المقالة

الـقـــنـصـل

 

بابلو نيرودا، الذي نفخ الروح في قصيدة قارة بأسرها ،كان من أبرز شعراء القرن العشرين الذين لهم الفضل في تقريب شعوبهم من وجدان العالم .

ولد في الثاني عشر من الشهر السابع ( ناصر ) 1904 في قرية – بارال – بوسط الشيلي من أم تعمل في مهنة التدريس وأب من عامة الشعب ، يعمل كمستخدم بسيط بسكة الحديد .. لكن وعلى الرغم من أن والدته قد فارقت الحياة قبل أن يكمل شهره الثاني ،الأ أن نيرودا الذي كانت نشأته حافلة بالمكابدات الصعبة قد استطاع أن يحقق في القصيدة مفقوداته التي حرمته الحياة منها ،وعاش حسب اعترافه في مذكراته الشهيرة التي كان عنوانها ( أعترف بأنني قد عشت ) حياة تظل على الرغم من قسوتها ، حافلة بالمغامرة ، ثرية باللذائذ والمتع .. ولعلّ ترحاله عبر مدن العالم وقراه ، بين آسيا وأوربا وأمريكا الجنوبية كقنصل ، ثم كسفير لبلده قد أتاح له أن يعمّق معرفته بالعالم ويضيف إلى القصيدة تشكّلات جديدة لم يألفها نسيج الشعر في بلده من قبل . في عام 1925 كان ” نيرودا ” في العاصمة – سانتياغو – يتردد على مكاتب وزارة الخارجية، لكي توفده “قنصلاً معتمداً “إلى إحدى البلدان ، ولأنه كان شغوفاً كشاعر شاب يتوقّد حيوية ونشاطاً لتعميق معرفته بالعالم عبر مساحات فسيحة ، ثرية باللون والموسيقى والحكايات ، أخذت رغبته تزداد جموحاً للسفر والمغامرة والاكتشاف، يغذيها خيال عنيف لارتياد مجاهل أخرى .. يتقدّمها توق الشّعر المجنّح الذي ينشر حبّات عشقه المترعة بقطرات الضوء ووهج المعنى ، وظل بصبر عنيد يطرق – دون كلل أو ملل – أبواب وزارة الخارجية ، متحملاً على مضض ثرثرة موظّف ثقيل الظلّ،كان يحدثه بهوس شديد ، عن الكلاب الأصيلة ،والروحانيات ،وعلم الأنساب ، وموسيقى تشايا كوفسكي.. لكن وبعد عامين كاملين لم ينل نيرودا سوى المزيد من الصداع وحفنة من الوعود الكاذبة ..غير أن الحظ قد ابتسم له في آخر الأمر،حين التقى مصادفة بصديق قديم ، ينتمي لعائلة آل بيانتشتي ، وهم فخذ من قبيلة تشيلية نبيلة ، منهم رسامون وموسيقيون وقضاة وكتّاب ومتسلقون لجبال الأنديس ، كانت الحكومة تنفذ لهم ما يشاءون ، وتلبي مطالبهم ووساطاتهم في أسرع وقت . وهكذا أتيح لنيرودا من خلال وساطة صديقه ، الحصول على قرار تعيينه .في صيف 1927 سافر الشاعر الشاب الذي لم يتجاوز عمره وقتذاك الثالثة والعشرين،إلى إحدى المدن الهندية الصغيرة كقنصل لبلاده ، حيث تحقّق حلم الشاعر الذي استطاع أن يثري تجربته ويعمّق معرفته بالحياة السياسية والثقافية ، عاقداً الصداقات مع أهم الأسماء في ميادين السياسة والأدب والفن مثل ” المهاتما غاندي ونهرو “ووطد علاقات حميمة مع كتاب فرنسا وأسبانيا منهم “اراغون وايلوار ولوركا “مما كان له الأثر الفعال في إثراء ثقافة وطنه وتطور الحركة الأدبية، ليس في الشيلي وحسب ، بل في بلدان أمريكا اللاتينية التي استفادت من مغامرة القنصل والشاعر المناضل بابلو نيرودا.

30.07.2010

مقالات ذات علاقة

شهادة الفاروق في شعر النابغة

سالم الحريك

تأملات محمدية

عبدالله الغزال

عالمية القيم الإنسانية؟

عمر أبوالقاسم الككلي

اترك تعليق