المقالة

الأنس بالكتب..

بمناسبة اليوم العالمي للكتاب الثالث والعشرين من أبريل..

لستُ أعرفُ هل نحن من نبحث عن الكتب؟ أم الكتب هي من تبحث عنا؟

ما إنْ تدخل هذه العادة النبيلة حياتك.. وتصبح فعلا يوميا تمارسه بشغف.. وتتمنى لو أن العالم كله غرف مكدسة بالورق المجلد.. وهي لا تأتي- عادة القراءة – مصادفة أو أن شخصا استيقظ ذات صباح.. وقرر أنْ يكون قارئا.. بل هي دربة ومشاق.. وتعوّد لسنوات ليست تقل عن العشرين.. حتى تصل إلى الاستمتاع بها.. وجعلها أول الممارسات الحياتية.. ولست تطلب من ذلك تبجحا بأنك قارئ أو مثقف أو تعاليا على الآخرين.. إنك تجد فيها أنسك المفقود وسط وحشة العالم المجترئ على هدم كل ما هو معنوي ونبيل.. إن القارئ الحقيقي.. حياته ليست بهذا الشكل لو لم يكن قارئا.. القراءة تغير من حياتك وقد تقلبها رأسا على عقب.. والتغيير ليس في غالبيته إلا للأحسن.. مأساتنا العربية ونكوصنا للخلف مسببه الأول أنَّا شعوب ليست قارئة.. مقارنة بشعوب الضفاف الأخر التي تلتهم الورق كما تلتهم الخبز.. وإحصائيات النشر والترجمة في الوطن العربي.. تكاد لا تذكر أمام سيل منشورات.. وتراجم الأوربيين.

إن البيت الذي بداخله مكتبة لن تكون لقارئ واحد. لا بد أنَّ أحد ساكنيه سيأخذ يوما القراءة نهجا وعادة ويضيف إليها.. وتماماً مثلما حصل معي.. حين كانت “دار المكاتب “التي نسمي به تلك الغرفة المغلقة التي لا يفتحها إلا الجد ويغلقها خارجا بيده كتاب. عائدا إلى مكتبه في هدوء تام.. عاكفا على الكتب متناسيا كل من حوله.. بدأ الشغف يعتمل بداخلي بفك طلاسم الغرفة المغلقة.. راقبت الجد أين يضع المفتاح؟ .. من ثم تسللت ليلا وفتحتها بكل هدوء وفي الظلام.. تحسست الأرفف المليئة بالكتب والمصفوفة بعناية فائقة. آخذا أحدها للخارج ومطالعته بالسر ..فالأمر في عقلي الطفلي يعد جريمة الاقتراب من الدار المغلقة ..تكررت محاولاتي  الليلية في الدخول للمكتبة ..وكان أول الكتب الساقط في يدي الكتاب المذهب المجلد تجليدا فاخرا المعنون بمجموعة جبران خليل جبران العربية ..وبدأت منه رحلتي إلى القراءة والولع بها ..من ثم تشاء الأقدار ويفقد الجد النظر فلم يجدني إلا أنا أحقق له متعة القراءة التي مارسها  من صغره حتى في الحروب كما أخبرني  أحد الأقارب ..أنهم كانوا في نزوح من ويلات الحرب العالمية الثانية ..وكان جدك حاملا معه قفة مليئة بالكتب.

بدار المكاتب تعرفت على “مجلة العربي” ٌو”الهلال” و”المقتطف”.. والعديد من الكتاب كـ “طه حسين” و “عباس العقاد و”توفيق الحكيم “والشعراء كـ “أحمد شوقي ومعروف الرصافي”.. ومن تلك اللحظات الطفلية.. ورافقني الكتاب أينما ارتحلت وذهبت.. وصار بيتي معبأ بالكتب من غرفة استقباله ونومه إلى مدخله.. إلى الحد الذي زحفت فيه على كل مكان.. وهكذا شأن الكتب كما يقولون.. فهي أحيانا تطرد سكان البيوت.. لأنها لا تقبل الشركاء.. وما سافرت بلدا إلا وأول المخطط لزيارته مكتباته.. والبحث فيها عن العناوين المشتهاة.. وشراء المزيد.. فشهوة الكتب لا تعرف الامتلاء. والعدد المقتنى لأي قارئ مصاب بداء القراءة يتخيله لا شيء.. بينما في الحقيقة لا يكفيه عمره وأزيد في إكمال ما عنده.. لكنها القراءة العادة الغريبة العجيبة وليس أدل على أهميتها وفعلها افتتاح التنزيل الكريم أول وحيه بالأمر بها “اقرأ”.

في الأخير لقد جعلت مني القراءة ومحبة الكتب شخصا آخر.. غير الذي كنت لو لم أكن قارئا.. لكن السؤال الأهم.. هل جعلت حياتي تصير للأفضل أم للأسوأ؟

تلك إجابة محكومة أيضا بالمزيد من القراءة!

مقالات ذات علاقة

مـفارقة كـبرى

زياد العيساوي

(الأيامُ الجنوبيّة) في حوارِ الأسئلة

يونس شعبان الفنادي

الإعلام المعاصر ودوره في نشر ثقافة الرأي الآخر

ميلاد عمر المزوغي

اترك تعليق