كونه ” مثقف” أصلاً، هنالك بعض الآثار الجانبية التي خلّفها المثقف الليبي في المجتمع الليبي لكن قدرة التأثير هذه تقع على تأثيره على الشريحة الجديدة من المثقفين اللذين جاؤوا لاحقًا مثلاً كالصادق النيهوم وتأثيره على شريحة كبيرة من الشباب المثقف اليوم، وغالبًا التأثير يكون على السلطة والحكومة(وهذا أيضًا أمر معقّد ويصعب على المرء تناوله بسهولة وحزم) ،إنما يظل التأثير على الورق لا غير خصوصًا أن المثقف الليبي حتى الآن لم ينجح في إقناع السلطات المتعاقبة بضرورة توفّر الأدوات الثقافية مثل المسرح والسينما وغيرها .
المجتمع وحسب مشاهدتي وتجاربي، لا يقبل الانسان المثقف (طبعًا عندي ملاحظات أصلاً على كلمة مثقف بس مش هذا موضوعي الآن) ، بقدر ما يعتبره انسان ينفخ في الريح وفاشل لا يملك الأدوات التي تجعل منه عضوًا ناجحًا في المجتمع، على عكس بلدان مثل مصر التي نجد فيها حتى المحتمع البسيط الذي لا يتصل بعلاقة مباشرة بالفكر يُكنّ احترام ما للمثقف (ما تلقاش مصري يتهزا على حد ويقوله يا متاع الكتابات)، بينما الليبيين لو علموا أنك تكتب أو تهوى مطالعة الكتب فلا ينفكّون عن الاستهزاء بك وينظرون على أن ما تفعله أو تمارسه مدعاة لهدر الوقت .
هذا ما يدفع بالعلاقة إلى منطقة الاضطراب بين المثقف الذي ينظر للمجتمع مع الوقت بنظرة فوقية ونظرة إزدراء ، وبين المجتمع الذي لا يكترث لوجوده في الأصل،العلاقة سببية ودائرية في آن الوقت بمعنى آخر أن المجتمع يخلق للمثقف البيئة المنعزلة التي وجد فيها، وهو بالتالي يخلق صورة لنفسه على أنه فوق المجتمع ويعمل كالمرشد ( المثقف الليبي في الغالب يتبنى أساليب شبيهة بشيخ الجامع) فيتكلّم بفوقية ويزدري المجتمع فيعزله وهكذا.

مقالات ذات علاقة

مدينة بني وليد.. «متحف» النحت الليبي القديم

المشرف العام

Benghazi Pictures: زمن جديد للسينما في ليبيا

خلود الفلاح

القارئ أثناء الكتابة ضيف لا مفر منه

خلود الفلاح

اترك تعليق