حوارات

الشاعر: عبدالباسط ابوبكر / وجدت نفسي مندفعاً إلى النقد

عبدالباسط أبوبكر.. يقول:

وجدت نفسي مندفعاً إلى النقد

هذا الموقع أفق أخرى يضافُ إلى مجموعة الأفاق

بعض الكتابات تأخذ شكل عدواني أقرب إلى السب والقذف

حاوره: رامز النويصري

الشاعر: عبدالباسط أبوبكر

كانت الشعر هو لقائي الأول به، ومن بعد (وقفة) على صفحة الملف الثقافي بصحيفة الجماهيرية، قبل أن نلتـقي، مكتشفاً فيه شاباً خجولاً، وشاعراً يكتب بروح.. صديقنا المشترك “الصديق بودوارة” كثيراً ما يحدثني عنه وعن (قفته) وما حملت، وهو يلمح إلى زاويته (وقفة) التي كانت تبرز فيها الواو منفصلة عن بقية الكلمة فتبرز (قفة) لوحدها.. “عبدالباسط أبوبكر” هذا الشاب الجميل حقاً، اخترنا أن نلتـقيه صوتاً شاعراً مميزاً، وكاتباً يحاول بحق أن يكون قراءته الخاصة به.

* لماذا الشعر؟، وأي آفاق يمكِّـنك منها الشعر؟.

عندما تسأل هذا السؤال فإنكَ تماماً تسأل سؤلاً آخر : لماذا الحياة ؟!.. الشعرُ ضرورة في زمنٍ باتت تسودُ فيه الأسئلة التي لا تجد أجوبة.. في زمنٍ بات كلُّ شيءٍ فيه معلب..  وباتت الأحاسيس أقرب إلى شكل العلب المعدنية..الشعر هنا كفيل بجعل الحياة تخرج عن رتابتها.. الشعر هنا مفتاح.. الشعر في عصرنا هذا ضرورة..أكثر من أي عصر آخر !!

الشعر.. قادني إلى عوالم لم يسكنها أحد.. مساحات من الفرح والطفولة.. ومساحات من الفعل الأخاذ

أنا.. لا أقرن الشعر بالخيبة.. الشعرُ عندي أفق أوسع..ربما لهذا يكثر هروبي عندما تضيق بي الوجوه والتفاصيل

الشعر عندي حياة موازية.. هامشٌ متسع أكثر من أي متن غاص بالوجوه والوجهات.. لكن هذه الحياة الموازية ليست متاحة باستمرار.. أتذكرُ كثيراً أنني كلما بحثت عن الشعر لم أجده، لكنه وبدون موعد يطرقُ الباب هكذا بغتةٍ الشعر كأي فاتنةٍ تتمنعُ كثيراً قبل أن تمنح نفسها ‍‍‍‍!!

* أين وصل بك الشعر؟، هل لك أن تصف المكان لنا؟.

أين يمكن أن يصل الشعر بالشاعر، الوصول بمعنى الكمال يعني النهاية، لكن الوصول بمعنى خلق عالم موازي ضد كل الأشياء الرتيبة،فهو وصول لذيذ لكنه في المقابل وصول مكلف يأتي بمعاناة وصبر وجهد

الشعر أوصلني إلى [ واو المفقودة ] التي تحدث عنها [ إبراهيم الكوني ]، لكنه وصول كلفني حياة أقرب إلى الانفصام

حياةٌ غاصة بتفاصيلَ مقيتة ومشاغل لا تنتهي، وحياةٌ أخرى رائعة يصنعها خيال المبدع، لذلك ترتبك خطواتي في الحياة العادية، وإن كنتُ أحاول أن اصل بالشعر إلى معنى مغاير أحاول أن اجعل الشعر حياة دائمة، أحاول أن أزاوج بين الاثنين !!

* هل ترى معي، أن كل إنسانٍ شاعر؟.

ببساطة أرى أن كل إنسان شاعر، لكن كل شخص يكتب قصيدته بشكلٍ مغاير، الحياة في نظري قصيدة كبيرة، لكن القليل منا ينتبه لوجودها ويحاول أن يضع بصمته الخاصة به، يحاول أن يكتب قصيدته هو،  الكثير يهشُ القصائد عندما تلحُ على ذهنه وكأن القصيدة فعل إجرامي.

 

* هل ثمة مشكلة نشر؟، حتى لا نرى لك مجموعة حتى هذا الوقت؟.

قد لا يخفى عليك أن الجميع قد أعد مجموعة للنشر ضمن حملات النشر المختلفة التي تشنها مؤسساتنا الثقافية.. أعطيت مجموعتي الأولى [ في متناول القلب ] لمجلس تنمية الإبداع، الذي لم يرد لا سلباً ولا إيجاباً، هل رفضت المجموعة ؟! هل تأجل طبعها ؟!

بعدها أعطيت نفس المجموعة لمنشورات المؤتمر –ليس بشكل مباشرـ أعطيت المجموعة ضماناً للوصول إلى الشاعر “مفتاح العماري” لكلِّ من : الأستاذ “منصور أبوشناف”، والشاعرة “سعاد سالم”.. بعد فترة طويلة جداً اتصلت بالشاعر “مفتاح العماري” الذي أكد لي أن شيئاً لم يصله  !!

المجموعة الآن في دار البيان منذ فترة، بمباركة من القاص [أحمد يوسف عقيلة]  وقد علمت أنها على وشك الصدور

أعد الآن مجموعة أخرى بعنوان [ أوقات خارج الوقت ] وهي في مراحلها النهائية وتبلغ نسبة الإنجاز فيها  90 %

 

* كيف بدأت علاقتك بالكتابات النقدية أو النقد؟.

وجدت نفسي مندفعاً إلى النقد، ربما تصح كلمة مدفوعاً.. كانت البداية من الفعلية من مقالة بعنوان [ اليد الواحدة ] وكانت ترصد أو تتتبع خطوات الجيل الجديد في الشعر الليبي، لا أنكر أن كتابة هذه المقالة كانت محمومة بعدة محاذير تكلم عنها أغلب الأصدقاء الذين اطلعوا عليها، من هذه المحاذير:

– أن هذه التجربة لم تتشكل بما  فيه الكفاية

– أن هذه القراءة تقوم على مجموعة من النصوص، والأصح من ذلك أن تقوم على مجموعة من الدواوين الشعرية

– أن هذه القراءة تركن إلى التنظير أكثر من ركونها إلى الغوص في تفاصيل النصوص

بعدها بدأت سلسلة من المقالة عبر زاوية [وقفة] بصحيفة الجماهيرية، وكانت في إطار رصد تجربة الجيل الجديد بشكلٍ عام

بعد هذا كله اتجهت إلى تعاطي الكتابة النقدية عن المجموعات الشعرية للجيل الجديد من هذه القراءات: [ فكرة في اليد مقابل عشر أفكار على الشجرة _ قراءةٌ في ديوان الشاعر : صلاح عجينة ] و [عباءةُ الأنا أو حالات الذات – قراءةٌ في ديوان الشاعرة سميرة البوزيدي]  وقد وجدت طريقها للنشر عبر الملحق الثقافي لصحيفة العرب اللندنية.

التجربة النقدية عندي ضئيلة جداً أمام تجارب نقاد كبار في الشعر الليبي، نعم كبار أسمح لي بهذا اللفظ عزيزي، نقاد كبار يتعالون عن نصوص تجربة شعرية كاملة يقودها الشباب.

أذكر لي ناقد واحداً سولت له نفسه الإطلاع على كتابات الشباب، نقادنا مغرمون بالهدم _كما قال الشاعر “مفتاح العماري”– وتجربة الشباب تتوقف عند : سالم العوكلي، ومفتاح العماري، ومحمد الفقيه صالح.

إن كان هذا رأي نقادنا فعلى الشعر الليبي السلام، لذلك أقول لك أنني وجدت نفسي مدفوعاً للكتابة عن تجربة تتشكل أمام عيون الجميع دون أن يلتفت لها أحد !!

كتاباتي إن صحت تسميتها بالنقدية، فهي أقرب إلى وضع إشارات تنير الطريق وتوضح بعض معالم هذه التجربة !!

 

* هل من الممكن أن يكون الشاعر ناقداً؟، ألا يعني هذا ممارسة رقابة داخلية على النص؟.

النقدُ علم.. نعم علم.. والنقد غير الشعر تصنعه مجموعة من المعايير المختلفة، منها [سعة الإطلاع، رصد الحركة الثقافية بشكلٍ عام نقداً وقصةً وشعراً].. فالكتابة النقدية تشكلت من إطلاعي عن قرب من الحركة الشعرية الليبية  وحاولت أن أقرأ كلُُّ ما يكتب عن هذه التجربة

أم أن تكون شاعراً وناقداً فهذا يعني ممارسة نوع من الرقابة الداخلية فهذا ما لم يخطر ببالي، الشعر كما قلت لا يطرقُ بابي كثيراً، لكن الكتابة النقدية كتابة عن سبق إصرار وترصد، ولا يوجد أبداً تعارض بين الاثنين.

 

* كيف ترى تجربة الشعر في ليبيا ؟، وتجربة الشعراء الشباب بشكلٍ خاص؟.

سؤال بهذه الخطورة سيضعني في وضع شيء للغاية، فهذا السؤال سيجعلني أصدرُ نوعاً من الأحكام لكن دعني أوجز لك حصيلة استنتاجاتي في عدة  نقاط :

1. تجربة الشعر الليبي تجربة قصائد إي إنها لم تفرز الشاعر التجربة.

2. تجربة الشعر الليبي تجربة تخلو في غالبها من ركون علة موروث أسطوري ضخم مثل التجربة العراقية أو اللبنانية أو المصرية.. تجربةٌ تقترب من دائرة الذات اليومية المعاشة.

3. تجربة الشعر الليبي تجربة انقطاع وليس اتصال [ تجربة أصوات منفردة ] ولا يوجد تواصل كبير بين من يكتب من الستينات ومن يكتب في التسعينات، التأثير الخارجي دائماً صاحب الأثر الأبرز خصوصاً في تجربة قصيدة النثر في ليبيا.

تجربة الشباب مازالت في طور المخاض، تجربة ينحتها الجميع بعدة وجوه،لكن هذه التجربة أفرزت مجموعة من الأصوات مهمة استطاعت عبر فترة قصيرة أن تثبت أقدامها في الساحة الشعرية من هذه الأصوات : صالح قادربوه، سميرة البوزيدي، عبدالدائم أكواص و خالد درويش على مستوى النص الشعري، أما على مستوى النصوص النقدية فيبرز : صلاح عجينة، ورامز النويصري.

 

* البعض يرى أنه ثمة نوع من الاحتفاء بين هذا الجيل الشاب بما يكتب، وهذا يظهر فيما يكتبونه عن بعضهم البعض، من خلال الصحف.. إن كان هذا، فهل تراه يخدم التجربة الشعرية؟.

نعم هناك احتفاء واضح بما يكتبه الشباب فيما بينهم، هذا الاحتفاء ينعكس على بعض الكتابات النقدية التي تظهر هنا وهناك وتتلمس هذه التجربة خصوصاً مما يحترفون النقد، ولا أرى أن هذا الاحتفاء ينعكسُ سلباً على تجربة مازالت تضع خطواتها الأولى على الطريق، فتجربة الشباب في ليبيا عميقة رغم عمرها القصير، وأيضاً مفتوحة على جميع الاتجاهات الفكرية والثقافية، وكذلك متعددة الأصناف من [عمودي، وتفعيلة، وقصيدة نثر] وهذا يعطي تجربة الشباب شرعيتها ليس على مستوى ليبيا فقط بل على مستوى الساحة الشعرية العربية.

لكن بعض الكتابات تأخذ شكل عدواني أقرب إلى السب والقذف أكثر من كونها تتلمس هذه             التجربة وبالتالي فنوع هذه الكتابات لا يخدم تجربة الشباب بل يقودها إلى كثير من المهاترات، هذه الكتابات احتفاء من نوع آخر، يدل على أن تجربة الشباب تفرز كل الأصناف، وأيضاً يدل على أن الساحة مفتوحة للجميع ليجرب ويتفاعل ويبدع !!

* أطلقت موقعك الخاص (تفاصيل) على الشبكة، كيف ترى هذه التجربة؟.

نشرت موقع تفاصيل يوم 16.2.2004 وأعتبر هذا الموقع أفق أخرى يضافُ إلى مجموعة الأفاق التي استطاعت الوصول إليها، فشبكة الإنترنت أعطت المجال العالمي المتسع للجميع ليطرح ما لديه، حاولتُ قدر الإمكان أن أضع بصمتي الليبية على الموقع، لكن لم أتخلى عن شخصيتي، فالموقع قبل كل شئ موقع شخصي أولاً وأخيراً.

 

* إلى أي مدى تفيد هذه التجربة النص الشعري؟.

النص الشعري نص مفتوح، لا يقبل أي انغلاق، فالنشر إذاً إحدى أدوات فتح أفاق النص الشعري، شبكة الإنترنت أكثر أفق مفتوح الآن.. الشبكة فتحت نصي على أفاق واسعة.

* ما الذي خلقه التواصل بينك وبين الآخر على الشبكة؟.

الشبكة خلقت نوعاً جميلاً من التواصل، أحياناً وأنت تتصفحُ سجل الزيارات تُفاجئك عدد الرسائل المتروكة فيه، الرسائل التي لا تمت للمجاملة اللطيفة من أشخاص قد تكون قد التقيت بهم فقط على صفحات الشبكة، الشبكة صنعت عالماً كاملاً من التواصل الحقيقي بين مختلف الأصناف والأجيال، لكن الشبكة أيضاً خلقت نوعاً من الأشباه _لا اقصد أنصاف المثقفين– لكن الشبكة خلقت نوعاً من الأشخاص الافتراضيين، الذي يمتطونها ويعيثون فيه فساداً، شبكة الإنترنت مثل أي شئ في هذه الدنيا يستخدمه الإنسان يحتوي دائماً على حدين.

 

* هل من الممكن الاكتفاء بهذا الشبكة عن التواصل الثقافي الفعلي؟.

شبكة الإنترنت ضرورة، لكنها لا تغني عن وسائل النشر الأخرى، صحيح أنها عمقت التواصل الثقافي، وفتحت أبواب كثيرة للحوار والنقاش، ألغت الحواجز بين التجارب الفكرية والثقافية المختلفة، منحت المبدع أجنحة قادرة على التحليق بعيداً، لكنهُ تواصل محموم بعدة شوائب.

مقالات ذات علاقة

صالح قادربوه: علينا رفع صوت التنوير أمام صوت العنصرية والترهيب والعنف

عبدالسلام الفقهي

في حوار مع المحامي عبد الله شرف الدين 1-2

فاطمة غندور

نجاح بن علي : وجدت نفسي بطريق الشعر مبكرا

مهنّد سليمان

اترك تعليق