المقالة

العاشق.. ناشر البهجة

الكاتب أبوالقاسم المزداوي (الصورة: عن الشبكة)

عاشق أنا
قبل هذا الخراب العظيم
وقبل أن يهوي الطهر والعهر
في سلة واحدة
عاشق أنا قبل أن تخلق كل
هذي الأكاذيب
وقبل أن تنتحب المواويل عند
أقدام الطغاة
وحضن التفاهة والمهزلة*

لم أجده يوما غير مبتسم، أو صانع للابتسامة.

كانت جلساتنا بمقر صحيفة الجماهيرية بعمارة الصحافة حلقة استماع وإنصات وابتهاج، كيف لا ومن يتزعم الجلسة الرائع “أبوالقاسم المزداوي” رحمه الله، حيث مهما كان الحديث جدياً لا يخلو من قفشة أو دعابة أو نكتة يلقيها لتجدنا دخلنا في نوبة ضحك.

وإن حدث وكان هناك من يتصدر الجلسة، وكنا سماعاً، ستجد يد “المزداوي” تسحبك ليهمس لك بشيء، تجد فسك بعده تصارع كتم ضحكتك.

مقابل هذه الروح المرحة، كانت يستطيع عند الحاجة أن يكون الشخص المسؤول والمدافع بقوة، وشراسة أحياناً.

جمعتني به اللقاءات في أكثر من مكان ومدينة في ليبيا، كان فيها الأخ الذي يقدم العون والنصيحة والمساعدة.

ولأني لم أكن متابعاً جيدا لكرة القدم، كنت أستمتع بحديثة عن الكرة الليبية والعالمية، بصحيفة الجماهيرية، وكما هو في كل العالم، تبدأ حوارات الرياضة بهدوء ثم ما تلبث أن يرتفع إيقاعها، ولتشتعل من بعد، وفي لحظة يخبوا هذا الحماس، ويكمل “المزداوي” مقالته.

نعم، كان يكتب في الرياضة، إضافة للكتابة الأدبية والثقافية.

كانت يدخل إلى أحد المكاتب، عندما يحاصره الوقت، ليكتب مقالته، فتجده هادئا صامتا، مستغرقاً، حتى إنه يكتب باسترسال ولا يتوقف إلا ليفكر للحظة ويعاود القالم حركته على الورقة.

ولكوني كنت من كتاب الملف الثقافي لصحيفة الجماهيرية، كنت كثيرا ما ألتقيه، وأفرح بلقائه لأنه دائما سيخبرك عن شيء جديد، أو ان تجده يحمل كتاباً فتحصل على فرصة للتعرف إلى قراءاته.

كتب المقالة، والقراءة النقدية، والشعر، والقصة والرواية، ونستطيع أن نقول إنه تميز بأسلوبه الخاص، على مستوى اللغة السلسلة السهلة، والجمل القصيرة المركزة البعيدة عن الإطناب.

في مقر رابطة الأدباء والكتاب حيث كانت تجمعنا الأمسيات واللقاءات الثقافية، كان مبادراً، وعقب انتهاء البرنامج الثقافي، تجده مهتما بمناقشة ما دار في الأمسية أو اللقاء الثقافي، ويتنقل بين أكثر من مجموعة للحديث إلقاء بعض من قفشاته.

بل أنا العاشق
لقمر يهش علي أغاني الحصاد،
ورياح الهوى
ويرسم الزغاريد حولي
على شفاه المواويل
عاشق أنا كنت ولازلت
ولن انحني
لعاديات الزمان ولغط الرعاع
وخصخصة الحب والعولمة*

كن يحمل الكثير من الأحلام والآمال، منفتحا على الأفكار والتجارب، لذا وجدنا فيه نحن الشباب -وقتها- صديقاً وأخاً وقارئاً وناقداً.

كان من المبادرين في الانضمام لقائمة الأدباء والكتاب في بداية تكون وإنشاء موقع بلد الطيوب، من خلال تعبئته للنموذج الذي وزعته على الأدباء والكتاب الليبيين، حيث حال استلامه مني قام بتعبئته على أول مكتب قابله بصحيفة الجماهيرية.

كما إنه ناقشني كثيراً عندما بدأت طرح مسألة (التسعينيون)، وكان بيننا حديث طويل حول هذه المسألة.

رحم الله الفقيد “أبوالقاسم المزداوي” وأسكنه فسيح جناته..

وفي الذكرى العاشرة لرحيله، أقول له: مازلت أتذكر الكثير من نكاتك وقفشاتك، ومازلت أضحك رغم قدمها وتكرارها.

كنت محباُ للجميع، فأحبك الجميع.


سيرة الراحل..

الشاعر أبوالقاسم المزداوي
الشاعر أبوالقاسم المزداوي

أبوالقاسم المزداوي، من مواليد مدينة مزدة، في 1 نوفمبر 1956م.
مشرف على صفحات (أوراق ثقافية) بصحيفة الشمس – مدير تحرير صحيفة الفتح الثقافي (سابقاً) – عضو اللجنة الثقافية برابطة الأدباء والكتاب.

انتقل إلى جوار ربه في 22-5-2010 نتيجة حادث مروري.

صدر له:

– الهمس بنية الهجر –شعر.
– نوافل القول – شعر.
– كما لو أني – شعر.
– عناقيد قيد الاشتهاء – نقد /2007.
– دروب الكتان – رواية/ 2008.

مخطوطات:

– ذات خمس – شعر.
– هناك القرية التي أحب – شعر.
– دعوني أحدثكم – مجموعة مقالات.

_________________

* نص (مقتطفات من سيرة العشق)

مقالات ذات علاقة

الزهايمر والكُتّاب – الجزء الثاني

محمد قصيبات

بلادنا المسحورة

فيروز العوكلي

المحاكمات لا تنهي الحروب

المشرف العام

اترك تعليق