المقالة

الغموض ومحاذير التلقي

تعاني الشعرية الجديدة من قصور في التلقي مما يؤدي إلي جفاء يختلف بنسب متفاوتة حتى تصل إلي كبار المثقفين وأعزو ذلك إلي عدة أسباب تأتي في مقدمتها الثقافة لأن الكتابة الجديدة استبدلت أدواتها المعرفية واتكأت علي سبل أخري فأعتمد الشاعر في نصوصه على التراث والتاريخ والنصوص والفلسفة بل واستعمل الإسقاطات النفسية ولوحات التقطيع السينمائي واتسعت مداركه كشاعر ملم مطلع و مثقف فقد انفتح على كافة الحضارات الإنسانية البائدة والمعاصرة هذا التنوع في الكم الهائل من المعرفية النصية أمام متلق لا يقرأ إلا القليل سوف تكون محصلته المؤكدة هو غموض القصيدة وصعوبة وصولها.


كما إن سعة الخيال والتصور داعم أولي للوصول وقد صارت تلعب دورا أساسيا في القصيدة الجديدة بل أنها أحيانا قد تتلاقح مع الفنون التشكيلية في جزئيات محدودة لأن قراءة اللوحة الفنية تعتمد علي الجانب البصري فقط لينقلها إلي العقل ثم يحدث التصور والتلقي أما القصيدة فان استقبالها يكون سمعيا بصريا ثم تنقل إلي العقل عبرها ليحدث التصور والتلقي .
ومن أسباب الغموض (القصور اللغوي)وعدم التمكن من فهم مفردات اللغة المكتوب بها النص ولكن يبقي الشعر حرا يجرد نفسه من كل تلك الأسباب والمحاذير ليخترق حجب المشاعر ويسيطر علي الأحاسيس،فالنص الناجح والمتميز يقدم نفسه بوضوح ويدهش المتلقي شاء أم أبي وهناك جانب أخر قد يسهل علي المتلقي الاقتراب من القصيدة هي المناسبة التي قيلت فيها أو الموقف الذي استثار قريحته فجاد بإبداعه ولكن الحياة مليئة بالمواقف المتضافرة والمتداخلة لهذا انفتحت أفاق جديدة أمام الشاعر المجدد و صارت القصيدة الواحدة قد تعبر عن أكثر من سبب ويمكن لنص واحد أن ينطبق علي عدد لا نهائي من المواقف الوجدانية في حياة الإنسان واختلف الشاعر المجدد عن الشاعر المقلد بتخليه عن أغراض الشعر المتعارف عليها كالمدح والهجاء والنسيب بصيغها التقليدية منقبا عن استحضار مناخات جديدة وغريبة يطوع كل ذلك لمهارته بأدوات وأغراض مختلفة تؤدي ذات الغرض السابق برؤى مغايرة ومن هنا تكمن روعة هذه النصوص وفرادتها أنها متسع خصب كفيل بأن يحتضن كما هائلا من المشاعر الإنسانية دون تخصيص بتحديد المكان والزمان تنتزع كيانها من يوتقتها التي تحمل بصمتها وفلسفتها المميزة لها ليسري عنفوانها في ذات النفس البشرية دون النظر إلى الجنس أو اللغة فهي تخترق الحواجز المتعارف عليها لتحتضن الروح الإنسانية


حتى وإن كانت اللغات ما تزال تشكل عائقا بين الناس لكن الإبداعات الراقية والشامخة تتجاوز حدودها ولا تتوارب .
إن إشباع الموضوع يحتاج إلى مبحث مطول ولا يسعفنا المجال في هذه المقالة المختصرة إلى الوقوف عند كل المباحث التي تغطي موضوع الغموض واستعصاء الوصول التام للنص النثري الجديد حتى يتسنى لنا أن نسد كل الثغرات المعيقة لفهم المعنى الحقيقي للتجديد وعندها يمكننا أن ندعم هذه التجارب الجديدة بمزيد من البراهين والحجج الدامغة بالوقوف على أسس حقيقية تقودها سياقات نقدية غير قابلة للشك والاختلاف وتتجاوز مرحلة الانطباع
ووجهة النظر أو الاحتفاء والدهشة المؤقتة فقط …وحتى يتحقق ذلك الغرض علينا أن التنبه من الوقوع في محاذير التلقي .

مقالات ذات علاقة

العـقـل الغـلـبان

المشرف العام

عالمية القيم الإنسانية؟

عمر أبوالقاسم الككلي

الأخير..

أسماء الأسطى

اترك تعليق