حوارات

الكاتبة الصحافية إنتصار بوراوى.. كل كاتبة ليبية لديها نسقها الخاص الذي يمنحها خصوصيتها المميزة.

حاورتها /حنان علي كابو

من طفلة شغوفة بعالم المعرفة إلى صحافية وكاتبة مصرة رغم وطأة العادات والتقاليد للدخول إلى عالم الكتابة الرحب لتطل إنتصار بوراوي ذات الأسلوب الشعري المفعم بالإنسانية لتلامس الوجع ببلسم الكلمات ، أقتربنا من عالمها ،وكان لنا معها هذا الحوار الذي يحمل بين طياته هموم الكتابة وهواجسها.

الكاتبة إنتصار أبوراوي
الكاتبة إنتصار أبوراوي

من الصحافة مهنة المتاعب كانت البداية كيف تكونت علاقتك بهذا العالم المليء بالشغف والعطاء والاكتشاف بلا حدود ؟

البداية كانت مجرد حلم في عقل وفكر طفلة شغوفة بالمعرفة ،فلقد سخر لي القدر عائلة مثقفة محبة للكتب والمعرفة ،من خلال والدي الله يرحمه الذي كان من الرعيل الأول من معلمي بنغازي ،وكان محباً عاشقاً للقراءة وأمتلك مكتبة هائلة مزدانة بكل ما لذ وطاب من الكتب والصحف الليبية القديمة التي كانت تصدر في العهد الملكي والكتب والصحف العربية وخاصة المجلات المصرية القديمة ،ومن هنا بدأت متعة الاكتشاف المعرفي والتأثر بكتابات الصحافيين والصحافيات الليبيات مثل خديجة الجهمي ومرضية النعاس ورباب أدهم ورغم الفارق الزمنى الكبير بين كتابتهن وجيلي ،إلا أن قراءاتي وإطلاعي المبكر على أعداد من مجلة المرأة في مكتبة والدي زرعت لدي الرغبة والحلم بأن أكون صحافية وكاتبة ذات يوم، كذلك تأثرت بكتابات سهير القلماوي وسكينة فؤاد بالمجلات النسائية المصرية كمجلة حواء تلك الاقلام النسائية هي التي عملت على تفتيح الوعي المبكر عندى ، وجعلت لدي إصرار على مواصلة تعليمي والتخصص في الاعلام شعبة الصحافة.
وبالطبع فإنه لم يكن هناك صحافة في بلادنا بالشكل المعروف في دول العالم ولم يكن يغيب عن بالي ذلك ،ولكن كان ثمة أمل لدي بأنه يوما سأحقق حلمي بالعمل في صحيفة أو مجلة تناسب طموحاتي ،و كنت من المتابعات لإعداد مجلة “لا” حين كنت طالبة صحافة بجامعة بنغازى وبعد أن تخرجت من قسم الاعلام .توجهت للعمل كمتطوعة بمجلة “لا التى اعتبرها بداية تحقيق الحلم الصحفى حيث تمكنت من إجراء تحقيقات صحافية عن الفساد في المستشفيات العامة وقرع اجراس الخطر عن بداية أنهيار المؤسسات الصحية في البلاد ، ولاأنسى في هذا المقام أن أذكر الكاتب و الصحفى أدريس المسمارى و كل من الكاتب عبد الرسول العريبى و الكاتب أحمد الفيتورى و الشاعر فرج العربى الذين كانوا حجر الاساس بمكتب المجلة ببنغازى في تلك الفترة ،لقد كان لكل كاتب منهم دور بالارشاد والمشورة في بداية طريقى بالصحافة والكتابة ،وساعدونى في نشر مقالاتى الغاضبة الحالمة التى كانت تحمل بصمة صحافية تطارد حلم الحرية والعدل بمفهومهما الانسانى الكبير هى تجربة صحافية جميلة وغنية رغم قصرها الزمنى ولكنى لازلت احمل لكل من عملت معهم خلالها كل الامتنان والتقدير .

كتبك ….”_ضفاف الكتب “،” الظلم المزدوج” صدرن منذ فترة عن وزارة الثقافة وعبرهن نجوس بعالم وأفكار أنتصار الكاتبة ..حدثينا عنهن ؟

كتاب “ضفاف الكتب “هو مجموعة المقالات التي كتبتها لسنوات طويلة عن الكتب التي لامست روحي والكتب التي كنت أرى بأنها إضافة للمكتبة الليبية وخاصة التي تطرقت لجوانب تاريخية مجهولة من تاريخنا الليبي ،بالإضافة إلى مجموعة مقالات ناقدة عن واقعنا وهمومنا الثقافية بصورة عامة
أما كتاب “الظلم المزدوج “..فهو مجموعة مقالات اجتماعية تناولت فيها الهم الاجتماعي وخاصة للمرأة الليبية التي تعنينى في المقام الأول فمنذ بداية تفتح الوعي المبكر لدي لم أكن راضية عن الواقع الاجتماعي في نظرته القاصرة للمرأة وتمردت على هذا الواقع ،وجوبهت بكثير من الرفض الاجتماعي ولكن كان لدى أصرار على عالم الكتابة حيث هيأ لي عملي بدار الكتب الوطنية فرصة للابتعاد والكتابة بهدوء والنشر في الملاحق الثقافية والاجتماعية ومن ثم حين فتحت بوابة عالم المواقع الانترنتية اتجهت صوبها وهذه الكتب هي خلاصة تجربة سنوات من الكتابة بهدوء وسكينة وصمت ودون ضجيج

تمتلكين لغة شعرية عالية ،ولديك مجموعة قصصية لم تظهر إلى النور فلماذا لم نرى بعد انتصار القاصة ؟

هذا سؤال صعب الاجابة عليه قليلا …بالفعل نشرت بعض من قصصي خلال السنوات الماضية ولدي مجموعة قصصية أعتبرها جزءاً حميمياً مني، كما لو أن تلك القصص هي شرفة أطل منها على خبايا روحي وما توحي لي به الحياة من خلال تفاصيلها الصغيرة والكبيرة ،ولكني لا أعرف أعتقد بأني أرتاح لانتصار الكاتبة الصحافية أكثرمن إنتصار القاصة

عملك سنوات في دار الكتب الوطنية أتاح لك فرصة التجول عبر أرففها ماذا تحملين لها في ذاكرتك؟

المكتبة كما يقول بورخيس هى “الكون الذى يدعوه الآخرون ..مكتبة”،ودار الكتب الوطنية كانت ملاذي وملجأي خلال سنوات القهر والظلم الذي كان يعيشه الوطن فهي التي منحتني الفرصة للابتعاد والتأمل ،أرفف دار الكتب الوطنية منحتني المعرفة والتفكير بعمق وبنضج بما يجرى بالوطن

كنت عضو بلجنة الاداب باللجنة العليا ببنغازي عاصمة ثقافية كيف ترى انتصار حال الثقافة اليوم ؟

هناك حراك ثقافي ولكنه ليس بالصورة المأمولة والحقيقة أن مشروع بنغازي عاصمة للثقافة تعثر كثيرا نتيجة تأخر الميزانية ونتيجة ظروف كثيرة وأنسحب منه الكثيرون نتيجة لذلك ….لقد خططنا لبرامج وفعاليات ثقافية وكنا نجتمع كلجنة عليا طيلة مدة ثلاثة ا شهر ورغم التعثر الا اننا كلجنة اداب مع الاستاذ محمد العنيزى وحنان كابو ورحاب شنيب أستمرينا في التخطيط والاعداد لبرنامج أدبى كبير يليق بمشروع بنغازى عاصمة ثقافية ولكن التأجيل وتأخر الميزانية أضر بالمشروع وأصارحك القول بأنه تقريبا قتله في مهده فانسحب الكثيرين وأنا منهم من اللجنة العليا بهدوء

الثقافة كيف تأملى أن تريها ؟

آمال عريضة للثقافة بعد 17 فبراير ..حلمنا بها ولكن الواقع اليومي شرس وقاسي والحالة الأمنية للبلاد …لا تمنح أية فرصة للحالة الثقافية وللحراك الثقافي أن يزدهر كل يوم تفجيرات واختطاف وعدم إحساس بالأمن ..كل هذا يمنع الحراك الثقافي من التحرك بحرية

ما حجم مساحة الحرية في نص الكاتبة الليبية ؟

دائما العائق الاجتماعي يقف امام اى حلم بالكتابة لدى المرأة الليبية ورغم ذلك خرجت اسماء كثيرة كسرت الطوق الاجتماعي ومنحن لأقلامهن الحرية في الكتابة سواء الكتابة الصحافية أو الابداعية بكل أجناسها ..ولكن لازال الطريق طويل ومحفوف بكثير من الالغام والأخطر أن هناك ردة للتخلي عن كل المكتسبات التاريخية للمرأة وللكاتبة الليبية خصوصا التي تحصلت عليها بفضل إصرارها الذاتي ودون جميل أو منة من أحد .

هل ثمة خصوصية تتميز بها كتابات المرأة الليبية ؟

خصوصية كتابات المرأة الليبية تكمن في نصوصها، فلكل كاتبة ليبية بصمة خاصة بها تختلف عن الاخرى فحين تقرأي للشاعرة حواء القمودي تدخلين لعوالم شعرية مختلفة تماما سواء من ناحية الروح أو اللغة الشعرية أو المواضيع عن الشاعرة سميرة البوزيدي مثلا فكل كاتبة لها مذاقها وعالمها الخاص …وكذلك في المجال السردي فعالم وفاء البوعيسى الروائي يختلف تماما عن عالم نجوى بن شتوان مثلا وهكذا فلكل كاتبة نسقها الخاص الذى منح لكتابة المرأة الليبية خصوصيتها المميزة

ماهي المعوقات التي تعوق ابداع المرأة الليبية ؟

أغلبها معوقات اجتماعية لازال مجتمعنا قبليا وتحكمه العقلية القبلية المتزمتة والكتابة الإبداعية أكسجينها هو الحرية ،وعدم ملاحقة كل حرف وكلمة ووضعه تحت مجهر العقلية القبلية المتزمتة ، الإبداع في أساسه قائم على حرية الخيال .ولكن هناك حراس قبليون ….يحاكمون الخيال ….ويحاولون اعتقاله …

منذ مدة أستلمتى رئاسة تحرير مجلة “المرأة”..حدثينا عن رؤيتك للمجلة؟

أعتبر رئاستى لتحرير مجلة “المرأ’ة”…شرف أفتخر به ..لأنها ليست أي مجلة ..أنها المجلة التى أسستها بنت الوطن “خديجة الجهمى “قبل قرابة خمسين عام في بنغازى فمجلة “المرأة” تمثل مشعل الريادة للصحافة النسائية في ليبيا.لذلك أتعامل مع رئاستى لتحرير المجلة بمنتهى الجدية والمسئولية ولدى رؤية ظهرت في العدد الذى صدر منذ أيام والأعداد التى نعمل عليها حاليا ..رغم أن ثمة من أنتقد العدد الجديد لانه يرى بأن الصحافة النسائية هى مجرد اكسسوارات و ملابس السهرة وأخبار الفنانين وهذا فهم رائج ومغلوط للصحافة النسائية التى عليها أن لاتهرب من طرح المواضيع الحقيقية للمرأة وللمجتمع وعليها أن تناقش قضايا المرأة والمجتمع وتعرض مشاكله ، وتنقب خلف المواضيع المسكوت عنها والمختفية تحت رداء الاهمال …وهذا لايتعارض مع بعض الابواب التى تهتم بالمظهر الجمالى للمرأة أيضا.

___________________________

نشر بصحيفة الأحوال .. 23-4-2014

مقالات ذات علاقة

حوار مع الشاعر محمد الفقيه صالح

عمر أبوالقاسم الككلي

الروائي عماد مدولي: الكتابة تمثل للخيال ملاذًا للابتعاد عن الواقع.

مهند سليمان

“منساد” تشهد صراعاً على امتلاكها بين البشر والجن

المشرف العام

اترك تعليق