قصة

الأُخدود

جُلنار أحمد

من أعمال التشكيلي الليبي توفيق بشير

لم تحتمل وجنتاها ملوحة الدموع … حُفرت أخاديد من دم وأُغلق فمها بإحكام كفستق التحمت قشوره… جديلتها البرتقالية الثقيلة تستريح على صدرها الصاعد الهابط في إيقاع جنوني 

كفاك تصابيا ياناجي إرحل هيا إرحل 

لن أفعل … ليكتشفوا أمرنا … ماذا سيفعلون بنا ؟! … أنا متيّم بها … أحبهااااا … أيها العالم أصغ إلي جيدا … أنا أحبك يا أم الخير 

 أرجوك  سيقتلني أخي … أيها المعتوه إرحل وإلا …

 وإلا ماذا ؟!

– أتسمع أصوات خشخشة … إنها صرخات الحشائش العطشى تحت أقدام أخي ذلك الضبع الجائع سيأكلني أرجوك 

 حسنا أراك في الإعادة … قبلاتي

حمدا لله أنني رسبت … لحسن حظي لم ينجح أحد في الشهادة الإعدادية هذا العام… وإلا مالذي سيقنع تلك المخلوقات بالخروج صيفا … فعلا أحتاج لقوى خارقة لأمحي من عقولهم أنني لفافة ورق يلعبون بها ( أم استش) أتنقل من غرفة إلى أخرى .. أو أنام لأنتفخ شيئا فشيئا … لا شيء سوى الأكل والنوم …بل إن العنزة التي تقطن ببيتنا القديم أكثر جدوى مني فهي مسؤولة عن طفلين فضلا عن أنها تتبناني أحيانا !

جاء اليوم المنتظر … هاهو ناجي ذاك الشاب الطموح على الرغم من تواضع مستواه على كافة الأصعدة 

 انظري يا أم الخير هاهو فارسك النبيل …

 هههههه لم صدره مقوس هكذا…

قالت سلمى … دعستها برجلي حتى أطلقت صرخة مذيلة بضحكة ماكرة … لتدلق فردوس تعليقاتها اللاذعة وهي تنهار من الضحك

 هههه إنه مصاب ( بمرض الصغار )

كفاك مسخرة إنه لايصيب إلا صغار السن …

 هذا (البو سالم ) كابر بيه .

لم تكن ذات الضفيرة البرتقالية على ما يرام… ولكنها تكاد تطير من الفرح … لم تنظر إلى ورقة الامتحان … جلست إلى جوار النافذة وخيالها يحلق بعيدا … فستان أبيض … شاب يرتدي ربطة عنق وإن كانت من الصنف الرخيص … المهم أنه يضع شيئا ما في رقبته … ليس كالضبع الجائع الذي ينتظرها في البيت … لم تصح إلا على صوت المراقب يسحب الورقة خالية إلا من الأسئلة … تسللت ببطئ وأناملها تتحسس آخر ورقة تلامسها في وقت قريب …

أطفال كثيرون … ماكينة خياطة ودفتر وصفات للحلويات التقليدية … هذا ماكان ينتظرها

 فاطمة …

أنا هنا عزيزتي 

كنتِ محقة … لقد عرفت الآن من هو الضبع الجائع … أو بالأحرى أنهم جميعا ضباع جائعة … صلاح تزوج فتاة  متعلمة من مدينة أخرى … لم أعد أرضي شغفه بماكينتي وأولادي… لم تعد سذاجتي تغريه … بعد أن سرق كل مابحوزتي … مراهقتي … ماورثه عن والدي … والكثير مما أجهله … نخاس الحب باعني ودفع ثمني … أهداني لليأس بلا تردد … قتلني من دون أن يلطخ يديه .. لقد مت مطعونة ولم أنزف قطرة دم واحدة … حرمت الحياة… الدراسة واللعب … وها أنا أحرم من الموت أيضا … فهمت الآن ماذا يعني أن تحرم فتاة من إتمام تعليمها … إنه إتلاف ثلاثة أجيال على الأقل … لم تستطع أمي حمايتي… وهاأنذا أقع في الشرك ذاته … لست مؤهلة لتربية أطفال … عقلي ليس معي أنا ميتة على نحو ما … ياربييييي  

– اتركيه… تزوجي غيره  

 أنت يا فاطمة تقولين هذا… إنهم ضباع جائعة… بل إنها ضباع مستهترة تشقق اللحم الطري إلى أن تتأكد من أنه فقد نسغ الحياة … تمتص ما يمكن أن يكون قد تبقى منه … وترحل ……….

 لا أعرف ماذا أقول… كلامي بليد ونصائحي مهترئة … ولكن كوني قوية … قد يكون ما قلته عن إتلاف الأجيال قاعدة   … ولكنها لم تكن لولا الخروقات … كوني استثناء وانهضي …

 سمعت أن زوجتك قد عادت إلى بيتها ماالذي فعلته يا رجل… كيف أحبتك تلك الشقراء العشرينية إلى هذا الحد 

 هههه … أُطلعك على سر … غرفة جدتها التي بقيت فيها -أثناء تركها لي – تحتاج لأن تسير أربعين مترا في العراء لتصل إلى الحمام والمطبخ في الجهة المعاكسة على البعد ذاته ، لذا اقتنعت أخيرا أن راحتها معي.

أجل إن راحة الموتى في قبورهم.

مقالات ذات علاقة

ما لحسنها ثانٍ

المشرف العام

نفذ السمك يا قطة

محمد المغبوب

شَـوَاطِئُ الْغُرْبَةِ

المشرف العام

اترك تعليق