المقالة

السياسة المتزنة

من أعمال أشرف بزناني عن بوابة الوسط


الوعي سيد المادة وموظفها، المادة تابعة للوعي والوعي لا يتبع المادة بتاتا، الوعي لا يتبع إلا الحكمة أينما وجدت، فالحكمة غاية الوعي والوعي رشد المادة، الوعي من المطالب العليا والمادة من المطالب الدنيا ولا توظف المطالب العليا لأجل المطالب الدنيا بتاتا، بل توظف المطالب الدنيا لأجل المطالب العليا وهذا ما يرتقي بالدولة وشعبها ومؤسساتها نحو التقدم والإزدهار على كافة الأصعدة، الوعي متقدم والمادة خلفه، هذا أمر جوهري في السياسة المتزنة فالوعي فيها يقود المادة على مستوى الدولة كما الروح فيها يقود البدن على مستوى الإنسان قدر الاستطاعة والإمكان، وما سياسة المرء دولته إلا انعكاس لسياسته نفسه بالأساس فإذا كانت نفسه التي تقوده كمن المعنى لديه في المادة وأصبحت دولته مادية، وإذا كان روحه الذي يقوده محكما اللجام على نفسه قدر استطاعته كمن المعنى لديه في القيمة وأصبحت دولته حكيمة، إنما المرء إحسانه، إنما المرء روحه قبل بدنه قلبه قبل قالبه، إنما المرء ضميره فطرته نيته، إنما المرء قيمه مبادئه قناعاته، إنما المرء إلهاماته خواطره أفكاره وجهات نظره آرائه، إنما المرء قراره أقواله أفعاله سلوكه مع نفسه والغير، إنما المرء اعتداله واتزانه وإتقانه وتفانيه في عمله وإخلاصه لله ذو الفضل العظيم سبحانه، إنما المرء جوهره قبل مظهره فالمظهر لا يعبر بالضرورة عنه، إنما المرء وعيه قبل مادته، إنما المرء ما يريد ومن صلحت إرادته صلحت سياسته، ومن إرادته تحقيق الخير ابتغاء مرضاة الله ووجهه الكريم سبحانه يوفقه الله بإذنه وفضله ومشيئته.

إن فشل السياسيين لا يغير من المعنى النبيل للسياسة في شيء، كون السياسة في معناها الراشد لا تمت لفشل السياسيين في مزاولتها بأية صلة، إن فشل السياسيين الذين يزاولون السياسة دون أدنى فكر لديهم بها أو فكر لديهم يضيف عليها لم ينتج لنا إلا ما أسميه بالسياسة المضطربة المهدرة للإمكانيات وغير الواعية بمتطلبات وتحديات الحاضر والمستقبل للدولة وشعبها ومؤسساتها على حد سواء، إن السياسة المضطربة معنى تجلى للناظرين في بعض السياسيين إن لم يكن معضمهم وهذا واقع من نتائج فشلهم وإهدارهم للإمكانيات بتوظيفها في غير محلها الصحيح دون أدنى وعي بمتطلبات وتحديات الواقع والمستقبل ودون أدنى تحديد وترتيب لأولويات العمل عليهما، إن معيار السياسي فكره ونتائجه على أرض الواقع، وما نتائجه إلا انعكاس لفكره السياسي إذا كان ذا فكر ذاتي أو للفكر السياسي المتبنيه من إحدى مدارس الفكر السياسي السابقة، ومن هنا جاءت الحاجة إلى السياسة المتزنة من وجهة نظري بالخصوص، إلحاقا إلى المواضيع المرتبطة بها والتي نشرتها سابقا تحت عناوين : (مبدئية الإتزانية/نظرية الإتزانية/النخبة المتزنة/الدولة المتزنة/لم ينتهي الفكر عند الديمقراطية الرأسمالية أو غيرها من النظريات الفكرية الإنسانية/الحروب فوق الحسية/وعي العقل الجمعي/سمو الإنسان/مصلحة الكل تكمن في مصلحة الكل ولا تكمن في مصلحة الجزء بالأساس).

السياسة المتزنة وعي بمتطلبات وتحديات الحاضر والمستقبل ووعي بتوظيف الممكن فيهما باتزانية على كافة الأصعدة الإقتصادية والسياسية والاجتماعية للدولة وشعبها ومؤسساتها على حد سواء، دون زيادة أو نقصان قدر الاستطاعة والإمكان، فقبل أن تكون السياسة فنا للمكن أرى أنها وعي بتوظيفه في محله الصحيح، فالوعي يسبق الممكن ويقومه، وإذا ما كان الممكن مادة متاحة فالممكن دون الوعي بتوظيفه لا يجدي نفعا، والوعي بمتطلبات وتحديات الحاضر والمستقبل للدولة وشعبها ومؤسساتها على حد سواء يتطلب تحديد وترتيب أولويات العمل عليهما في آن واحد، أولويات السياسة المتزنة للعمل على المتطلبات والتحديات تتمثل في أولويات التكامل والتعاطل، أولويات التكامل تتمثل في تحصيل الاحتياجات المشروعة للدولة وشعبها ومؤسساتها على حد سواء، هذا في جانب المتطلبات المشروعة الواجب العمل على توفيرها وتكاملها للدولة وشعبها ومؤسساتها، المتطلبات المشروعة لتقدم وازدهار الدولة وشعبها ومؤسساتها يكون العمل عليها بتحصيل الاحتياجات الأساسية والضرورية أولا فالاحتياجات التحسينية والتكميلية أخيرا، فتتكامل المنافع للصالح العام تدريجيا، وأولويات التعاطل تتمثل في تقليل العراقيل المبطولة عن الدولة وشعبها ومؤسساتها على حد سواء، هذا في جانب التحديات المبطولة الواجب العمل على مواجهتها وتعاطلها عن الدولة وشعبها ومؤسساتها، التحديات المبطولة التي تقف أمام تقدم وازدهار الدولة وشعبها ومؤسساتها يكون العمل عليها بتقليل العراقيل الأسوأ أولا فالعراقيل السيئة أخيرا، فتتعاطل المضار عن الصالح العام تدريجيا، بذلك تحقق السياسة المتزنة أقصى المكاسب المشروعة للدولة وشعبها ومؤسساتها على حد سواء بأدنى المضار المبطولة عنهم على الدوام، السياسة المتزنة وعي بما للسلطات وما على السلطات ووعي بما للشعب وما على الشعب ووعي بما للمؤسسات وما على المؤسسات ووعي بمتطلبات وتحديات الحاضر والمستقبل للدولة وشعبها ومؤسساتها على حد سواء ووعي بتوظيف الممكن فيهما على كافة الأصعدة دون زيادة أو نقصان قدر الإستطاعة والإمكان، باتزانية تؤطر التعاون والتضامن والوحدة وتوحيد الجهود نحو تكامل المنافع للصالح العام وتعاطل المضار عنه على الدوام وفقا للمهام المناطة بالجميع في شتى مجالات الأعمال بمختلف مسؤولياتها من أقصاها إلى أدناها على كافة الأصعدة الإقتصادية والسياسية والاجتماعية للدولة وشعبها ومؤسساتها تحقيقا لما فيه الخير والله ولي التوفيق.


الجمعة 16 / 10 / 2020.

مقالات ذات علاقة

محاريث المواسم البعيده

سالم الكبتي

الصادقُ النيهوم في الأسر!

أحمد الفيتوري

كنيسة أم معبد للفاشية؟

المشرف العام

اترك تعليق