المقالة

السـطو.. ثـقافة أم نهـج؟!

يحكي أن أحدهم في أرض مصر قد تولى بفضل ثقة الناس أن يصبح عضواً في مجلس الشعب.. وأن هذا الذي ذكرنا هو يهودي المنبع والمذهب.. وفيما تمركز واستوطن أحب أن يحيي ثرى جده الدرويش أو الزاهد أو الصالح كما تحكى رواية إحدى الفضائيات فأقام له استراحة على هيأة مبنى صغير يضم في نقوشه طريقة المعابد اليهودية وإذ بعد عدة سنوات يتحول هذا المبنى مزاراً دولياً صهيونياً تأتيه أفواج الجحيم من كل صوب، وبدأ يشكل خطراً رهيباً داخل مصر هذه الأيام وبدأ أهل القرية يخافون على تمدد رقعة أرض ذلك المكان الذي تحول إلى منتجع ديني حتى إن قوات الأمن المصرية اعتنت تماماً بحراسة الوفود الآتية إليه خوفاً من اعتداء أهالي تلك القرية عليهم.. ويا للعجب!!

هل تتكرر أساليب السطو.. ويعود التاريخ كما حدث قبل عام 1948م في فلسطين! وزارة الثقافة في مصر متخوفة تماماً لأن إدعاءات اليهود الأخيرة تقول إن هذا القبر تاريخي وتدل نقوش المبنى على أنه تراث يهودي.. ومع ذلك فإن وزارة الثقافة عاجزة تماماً على منع اليهود من الحج إلى قبر “أبو حصيرة” هل نسمع بعد سنوات أنهم سيبحثون عن الهيكل في ذلك المكان.. إن ثقافة السطو تظهر مرة تلو الأخرى بين فترات تاريخية ونحن عنها ساهون.

قبلها ومنذ سنوات سطا الإعلام اليهودي على شريط الفيديو الذي صور محمد جمال الدرة وهو يقذف أمام عيني أبيه بوابل من الرصاص، ليخرج لنا في عدة فضائيات غريبة على أنه طفل يهودي يقتل برصاص الإرهاب الفلسطيني وسهونا عن ذلك.

وفيما يتم السطو على منازل العائلات العربية الفلسطينية كل يوم في “القدس” لتهدم وتبنى من جديد ومن ثم تمتلكها أسر يهودية جلبت من بقعة ما في العالم وليعرف الجميع أن اللغة العربية تم السطو عليها منذ آلاف السنين لتتحول إلى العبرية وهو تحريف في الكلم وتغيير للفظ ليتخذها اليهود لغة لهم.. وهذا أمر بديهي يعرفه العرب لكنهم يغضون الطرف عنه.. كما أن اليهودية الإسرائيلية لا تمت إلى تلك اللغة بأي صلة.. لأنهم حوروا الدين إلى سياسة وغيروا اليهودية إلى قومية! وهم في كل ذلك يمارسون السطو حتى على التاريخ والهوية..

وتتم عمليات السطو على تاريخ القدس وعلى المسجد الأقصى ومحاولة تغيير معالمها بدقة لتتحول إلى بقعة يهودية كما تم في قبر “أبو حصيرة” ورغم ذلك تمر علينا هذه الجرائم ونحن في منتهى الصمت نكتفي فقط بأن نحتفل بأن القدس عاصمة للثقافة العربية، وهي ـ في حقيقة الأمر ـ تسير في مستنقع السطو والهوية اليهودية بكل واقعية! ولا أحد يتحرك.

فيما قد تم السطو سابقاً على هوية أفريقيا ولعب فيها الدور الكنسي اليهودي والمسيحي تحت حجة التنصير في عهود الاستعمار الأوروبي لكن الحقيقة هي السطو على ثقافتها وتغييرها تحت حجة أنجيل العهد القديم والعهد الجديد ومدلولاتهما السياسية التي استفلت..ولا زالت بعض البقع إن لم يكن جلها تحت سيطرة شركات الاحتكار اليهودية تحت مسميات أخرى.

سياسة السطو تعني سياسة محو الآخر.. والتي اتخذت من الراية البيضاء التي تتوسطها نجمة سداسية زرقاء يحدها خطان شعاراً والبياض يعني المحو.. والبياض يعني المحو والبياض لا لون. يعني السر غير الموجود والبياض يعني خلو الجسم من الدم ومن الصبغة ويعني الفناء فحتى الموتى يدفنون بهذا اللون! إذن سياسة اليهود أحادية الوجود لا لون إلا اللون الأزرق الذي يمثل بني يهود بنجمة داود.. والأزرق في الجغرافيا يعني الماء.. والماء يعني الحياة إذن لا وجود ولا حياة لغيرهم.. ولهذا استمدوا من شعاراتهم سيادة السطو ومحو الآخر.

والبياض لا يعني شيئاً لأنه خال من كل شيء.. فإذن ليبحث اليهود لهم عن لون عن امتلاء يملأ ذلك الفراغ أي البياض.. ولهذا كان منهج دولتهم السطو.. على الثقافة والتاريخ والفن والهوية والمجد وحتى الضعف والذلة! أليسوا هم من يدعون أنهم الضعفاء البائسين أمام سطوة هتلر ومذابحة ومحرقته..

يحكي أن مطاعم في ولايات أمريكية وفي مدن ألمانية وفرنسية تقدم وجبة الطعمية (الفلافل) والباذنجان والفاصولياء المشهورة بهما فلسطين على أنها أكلات يهودية.. حتى الكنافة النابلسية ورقص الدبكة يعرف الغربيون أنه تراث يهودي.

ولأننا لطفاء جداً نحن العرب نقدم لهم ما لدينا بكل مودة وعطف فحتى الأرض والتاريخ والتراث نشركهم فيه معنا لا ندري لماذا؟!

كنا تهزأ ونحن صغار عندما يقولون لنا إن اليهودي.. يسطو على الأرض، فنردد وحتى تحت الأرض ولم نكن ندري أن فلسفتنا الطفولية التهكمية تتحول في نواميس بني صهيون إلى حقيقة واقعة.

طفولياتنا في الستينيات، تطبق على واقع القدس الآن حيث تعلن دولة بني إسرائيل عن سطوها تحت الأرض وتضع مخططاً لقطار الأنفاق تحت “القدس الشريف” في تحد صارخ لكل الشرائع ولكل مقدسات المسلمين بعد انتهاكها الساخر العلني لمساجد غزة التي سقطت وانهارت تحت وقع القنابل الصهيونية.. ها هي تعلن لنا دولة إسرائيل عن سطوها لكل ما هو على الأرض وتحت الأرض أيضاً.

13.05.2010

مقالات ذات علاقة

مقدمة كتاب: الدور الريادي للأديب الليبي خليفة حسين مصطفى أدب الأطفال

المشرف العام

مُقترح مبدئي للاحتفاء وللتوثيق، وأرشفة التاريخ النسوي الليبي (*)

فاطمة غندور

بين سبتمبر وفبراير

علي عبدالله

اترك تعليق