السجن
تجارب

الغرفة الرابعة بالقسم الرابع

السجن

بالغرفة الرابعة بالقسم الرابع بسجن الحصان الأسود “بورتا بينيتو” كنا عشرة, سبعة طلاب وتونسيان وتشادي وحيد, كنا نحن الطلبة سجناء او ضحايا السابع من ابريل,وكان التونسيان ضحيتي وشاية مقاوليين ليبين ارسلوا بهما الى السجن بتهمة شتم سلطة الشعب, كي لا يدفعوا لهما اجرهما المستحق , اما التشادي الوحيد فكان فاقد العقل تماما ولا يعرف انه سجين !!
في القسم الرابع كان ثمة عدد كبير من السجناء السياسين وكنا اقدمهم واثقلهم احكاما, كان ذلك في عام وفي شهر اجتياح بيروت من قبل اسرائيل, وكان الراديو والجرائد الليبية تضج بالاناشيد والبيانات الثورية والقومية,كنا مع المقاومة ومع فلسطين ولبنان ,كنا هكذا رغم السجن ورغم القمع ,وكان السجن السياسي الليبي قد بدأ يستقبل معتقلين مختلفين عنا, كانوا يكرهون كل ما يتعلق بالقضية العربية وفلسطين, وكانوا يرون في المقاومة حليف القذافي ولذا فهي عدو بغيض ,اذن اكتشفنا كما اكتشفوا ان السجن والمعارضة للنظام لاتعني اننا واحد, اكتشفنا كما اكتشفوا اننا مختلفون, كنا قد اعترفنا بهذا الوضع وقبلناه, كنا اقلية صغيرة,كنا يسارا وسط بحيرة يمين كما كنا نرى.
حرب بيروت فجرت كل شيء في القسم الرابع بسجن الحصان الأسود بطرابلس, فجرت تلك العلاقة الهشة واحرقت ذلك الاعتراف المتبادل بالاختلاف,صرنا في نظرهم عملاء للنظام واتباعا ” رغم اننا في سجون النظام قبلهم واحكامنا اثقل من احكامهم ” وصاروا في نظرنا يمينا عربيا عميلا, لن يمانع في الأعتراف والتصالح مع اسرائيل لو وجد الفرصة “رغم بؤسهم وقلة حيلتهم ” !!
تفجرت المواجهة في القسم الرابع بسجن الحصان الأسود بطرابلس الليبية, كاحد التوابع لزوبعة غزو بيروت واجتياحها, كان احد السجناء قد بصق على صورة لياسر عرفات في جريدة قديمة ,وعبر اخرون عن شماتتهم في الفلسطينيين ليشتبك معهم احدنا , وتبدأ المواجهة بالأيدي والعصي,لتبدأ الحرب بالقسم الرابع بسجن الحصان الأسود وليبدأ اجتياح الغرفة الرابعة .
كان ” دون كيشوت” يقود الطرفين في حرب القسم الرابع وغزو الغرفة الرابعة, دون ان يدري احد خارج اسوار القسم الرابع تفاصيل تلك الملحمة العبثية, أمر السجن العسكري الثوري قال “فخار يكسر بعضه” ولم يتدخل وأمر السجانين بالحياد فكلنا خونة بالنسبة له “يمينا ويسارا ” !!
عقلاء القسم الرابع ادخلونا الى غرفتنا الرابعة وقفلوها علينا كي يوقفوا المعركة, صرنا سجناء رفاقنا في السجن, صرنا ضحايا للضحايا, منعنا من ساعات الهواء والشمس التي تمنحها ادارة السجن للسجناء.
كانت الغرفة الرابعة بيروتنا وكان القسم الرابع وطننا العربي, هكذا علمنا ” دون كيشوت” ,وكانت الغرفة الرابعة وكر اتباع النظام والقسم الرابع الوطن الليبي الأسير , هكذا علمهم ” دون كيشوتهم “.
كنا سبعة طلبة وتونسيان وتشادي فقد عقله, وكانو حوالي الستين, ضباط بوليس وعسكر وموظفين , كنا اقدم منهم جميعا في السجن واثقل احكاما, وكانوا حين التقينا محصنين ضدنا من قبل سجناء اخرين باننا خطيرون وعلمانيون وملاحدة, كانت الحروب العربية الأعلامية تدور في الحصان الأسود على اشدها وتصنف المساجين السياسين فسطاطين لا يلتقيان الا في ساحات الوغى !!
رغم الحرب وغزو الغرفة الرابعة “بيروتنا” فأننا ظللنا نقف طابورا موحدا وطويلا امام قدر السجن القذر, وامام حلاق السجن وتحت سياط سجانيه وظلت راديوات ليبيا وتونس تبث لنا اناشيد المقاومة واشعار محمود درويش .
الأن وانا شيخ في الستين اتذكر ما جرى واتسأل ” اي جنون كان يسكننا جميعا, بكل اطيافنا, ولماذا نصر على اعادة تمثيل غزو الغرفة الرابعة؟ ولماذا نتقاتل على بعض الأوهام ؟ السنا جميعا ضحايا ؟ السنا جميعا سكان القسم الرابع بسجن الحصان الأسود بليبيا ؟
اليست الغرفة الرابعة احد غرف هذا القسم الممتد من البحر الى الصحراء ومن حق سكانها الحياة والاعتقاد؟

مقالات ذات علاقة

جلال

المشرف العام

الهدية التي جعلتني كاتبا

سعيد العريبي

الرسالة الثانية

سعيد العريبي

اترك تعليق