قراءات

الكنز الليبي حين يضيع في الصمت

محمد عقيلة العمامي، كاتب وقاص ليبي، رافق خليفة الفاخري، وكتب دراسات مهمة عنه، كما كتب عدة مؤلفات عن الأسماك المتوسط، أصدر عدة مجموعات قصصية، وروايات قصيرة مذهلة، إلى جانب مقالاته التي تتناقلها المواقع الإلكترونية أحياناً. العمامي آخر عملاقة الأدب الليبي. سنة 2008 أصدر رواية قصيرة في 172 صفحة، من القطع الصغير. تحت عنوان ((حكاية وردة بنت شفيق)). نص مغاير تماماً يطمح لصنع رواية قصيرة، كدأب الكتابات الليبية الجيدة، منذ صدور ترجمة منير البعلبكي لرواية همنغواي ((الشيخ والبحر)).

 غلاف رواية_وردة بنت شفيق

((حكاية وردة بنت شفيق)) هي قصص متشعبة في نسيج سلسل، تجمع سير أشخاص وأماكن ومعلومات تاريخية، بلغة أشتغل عليها جيداً، الكاتب. مليئة بالحوارات الشيقة والملاحظات الذكية. الكتاب هو حكاية كنز ضائع من تحت احدى المناطق الأثرية ببنغازي. أثناء القراءة بالرغم من حضور هذه التيمة فإننا سنجد أشياء كثيرة مفقودة. حب قديم، عاطفة تجاه الوطن، تاريخ سياسي، حياة برمتها تظهر في كلمات شعرية تتخللها حكايات تحاول أحياناً جاهدة لتلتقط بتفاصيل صداقة قديمة عبر القارات. كلها تشكل الجو العام بالرواية، من نسيج الستينيات لتغدو سيرة جيل وجد نفسه محاصراً ذات مرة في ما يمكن تسميته، بعدم اخراج كامل الطاقات الكامنة في دواخلهم. النص هارب من الواقع الليبي، لكنه يحمل معه هموماً ملفتة للنظر، شارحة شيئاً عن النفسية التي يعانيها المواطن الليبي حين لا يكون بوسعه الحديث بكامل وعييه.

21526648

رجل ستيني، يحمل صورة عن تجمع بعض من اصدقائه، ويا للغرابة، من مدرسة الابتدائية، ليتخذها ذريعة للعودة بشكل سحري مدهش، لتلك السنوات من مدرسة الأمير. دون أن يكلف نفسه عناء شرح طفولته وذكر أحداث منها، يعلن عن ميلاد حارس منارة اخريبيش التي زاروها في رحلة مدرسية، رحلة ولدت معها بطلة القصة – وردة ابنة الحارس المدعو بشفيق، مصري سرعان ما اختفى، وتناقلتْ حوله الأخبار التي تتحدث عن ايجاد كنز تحت المنارة، نجد الروائي يشرح بأمانة بالغة، مبرراً الأمر، بأسلوب ليبي صرف، كأية شائعة تسير في الطرقات. بعد سنوات طويلة يقرر البحث عن موضوع الكنز، لكي يكتب أو يسجل أمراً مهماً، فالكاتب يُدخل نفسه في النص، فلغة السيرة الذاتية لم تخرج من القصة مطلقاً، إذا ينتابك احساس بأنك تقرأ نصاً حقيقياً من صميم الواقع. المهم الواقع الليبي يبدو على الدوام كأمر سطحي، لكن الكتاب يغدو عميقاً حين يمس موضوعات مثل التاريخ، كما إنه يصل في أحيان كثيرة لحد البلادة والتكرار المقيت حين يتحدث الكاتب عن العشق، وهي بكل أمانة نادرة في النص، الذي بدا لي متحرراً فعلاً من الملل، فكم الهائل من المعلومات الجغرافية، والبحرية، أساليب الحوار الشيقة، تمنح الكتاب، ربما كأفضل رواية ليبية صدرتْ في عام 2008 وحتى هذه اللحظات. فاللغة التي في الكتاب تحاول أن تعيد احساساً مفقوداً في الأدب الليبي. مواضع دقيقة مشاعة، برؤى جديدة، تحوي ذكريات في ذاكرة كل ليبي، قبل الثورة. الكتاب فيه الكثير، هذه الفقرة القصيرة البسيطة لا تمنحه حقه كاملاً، لأنها متأخرة جداً، كما إنها لا تفي الكاتب وكتابه حقهما. محمد عقيلة العمامي، بحق آخر عملاقة الأدب الليبي.

مقالات ذات علاقة

قراءة في مذكرات “عدوس السرى” للاديب إبراهيم الكوني

المشرف العام

إنّي أُصغي لندائك

مهند سليمان

المصراتي .. مأزق (الدخول من الباب الخلفي)

عبدالسلام الفقهي

اترك تعليق