حوارات

التشكيلي الليبي القذافي الفاخري

التشكيلي الليبي القذافي الفاخري

المعـرفة وشـطب شـفرة المعـنى

 

حاوره: حسام الوحيشي

سادن اللون هذا يذرع زقاق فرنسا عاكفا على ثيماته في غمد مرسمه الحميم بدار الفقيه حسن عرفته عبر الركح أولا عندما كنت أحد أفراد فريق مسرحيته الجميلة (قطارة ملح) شجعني انهماكه بأستاذ الشعوب لكتابة أول نص مسرحي كانت وريقات محبرة بارتعاش التجربة عنوانها (كتابة) لاذت بالنسيان بعد أن خبي الحماس وسرى في قلمي روتين الصحافة، مازال كتاب علي حرب (الاستلاب والارتداد) الذي استعرته منه شاهدا على تلك الأيام الرائعة بالفرقة الوطنية، كلما رأيته على رفوف مكتبتي الصغيرة، اليوم عقب مرور ثلاثة سنوات ها أنا أقتسم معه خبز الكلام، بعيدا عن هموم زمن سينما النصر وأطايب عبية ورسم الحركة والسينوغرافيا والحر الصيفي اللاهب، وقريبا من القلب حيث غرينكا القذافي الفاخري تعبق بقزح ثلاثين سنة تشكيلية، ترى ما الذي صارحنا به سادن اللون.. سنري.

 الفنان: القدافي الفاخري

حسام: هل وجد القذافي الفاخري نفسه مطرودا من عالم لوحة ما، عاجزا عن فك شفرة المعنى، رغم إحساسه بلذة الملمح، أو بشاعته؟

القذافي: الطرد حالة إقصاء للذات، فالفنان عندما يكون على قاعدة معرفية أصيلة (بمعنى الأصالة البعيد عن كل ما هو جيني ) ويكون حضوره معرفيا بناء على تراكم كبير للمعلومات، بالتأكيد تلغى أو تشطب شفرة المعنى، لأنه بالضرورة يمتلك الأداة التي يفك بها الكود هناك مناهج علمية من بينها المنهج الابسيمولجي يستطيع عبره فك أي معنى ليس في اللوحة فقط بل في الحياة.

حسام: أينطبق ذلك حتى على لوحات الصدفة؟

القذافي: لا فلوحات الصدفة مرهونة باللحظة، إذا كانت الصدفة لدى فنان ذو خبرة وممارسة كبيرة فبالتأكيد يكون هناك معنى للصدفة، لأن الصدفة يمكن أن تعقلن، أما إذا كانت الصدفة لدى فنان لم يتأسس بشكل صحيح فالصدفة لا تتجاوز كونها صدفة، وتضل خارج المعنى لا أقول عشوائية ولكنها خارج المعنى لأنها لم تصدر عن خبرة فنان وثرائه المعرفي ورؤيته، فالصدفة يمكن أن تعقلن،يمكن أن تؤصل، بعض الفنانين يعتمدون على الصدفة غير أننا نجد العلامة داخل الصدفة.

حسام: وعندما تكون العلامة بعيدة عن المعنى لأنها عشوائية أساسا، ألا يصبح الأمر عبارة عن عقلنة لشيء غير معقلن؟

القذافي: بعض الفنانين لهم أبحاث ويشتغلون على ثيمة معينة، وهذه الثيمة تقوده ويقودها وفي حالة عمل تشكيلي جاء بالصدفة يستطيع هذا الفنان أن يضع فيه علاماته التي تأتي من خلال بحث، مثلا عالميا عندما تشاهد أعمال تابييه تجد العفوية في العمل ( الصدفة ) والعلامة المعقلنة، ومن الفنانين العرب شاكر ال سعيد صاحب اتجاه البعد الواحد نشاهد توظيفه لعلامة الشطب أو التقاطع في لوحة يمكن أن تكون جاءت من صدفة تمت فيما بعد عقلنتها أو وضع علامات فيها ليصبح للوحة معنى ومثلما ورد في سؤالك يكون هناك شفرة (كود).

حسام: ما رأيك في الأعمال التي تنتج من عبث أحدهم بأدوات الفوتوشوب أو الكورلدرو أو حتى برنامج الرسام البدائي التي تشبه شخبطات الأطفال بل يمكن أن تكون رسومات الطفل أجمل؟

القذافي: أصبح العالم ضاجا بالممكنات وعندما نتكلم الآن عن التقنيات التي تطرحها الحداثة ( إمكانيات الفوتوشوب وغيره ) أقول انه بالإمكان أن ” يطلع شيء ” من الفوتوشوب ولكنه يضل عملا غير ذي جدوى بالمعنى الإبداعي فالفنان المدرب الذي يجلس خلف الحاسوب بإمكانه فعل شيء عبر هذه التقنية ولكن إذا لم يكن فنانا فأنا أعتبره كمن يكتب خواطره ولا نستطيع تحميله على المشهد التشكيلي سواء محليا أو عالميا، أما بالنسبة للطفل فان كبار فناني العالم فقط نمو روح الطفل في لوحاتهم بيكاسو كان يزور معارض الأطفال ويجلس أمام أعمالهم كثيرا للاستفادة من هذه التجارب البريئة للطفل.

حسام: هل وصلت لتجسيد زمنك الخاص في اللوحة؟ وهل تخلصت من غبار تاريخ الرسم الذي اعتقل خبب الكثير من التشكيليين نحو فن له سمت أناملهم؟

القذافي: أجاهد أن أتخلص من غبار تاريخ الرسم وأحاول أن أصنع أن جاز التعبير لوحتي الذاتية الخاصة وأن أرسم زمني الخاص.

حسام: هل توصلت إلى جزء من ذلك؟

القذافي: الفاصل في هذا الأمر هو المنجز الإبداعي الذي قدمته فبعد حوالي ثلاثة عقود من الرسم أستطيع أن أقول أنني وصلت إلى نتائج طوعت فيها المادة التي شكلتها على سطح اللوحة وأتمنى أن تكون هي خلاصة الزمن الخاص في اللوحة هذا من خلال الجدية في الأبحاث التشكيلية واستفدت من التراكم الشعبي الموروث سواء في الثيمات الموجودة على الأشياء المستعملة أو في الوشم هذه العلامات كانت واقع في خبراتي الابصارية كممارسة وحاولت من خلال هذا تكوين فضاء خاص جدا في اللوحة بوعي حاد أن تتماهى مع تجارب كانت واردا أن تسقط في السلب والتسطيح طبعا بالضرورة كل فنان يتأثر ويؤثر بالتأكيد هناك تأثيرات جاءت من أعمال عالمية مهمة ولكن بادراك ووعي تم هضم هذه التجارب.

حسام: عندما ينتقد القذافي الفاخري نفسه ماذا ينص؟

القذافي: إن أول ناقد للعمل الإبداعي التشكيلي هو الرسام ذاته وبقسوة والغريب في الأمر أن العمل على اللوحة هو حالة صراع بين الفنان ورؤيته والمواد التي تتشكل على السطح هذا يشبه الكتابة ( فن الشطب ) أو ما يسمى بمعالجة الموضوع بالذات عندما يبدأ الفنان من نقطة غير محدده في اللوحة ليس من السهل أن تجد قانون للوحة حتى تتخلص من المشهدية المعتادة والرسم الأفقي، من السهل أن ترسم شارعا أو مدينة أو بلد ولكن من الصعب أن ترسم من لا شيء لأنك أمام خيارات عدة.

حسام: ما هي النقاط التي تنقد نفسك فيها؟

القذافي: أنا أشتغل من خلال بحث تشكيلي ولوحاتي عبارة عن مجموعات ( سيريه ) وكل مجموعة تقوم بإضافة للمجموعة التي سبقتها.

حسام: هل تتملص اللوحة من سياق البحث؟

القذافي: غير أن اللوحة التي تخرج عن سياق البحث لا تدخل المجموعة ولا تعرض بل تضاف لمجموعة الفنان الخاصة.

حسام: هل تشطب كثيرا ففي بعض الأحيان يرسم الفنان خاطرة خاصة جدا.

القذافي: لا.

حسام: القذافي الفاخري يحاول أن يقول أنه لا ينتقد نفسه؟

القذافي: لا.

حسام: ولكنك لم تذكر أي نقطة ناقده، لقد أبرزت أنك تشتغل وفق بحث تشكيلي في مجموعات لها ثيمة واحدة، أين النقد هنا؟

القذافي: النقد يأخذ مراحل ليس بالنسبة لي فحسب بل لدى أي رسام جاد ولديه انهماك بعمله ينتقد نفسه ولكن النقد يكون على مراحل، تمت نقد أثناء الممارسة ونحن تكلمنا عن فن الشطب في بعض الأحيان تخرج اللوحة مليئة بالثرثرة وتكون الغنائية في اللوحة عالية، ويصبح العمل للتزيين، ولا يحمل خصائص الرؤيا، ويكون ” دش” تكثر العلامات والألوان أو يغرق العمل في التقنية، وتحتاج إلى الخروج به من هذه الضوضاء، كل هذه الأشياء هي نقد أثناء الممارسة، النقد الآخر يكون بعد الانتهاء من اللوحة أما أن تركنها أي تتخذ موقف نقدي من العمل،و أما تستحسن العمل، النقد يبدأ منذ اللحظة الأولى للاشتغال بأن نكون في حالة يقظة.

حسام: ألا تتمنى أحيانا أن تسترجع ما شطبته؟

القذافي: لم يخطر لي على بال هذا السؤال بالذات، لأن الإبداع لحظي أما تكون أو لا تكون لوحة.

حسام: هل يؤلمك الشطب؟

القذافي: لا، فالشطب في العمل الفني يشبه استئصال الطبيب الجراح لشيء لا ضرورة له.

حسام: كتبت أحدى الصحفيات بأن ما تقرره جامعاتنا ومعاهدنا العليا ضمن مناهجها لا يصلح لغير زيارة المقابر ولا علاقة له إطلاقا بفك شفرة فنوننا المعاصرة ماذا عن الفن التشكيلي في مناهج جامعات أهل الكهف وأكادميو العصر الجوراسي؟

القذافي: أضم صوتي لهذه الصحفية، حقيقة إن مناهج التي تدرس في المعاهد والجامعات وأنا هنا أتكلم عن التخصص الفني، هذه المناهج تحتاج لتطوير وتحديث مناهجها، للأسف ما يدرس في العالم غير موجود في مؤسساتنا التعليمية الفنية تحديدا، الفن التشكيلي عالميا تطور بشكل كبير جدا وأضحى أكثر تعقيدا من ما سلف، تعتني الفلسفة الآن بالمنجز الإبداعي الفني، يوجد قرابة 50 أو أكثر من المدارس الفنية لم تدخل كليلتنا ومعاهدنا في ليبيا، كمثال لا يوجد أستاذ يستطيع التكلم عن كونفرت وهذه إحدى الحركات الجديدة في الفن التشكيلي، هذا لا علاقة له بالمقابل أو الماضي بمقدار ما معرفة مطلوبة، فهم لا يستطيعون التكلم عن الأنصاب أو الأعمال الفراغية أو الفيديو، استطاعت مؤسساتنا التعليمية أن تخرج فنانين مشوهين ومعاقين من الأساس، فنان معاق يجيد رسم جمل وصحراء، أنا أوجه سؤال للمسئولين وذوي الاختصاص وأصحاب القرار لما هذا التخلف الموجود في الساحة، للأسف حتى الفنانين الجدد الزملاء هم تشويهات.. للأسف هم تشويهات.. تشويه، أنا أؤيد الصحفية مرة أخرى في هذا الرأي، وأحتج بقوة وبشدة على هذه الفوضى.

حسام: ماذا فعل القذافي الفاخري ليغير حالة تخلفنا بخمسين ألف سنة ضوئية عن العالم في المجال الفني التشكيلي؟

القذافي: يفترض أن تكون هناك إدارة ذات كفاءة واعية تتواصل مع العالم وتبحث عن البديل.

سادن اللون وسلالة الريشة.. 2 خبز الكلام مع سادن اللون له نكهة أكثر لذاذة، تجعل التواطأ مع هدج صوته، كحلم لا يمكن أن يستحيل عصفورا يتيم الجناح يتكأ على ركبة الاختزال البغيض أو عتبة سمل باقي الاستفهامات على نصب الترك، فأفردت لسجالي معه، صفحة أخرى للدندنة حول الرسم والوطن والأصدقاء، فأتساءل من سيعتني بسلالة الريشة لو غامت معالم القلق، ألن تفتقد السماء الغيوم إذا ما رحلت، سنواصل رأب قلوبنا بالحقيقة، مطلقين أعيرة السبر الجميل، بين ثنايا الألم، والتوق يغمر الروح فتغمس سجالها بالملح وتبدأ من جديد.. لنرى.

حسام: هل نظمتم مؤتمرات أو ندوات في هذا الشأن؟

القذافي: لا لأنك لا يجب أن تطرح آراءك على الآخرين جزافا، ولكن كان بالإمكان أن يتم استشارة بعض الفنانين التشكيليين الليبيين تحديدا، والذين نحن على ثقة بوعيهم وقدرتهم على إيجاد حلول لهذه الأزمات، وأتذكر أنني كتبت من سنتين أو ثلاث مجموعة مقالات عن هذه النقاط وبعض حملة الدال المقدسة في ليبيا، نظروا للأمر بصورة هجوم شخصي على سعادتهم.

حسام: هل هذا هو الذي أدى لصمت التشكيلين على مشاكل الراهن المستفحلة وخلق نوع من التواطؤ مع التخلف الموجود؟

القذافي: لا لقد تكلموا في الموضوع، الحوارات حدثت وتحدث، أتذكر في الماضي أقمنا العديد من الندوات منها ما كان في دار الفنون،و أغلب الندوات كانت في قاعة الواسطي التي تم إقفالها، وهذا سؤال آخر.

حسام: لماذا؟

القذافي: يرجع الأمر إلى الإدارة التي جاءت بعد إدارة الدكتور مصطفى بديوي.

حسام: هل إقفال قاعة يساهم في نمو الفن في ليبيا؟

القذافي: لا بالعكس انه يساهم في ضمور الفن.

حسام: إذا الإدارة في ليبيا تزيد المستنقع أسنا؟

القذافي: بالتأكيد، عندما تنظر للأزمة، تقول أين هي قاعات الدولة للفن التشكيلي الليبي المعاصر، ماذا قدمت المؤسسات، أين قاعات القطاع الخاص، لأن الدعم غير موجود، خرجت العديد من القاعات منها قاعة دي فيلا استمرت على ما أظن ثلاث أو أربعة سنوات، قاعة ألف باء استمرت سنوات قليلة وأقفلت وغيرها، لا القطاع الخاص وجد الدعم ولا الدولة قامت بإيجاد فضاءات للفنون التشكيلية في ليبيا، أنا أتكلم عن ثروة وطنية، بعد مهرجان حن بعل قامت أمانة الثقافة باقتناء أعمال لفنانين تشكيليين ليبيين، الآن بعد حل أمانة الثقافة أين ذهبت تلك الأعمال، أين ذهبت أين وضعت،هذه ثروة وطنية ليبية لو كان هناك فضاءات لكانت هذه الأعمال موجودة داخل متحف أو في قاعة عرض دائمة تشرف عليها الدولة، عبر المؤسسات الثقافية والفنية.

حسام: تقول إن الدولة فاشلة في رعاية الفن التشكيلي الليبي؟

القذافي: بالتأكيد.

حسام: والمجتمع المدني، هل هو فاشل أيضا؟

القذافي: بالتأكيد، في هذا الأمر.

حسام: إذا نحن نستبدل فشل بفشل آخر، بما أن مؤسسات القطاع الأهلي موجودة الآن،و الدولة موجودة كذلك، إذا ما فككنا مؤسسات الدولة وسلمنا أمر الثقافة والفن بيد مؤسسات المجتمع المدني فقط،التي تعاني من نفس عيوب المؤسسات الثقافية الرسمية !

القذافي: الغريب أن هذا ينطبق على كافة الأشكال الثقافية والفنية سواء السينما أو المسرح أو..الخ، للأسف كل ما يقدم من الدولة ومن مؤسسات المجتمع المدني هو للرياضة فقط، وكأن همنا هم رياضي، بينما الإرث الثقافي الفني الليبي موجود من ما قبل اللوبيين إلى الآن على الأرض الليبية، ولكن للأسف لا يوجد من ينتبه لمثقف أو فنان الذي طحنته الحياة وشظف العيش، المثقف والفنان الآن في نقطة الصفر.

حسام: هل الفنان التشكيلي الليبي مرفه؟

القذافي: لا.. قطعا لا.

حسام: هل الفن التشكيلي رفاهية؟

القذافي: لا.. هو ضرورة، وليس رفاهية أبدا، اللوحة أو المفردة الفنية هي الحامل للمكون الثقافي الوطني الليبي، كيف يتحول إلى رفاهية، انه ضرورة، هل جاء متحف اللوفر في باريس من عدم، أو لوحة بابلو بيكاسو الغرنيكا جاءت كرفاهية ولا تخبرنا عن الحرب الأهلية الأسبانية،لم تكن اللوحة يوما رفاهية.

حسام: يقول الشاعر جيمينيز أنه “لا يؤمن بفن شعبي بسيط” لأنه يرى أن ما يوصف بالبساطة الشعبية “هو دائما تقليد أو إتباع لا واعي لفن ضاع ” ثم يضيف ” أنه لا يؤمن بأية حالة بفن للأكثرية ” ما هي نظرتك للأمر؟

القذافي: يضل هذا رأي الشاعر، الذي أطلقه بشمولية أنا أحترم كل تجربة إنسانية، سواء كانت تجربة نخبة أو تجربة شعبية، أن ما يعلق عليه في أميركا البوب ارت هو فن شعبي أو فن للأكثرية غير كثيرا من الأشياء، ولكن يضل الفن التشكيلي فن نخبة ( هو مش فن الناس ) لأنه إن لم يكن المتلقي على اطلاع ومعرفه ودراية ويملك أدوات ممارسة نقدية ومعرفية فمن الصعب أن يفهمه، الفن التشكيلي ليس للشعب وخصوصا الآن هو نخبوي، الفن التشكيلي سيضل فن نخبوي.

حسام: لكن في كل بيت كل مؤسسة في كل محل في كل نادي نجد لوحة، في كل هاتف نقال نجد قصائد نجد أبيات نجد مقاطع شعرية، لماذا نقول أن الفن التشكيلي نخبوي وأن الشعر نخبوي أيضا؟

القذافي: السبب بسيط جدا، لأننا عندما نتكلم عن التشكيل فإننا لا نعني المستنسخ من العمل الإبداعي، بل نتكلم عن اللوحة الأصيلة، التي ترتبط بعدت ضرورات منها أن المقتني للوحة الأصيلة يجب أن يكون رجل واسع الثراء، الأمر الثاني.

حسام: هذا يعود بنا إلى كون الفن التشكيلي رفاهيه.

القذافي: لا..ليس رفاهية.

حسام: كيف لا يكون رفاهية ومن يقتني هذا الفن يجب أن يكون ثريا أي تجاوز مرحلة الضرورات؟

القذافي: بالتأكيد لنوضح الأمر أكثر، في العالم الناس الذين يقتنون العمل الإبداعي هم تقريبا ثلاثة أنواع، الأول يقتني العمل الإبداعي كمجمع وهي ثقافة، أي يجمع أعمال فنية من مجموعة من الفنانين وهذا المجمع لا يأخذ العمل كرفاهية بل لعرضها في المستقبل، المقتني الثاني يقتني العمل كاعتقاد بعض الناس في دور التميمة ما تجلبه من حظ، المقتني الثالث هو من يشتري العمل الإبداعي ومن ثم يروج له ويسوقه، الأول صاحب مشروع مستقبلي بتجميعه للأعمال الفنية، والثاني كاعتقاد وليس للزينة أو الرفاهية،و الثالث كاستثمار، وربما يكون تاريخ العمل الإبداعي هو الدافع لاقتنائه، يحدث هذا.

حسام: ينطبق معنى الضرورة على الحاجات الأساسية( الفسيولوجية) المرتبطة ببقاء الإنسان على قيد الحياة مثل الطعام والماء والملبس والمأوى والهواء والنوم، التي يمكن بعد إشباعها الانتقال لإشباع الحاجة إلى الأمان أي الرغبة في الحماية ضد الأخطار التي يتعرض لها الجسد، ثم إشباع الحاجات الاجتماعية المتمثلة في الشعور بالانتماء للآخرين ودعمهم ثم إشباع المركز والشعور، كاحترام الذات والثقة بالنفس والحرية والاستقلال والتقدير و الأهمية وأخيرا يأتي إشباع الحاجة لإثبات الذات التي ينضوي تحتها الاهتمام بتنمية الفكر وتحقيق القدرات عبر الرياضة والسياسة والهوايات ومشروعات الأعمال إذا فالفن يجيء في آخر سلم الضرورات.

القذافي: ممكن.. ممكن..ممكن..كل الاحتمالات التي طرحتها في هذا الأمر واردة.

حسام: بعد إشباعنا لأولويات الضرورات نستطيع الاهتمام بالفن التشكيلي.

القذافي: ( واي نوت ) حتى بالنسبة لإشكالية النخبة فالعالم الكادح التي ننتمي له كفنانين في ليبيا، نحن من الطبقة الكادحة التي ( يالله تحصل ) قوت يومها، ولكن أعمالنا في بعض الأحيان تذهب إلى ذائقة محدد، هنا النخبة التي تقتني طبعا، تقتني لضرورات أخرى، أحد الضرورات هي أن التلقي العمل الإبداعي هو تلقي لمرة واحدة، اللوحة أو المنحوتة هو تلقي لمرة واحدة، غير الشعر.

حسام: القذافي الفاخري هل يبيع لوحاته بسعر جيد؟

القذافي: أحيانا.

حسام: من يقبل على شراء أعمالك؟

القذافي: أغلب مقتني أعمالي من الأجانب أو الأوروبيين المقيمين في ليبيا

و أيضا أشترت مني وزارة الثقافة التونسية أربعة أو خمسة لوحات، اقتنى لوحاتي بعض الأخوة العرب، ولا أتذكر حتى هذه اللحظة أن ليبي أقتنى مني عمل، سواء من الطبقة الكادحة أو المرفهة.

حسام: يقال إن الأثمان الخيالية للأعمال التشكيلية الليبية هي السبب، هل هذا صحيح؟

القذافي: اللوحة التشكيلية الليبية هي أرخص لوحة على المستوى العربي، هل تعلم أن دار كريستي في فرعها بدبي باعت لوحات بأرقام فلكية، ليبيا لا يوجد بها سوق ليبيا تعاني من إشكالية سوق فني، رغم أن السوق هو دخل وطني حتى بالنسبة للدولة، ولنتكلم على مصر هناك ( متحف محمود مختار إذا لم تخني الذاكرة ) وهو متحف تابع للدولة، به قرابة 500 أو أكثر عمل لفنانين عالميين، منهم فان جوخ وديلاكروا ومونييه والعديد من الأسماء المهمة، هذه الأعمال تعتبر ثروة وطنية لمصر

( وين سوق الفن في ليبيا؟ ).

القذافي: ليس بالضرورة فأنا مثلا إن لم تكن لي علاقة بك ما كنت جالسا الآن معك، العلاقات العامة ضرورية للفنان، ولكن لو كانت لدينا سياقات لكان الفنان متفرغا للعمل الإبداعي ولا يجيد العلاقات العامة، بل عاكف في صومعة، ومدير أعماله هو الذي يدير مثل هذه الأشياء، ولكن في ليبيا تجد نفسك ملزما بتوطيد علاقاتك سواء في الداخل أو في الخارج.

حسام: هل يجيد القذافي الفاخري العلاقات العامة؟

القذافي: على المستوى الإنساني نعم أما على المستوى الإدارة والمصلحة والكواليس لا أجيدها.

حسام: تكمن براعة الفاخر ي في الجمع بين مخيلة الشاعر والرسام، عندما قرأت هذه الجملة في مقالة للكاتبة لينا العماري تذكرت أن أول كتاب طالعني عندما زرت مرسمك كان بعنوان الشعر والرسم، قذافي هل ترسم الشعر فقط أم تكتبه أيضا؟

القذافي: أنا أتذوق الشعر هذا أمر لكن أن أدعي أنني أكتب الشعر، فأنا أبعد الناس عن كتابة الشعر.

حسام: وهل تدعي أنك ترسمه؟

القذافي: الشعرية في اللون شرط أساسي، في عمل تجريدي أي عمل ينحو صوب التجريد أو بين التعبيري والتجريدي، تكون الشعرية ضرورة، وأقصد هنا شعرية العين، وليس الشعر بمفهومه التقليدي، هناك فنانين يرسمون التجريد ويتخلصون من الشعرية وهذا أم أنا حقيقة أحترمه وأقدره جدا، إن الفنان يقنعني بعمل تجريدي بدون شعرية، أنا حتى الآن لم أتخلص من الشعرية في اللوحة لأن الشعرية تكون أحيانا فخ، عندما تجيء على حساب التقنية أو المضامين.

حسام: هذه هي الثرثرة.

القذافي: نعم هذه هي الثرثرة يعلو فيها صوت الغنائية بشدة، ولدي أمثلة من ليبيا مثلا الفنان التشكيلي سالم التميمي تخلص من الشاعرية في اللوحة، وأنا أحب مشاهدة أعماله التي تملصت من الغنائية ولكنها لوحة رائعة فيها الملمح الصوفي لوحة مبدعة، وعموما المشهد التشكيلي الليبي هو مجموعة من الفنانين الذين يعدون على الأصابع مجتهدين وقدموا لوحة مختلفة عن ما هو موجود.

حسام: ماذا عن منجز محمد أبو أميس؟

محمد أبو أميس من التجارب التي أنا قريب منها وملتصق بها، لأنه زميل وصديق وقد كنت قريبا من النقلة النوعية التي حدثت مع محمد رحلته لمانشستر لإكمال دراسته هناك فتغيرت لوحته أصبح انطباعيا.

حسام: وإذا ما قلنا الفنان مرعي التليسي.

أتصالح مع مرعي في المطلق، هذا الفنان الكسول لكنه يرسم لوحة رائعة وقد كتبت عن مرعي التليسي مقال نشر في مجلة أفانين، وقدمت ورقة بحثية عن مرعي في بنغازي أعتقد في معرض السلفيوم / لوحة مرعي مختلفة عن من يسمون بالواقعيين لان المصطلحات فخ فلا يوجد مدرسة واقعية في ليبيا بمعنى الكلمة، فما هو موجود الآن هي أعمال تغرد في التاريخ، مرعي التليسي اختلف عن دعاة الواقعية بأنه رسم لوحة المفهوم أو السؤال، ولكنه مقل الإنتاج.

حسام: الفنان علي العباني.

القذافي: هو رسام رومانتيكي.

حسام: الفنانة آمال العيادي.

لم أسمع بها.

حسام: الفنان عبد الرزاق الرياني.

القذافي: رسام لطيف.

حسام: لطيف على مستوى المنجز أو على المستوى الإنساني؟

القذافي: على مستوى المنجز عبد الرزاق الرياني يغرق في الأعمال التاريخية الماضوية، ولكنه من الفنانيين الجيدين على مستوى التقنية (الصنعة ).

حسام: الفنان رضوان أبو شويشة.

القذافي: صديقي، فنان مجنون،أحب أعمال رضوان أبو شويشة، تستفزني أعماله.

حسام: الفنان محمد الغرياني.

القذافي: صديق حميم، وبعد أن اطلعت على تجربته الأخيرة أدهشتني أعماله التي لم ترى النور بعد، ما أدهشني أن يتجدد محمد في هذه السن

حسام: الفنان علي الزويك.

القذافي: فنان الشهقة، فنان يكثر الكلام حول هموم الفن والفنانين، زاده وقوته اليومي هموم الفنان التشكيلي، وهو من الفنانين الموجودين بقوة في الساحة الليبية وخارج ليبيا أيضا.

حسام: أسماء يود الفاخري ذكرها.

القذافي: هم الفنانين الشباب الذين عرضوا أعمالهم في معرض عمارة الدينار، الذين خرجنا عقب مشاهدة لوحاتهم مصابين بخيبة أمل فمن المفروض أن تكون تجاربهم أكثر قوة وأكثر إزعاج واستفزاز، فمن المفروض أن الأسماء الشابة هي التي يفترض أن تكون تحت الأضواء.

حسام: ماذا عن الفنانة أمينة العتري؟

القذافي: أحترم مثابرتها، ولكنها لم تأخذ حظها، ربما لأن المرأة في ليبيا لم تتخلص من التابوهات التي تشدها للخلف.

حسام: الفنانة مريم العباني.

القذافي: كان حظها جيدا.

حسام: الفنانة هاديه قانه.

القذافي: تجربة نسائية مهمة جدا أحترمها، كما أحترم تجربة فتحية الجروشي (اللي معندهاش حظ).

مقالات ذات علاقة

والمصور المميز يصنع الصورة من الألف إلى الياء

رامز رمضان النويصري

عبد المنعم المحجوب: اللغة الواحدة ليست حلما مستحيلا

المشرف العام

سالم العوكلي: ما عدّت أثق في الكلمة

محمد الأصفر

تعليق واحد

منى حنيش 5 فبراير, 2013 at 16:05

الى المبدع القذافي الفاخري تحية صادقة وبعد عبر موقع بلد الطيوب

اليوم اطلعت على الحوار القيم ولو انه متأخر ولكن احببت ان اسطر اعجابي بالفنان القدير القذافي الفاخري فأنا من المعجبات بفكرك وبفنك الراقي وهل تذكرني لقد اقتنيت احدلوحاتك بداية سنة 2010 تقريبا المهم حضرت معرضا لك في الدار الليبية للفنون واعجبتني جدا احدى اللوحات ولكن ربما نسيت ذلك .. اذا قرأت هذه السطور ستذكرني اكيد انا من اللاتي يقدرن الفنون التشكيلية وانا معك في كل كلمة قلتها في حوارك للاسف نريد متلقي مثقف وواعي بمدى اهمية الفنون التشكيلية في تعزيز النظرة الشاملة لدى المواطن وتأكيد تغدية الروح والفكر والرقي بهما من خلال غرسمها كقيمة عالية في نفوس اطفالنا منذ الصغر وفي رياض اطفالنا بطريقة موجهة وعن كثب للمساهمة في اكتشاف المبدعين وايضا لزرع بذرة الملاحظة والاهتمام بما حوله في جميع مجالات الحياة في نظري الفن لا يتجزأ او يفصل عن بقية الضرورات ان صح التعبير بل ان يكون جنبا الى جنب مع كل منها لايجب ان نهمله ونقر بانه في اخر المتطلبات …..

ختاما تحياتي لك وللمقيمين على الموقع الرائع ومزيدا من نشر الوعي والتعريف بفنانينا وادباءنا وشعرائنا انهم فخر الوطن وثروته وسفراءه … و الله في عون الجميع ..

رد

اترك تعليق