حوارات

الأستاذ: عبدالله مليطان/ شهرة “الكوني” مردها صلته وارتباطه الوثيقين بالبيئة

حوار مع الباحث الليبي/ عبد الله مليطان

المصراتي بالنسبة لي يعني الكثير.. والصراع صار (موضة العصر)

شهرة “الكوني” مردها صلته وارتباطه الوثيقين بالبيئة

حاوره في دمشق: عبد القادر الحصني

*أستاذ عبد الله ما أنجزتموه من عمل معجمي لتراجم أدباء ليبيا وقصاصيها وشعرائها جهد متميز وخدمة للثقافة العربية على وجه العموم وللثقافة الليبية على وجه الخصوص…‏

هلا حدثتمونا عن سيرة إنجاز هذا العمل ما أنجز وما سينجز… متى ولدت فكرة هذا المشروع؟ وما المراجع التي اعتمدتموها؟ وما هي المنهجية التي اتبعتموها في هذا المنجز؟ وما هو شعوركم إزاء ما صدر من مجلدات هذا المشروع لا سيما وأنه مشروع ضخم وصعب يتطلب جهد مؤسسة أو لجنة واضطلعتم به بمبادرة فردية ومضيتم إلى تحقيقه كمشروع شخصي؟‏

.. فكرة المشروع وكما أشرت في مقدمة “معجم الأدباء والكتاب الليبيين المعاصرين” ولدت مع إعدادي وتقديمي للبرنامج الإذاعي “دنيا الكتاب” والذي تحول فيما بعد إلى برنامج تلفزيوني، حيث كنت أعاني كثيراً من جمع المعلومات عن الكاتب أو الأديب الذي أقوم باستضافته في البرنامج، بسبب عدم وجود المرجع أو الدليل الذي يوفر هذه المهمة، وتساءلت عندها لماذا لا أنجز هذا المرجع والدليل الذي يوفر علي هذه المشقة من ناحية ويكون مرجع للباحثين والدارسين فيما بعد، من أجل هذا نهضت بهذه المهمة معتمداً في ذلك على الكتاب والأدباء أنفسهم، فقد اتصلت بكل الكتاب والأدباء شخصياً وحرر كل كاتب بنفسه كل المعلومات المتصلة به والواردة في هذا المشروع وفق الاستبانة التي أعددتها لذلك، حتى النصوص الشعرية والقصصية كانت من اختيار الكتاب أنفسهم، وقد حددت منذ البداية خطة هذا المنجز ليكون شاملاً لكل من مارس فعل الكتابة سواء صدر له كتاب أو لم يصدر له كتاب، المهم أن له حضوراً فاعلاً في الحياة الثقافية.‏

الباحث: عبدالله مليطان

أما فيما يتصل بالمنهجية فقد رتبت (معجم الأدباء والكتاب الليبيين المعاصرين) على الألقاب بينما رتبت المعجمين الآخرين (معجم الشعراء الليبيين) و (معجم القصاصين الليبيين) على الأسماء الأولى، وكما هو واضح من خلال المقدمات التمهيدية للمعاجم الثلاثة فإن معجم الأدباء سيكون في أربعة أجزاء يشمل كل الكتاب والأدباء في ليبيا، أما معجم الشعراء فسيكون من جزأين الأول الذي صدر يضم الشعراء الذين صدرت لهم دواوين مطبوعة والثاني بعون الله سيضم الشعراء الذين لم تصدر لهم دواوين، ومعجم القصاصين الذي صدر منه الجزء الأول حول القصاصين الذين صدرت لهم مجاميع قصصية سيكتمل بصدور الجزء الثاني الذي سيتناول القصاصين الذين لم يصدروا مجاميع قصصية.. والمهم في هذه المنجزات على تواضعها هو رصد البحوث والدراسات والمقالات التي يمكن أن تعين الباحث والدارس على دراسة هذه الأسماء التي تناولتها المعاجم…‏

إنه وبلا ادعاء أو تصنع عمل متواضع جداً هدفت من خلاله رصد مساهمة الكتاب الليبيين في مسيرة الحركة الأدبية العربية، وهو جهد متواضع جداً مقارنة بالجهود الكبيرة التي قام بها البحَّاث والدارسون في مختلف أقطار وطننا العربي الكبير كل حسب مجاله وتخصصه… أما عن شعوري وأنا أنجز هذا العمل بمفردي دون دعم أي مؤسسة فإنني أقول إن أنجح الأعمال في مسيرة الحياة الثقافية العربية هي ما كان بجهد فردي رغم أن جهد الفرد لن يكون متكاملاً بقدر ما لو كانت وراءه مؤسسة أو مجموعة ولكن الأعمال التي توكل إلى فريق أو مؤسسة في أغلبها لا تتم وفق المنهج الذي يوضع لها… بعضها يتعطل بسبب عدم تجانس الفريق الذي يشكل لها وبعضها يتوقف لعدم دعم المؤسسة التي تتبناه الخ ذلك من الأسباب والعقبات… لو كلفت مجموعة بعمل كهذا أو تبنت مؤسسة القيام بمشروع مماثل بنفس حرص الفرد الجاد لكان المنجز أكثر دقة وموضوعية وأهم بلا شك من مجهود أي فرد مهما كانت قدرته وكفاءته… لكن للأسف ما اعتدنا عليه في عالمنا العربي هو أنك إذا أردت أن تقبر عملاً شكل له لجنة.‏

* كيف تستطيعون الجمع بين عملكم الصحفي والإذاعي وبين عملكم التصنيفي الذي يتطلب وقتاً طويلاً في إطار التدقيق والتحقيق؟‏

.. يستطيع المرء أن يجمع بين عملين ويكون موفقاً فيهما معاً، هذا في حالة وجود العزيمة والإخلاص والعشق الحقيقي للعمل مع التنسيق فيما بين العملين والاستفادة من الوقت واستثماره ما أمكن… أنا شخصياً عاشق للعمل الإذاعي فمنذ أن كنت طالباً بالثانوية (البكالوريا) وأنا أكتب للإذاعة، وعندما دخلت الجامعة بدأت أعد وأقدم البرامج التلفزيونية، وأعتقد أن رصيدي الآن من الأعمال الإذاعية والتلفزيونية لا بأس به، فلدي بمكتبة الإذاعة ما لا يقل عن ألفي ساعة مسموعة بين المسجل والمباشر وما لا يقل عن ستمائة ساعة مرئية… لولا العشق ما كان هذا الرصيد خلال خمسة عشر عاماً من العمل الإذاعي، ولولا العشق والإخلاص للعمل التصنيفي ما كان لي أن أنجز هذه المعاجم التي أعتقد أنها ستعين البحاث والدارسين في التعرف على المشهد الأدبي في ليبيا… أنا شخصياً عندما أقدم على إعداد برنامج إذاعي أعطيه حقه من الاهتمام وبعد الفراغ منه أجلس للبحث بكل حواسي وأعطيه حقه.‏

* لك علاقة مميزة مع شيخ الأدباء في ليبيا أستاذنا علي مصطفى المصراتي… وقد أصدرتم كتاباً خاصاً حول تجربته الأدبية… من هو علي مصطفى المصراتي بالنسبة إليك؟ وما دوره في الحياة الثقافية الليبية؟ وكيف ترون فلسفة المصراتي بين الجد والهزل؟‏

.. المصراتي بالنسبة لي يعني الكثير، فعلى كتبه تتلمذت، ومن وطنيته تشربت حب الوطن، وبتعرفي عليه أصبحت أعرف أن تحقيق الذات لا يأتي إلا بالجد، وبصداقته أصبح للوفاء عندي معنى، وبرفقته أدركت خصال الرجال وقيمتها، وآمنت بأن المواقف هي أهم ما في الحياة.‏

أما في الحياة الثقافية فالمصراتي يمثل أهم ركائز الثقافة الليبية الحديثة وأهم روادها فمنذ أن عاد من هجرته إلى مصر والتي هاجرت أسرته إليها إبان الغزو الإيطالي لليبيا في أواخر النصف الأول من القرن المنصرم بدأ يؤسس للثقافة الليبية، كتب القصة ودرس التراث الشعبي وترجم لعدد من العلماء والفقهاء وجمع دواوين الشعراء الرواد وكتب عن عدد من المناضلين، وحقق عدداً من كتب التراث الثقافي، كما تناول أيضاً تاريخ الصحافة الليبية وتطورها، وللمصراتي ما يزيد عن خمسين كتاباً مطبوعاً وما لا يقل عن خمسين كتاباً مخطوطاً، وعلاوة على نشاط المصراتي الثقافي هناك جانب مهم في حياته وهو النضال السياسي والوطني، فالمصراتي هو امتداد لحركة النضال القومي والوطني في عالمنا العربي… لقد خاض المصراتي معارك سياسية ووطنية كبيرة خلال فترة الأربعينيات والخمسينيات فقد انخرط في صفوف الحركة الوطنية في ليبيا مطالباً باستقلالها ووحدتها وانضمامها للجامعة العربية ضمن حزب المؤتمر الوطني الذي تزعمه المناضل الليبي بشير السعداوي، ودخل معترك العمل البرلماني حينما انتخب من قبل الجماهير ممثلاً لها في مجلس النواب الليبي ليدافع عن قضاياها ويحمل مطالبها التي كان مطلب إجلاء القواعد الاستعمارية عن التراب الليبي في مقدمتها كما أودع المصراتي السجن عدة مرات جراء قيامه بالتظاهر ضد الوجود الأجنبي خلال العهد الملكي في ليبيا.‏

وثمة جانب مهم في شخصية المصراتي يعرفه الجميع لكنه لم يدرس حتى الآن بشكل جاد وهو السخرية في أدبه وشخصيته…‏

المصراتي شخصية مرحة جداً وهو ما يلمسه القارئ لأدبه، وفي رفقة المصراتي يحس المرء بهذه السخرية العنيفة التي قد تطال مرافقه ولكن بأسلوب الأديب الذي يحترم المشاعر ويقدر العواطف…. إجمالاً المصراتي كما قال عنه الشاعر الكبير سميح القاسم إجابة عن سؤالي له في مقابلة إذاعية كيف عرفت المصراتي (إن المصراتي يعاش ولا يعرف).‏

* هل ثمة أسماء جديدة في الأدب الليبي عنيت مرحلة ما بعد من ذكرتهم في معجمكم؟ ما هي أبرز الأسماء وما هي التوجهات الجديدة؟‏

.. معاجمي الثلاثة التي صدرت خلال هذا العام رصدت النتاج الإبداعي في ليبيا خلال النصف الثاني من القرن الماضي أي حتى عام 2000 م ومن خلال هذه المعاجم يتكشف للباحث المشهد الثقافي الليبي واضحاً جداً سواء بالنسبة للشعر أو القصة خلال هذه المرحلة، وإن كانت هناك أسماء جديدة برزت على الساحة الأدبية بنتاج مطبوع بعد الرصد الذي قمت به خلال معاجمي فهي قليلة إلى حد ما وربما لم تتضح ملامحها بعد حتى يمكن التحدث عنها مع ثقتي الكبيرة بالمستقبل الذي ينتظرها… أما عملية الرصد لمرحلة ما بعد من ذكرت في معاجمي فلا يوجد حالياً مشروع واضح، لكن هناك دراسات علمية جادة يقوم بها الباحثون في بعض الجامعات الليبية وبعض الجامعات العربية سيكون بلا شك دراسات هامة لمن يريد دراسة المشهد الثقافي الليبي… أما لو سألت عن المحاولات السابقة فإنني أقول لك أن عملي المعجمي هذا لم يكن بهذا المستوى الذي هو عليه لولا أن كانت هناك منجزات سابقة كانت رافداً مهماً وكبيراً سهل مهمتي وهي منجزات بسيطة في صورتها إلا أنها مثلت لبنات هذا العمل أذكر منها محاولة السيدة أسماء الطرابلسي التي رصدت النتاج القصصي خلال بعض العقود ومحاولة الدكتور الصيد أبو ديب التي رصدت المجاميع القصصية والشعرية والنصوص المسرحية والروائية وكذلك محاولة الصديق حسين المزداوي التي رصد فيها نتاج الشعراء الليبيين خلال عقود السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، وقبل هؤلاء جميعاً كان مشروع دار الكتب الوطنية في ليبيا الذي أصدر دليلاً للمؤلفين الليبيين حتى عام 1976، فهذه الأعمال السابقة في جملتها كانت الطريق الممهد لهذا المشروع والتي لولاها لما استطعت أن أنجز هذا العمل على هذه الصورة التي عليها الآن رغم مآخذي عليه اليوم.‏

* الشعر الليبي بين القديم والحديث هل ثمة صراع؟‏

.. الصراع بين القديم والحديث صار (موضة العصر) حتى وإن لم يرتكز إلى مرجعية في أي شيء… القصيدة العمودية لا تزال لدينا تتوفر على قدر كبير من المتلقين وربما يصل ببعض المتلقين إلى حد التعصب في رفضهم للقصيدة الحديثة، لكن المفاجأة أن بعضاً من رواد القصيدة الكلاسيكية أنفسهم ينقلبون أحياناً إلى حداثويين جداً ويكتبون القصيدة الحديثة محاولة منهم للتخفيف من حدة الصراع بين القديم والحديث، ومثال على ذلك الشاعر حسن السوسي الذي يعد من أبرز رواد القصيدة الكلاسيكية في الأدب الليبي الحديث فهو يكتب القصيدة الكلاسيكية بكل مقوماتها ويخوض في نفس الوقت موجة الحداثة ليكتب نصاً شعرياً تكاد أن تجزم بأن كاتبها ليس هو نفسه حسن السوسي لولا أن ضمنها مجموعة من مجاميعه الشعرية، أما شاعر الشباب المتجدد علي صدقي عبد القادر الذي كتب الشعر بكل أشكاله فهو الآن وبعد رحلة ما يزيد عن نصف قرن مع الشعر يكتب نص ما بعد الحداثة.‏

* القصة الليبية الحديثة إلى أين؟‏

.. شهد عام 1957 م صدور أول مجموعة قصصية ليبية للقاص الراحل عبد القادر أبو هروس (نفوس حائرة) ومن عام 1957 حتى نهاية عام 2000 م بلغ تعداد المجاميع القصصية الليبية المطبوعة (154) مجموعة، وعدد القصاصين الذين أصدروا مجاميع مطبوعة (71) قاصاً.‏

في هذا الكم من المجاميع القصصية ثمة تنوع في الكيف، فهناك من كتب القصة استنساخاً لقصة رواد هذا الفن في أدبنا العربي، وهناك من استفاد من تجارب الرواد وطور من إبداعه وقدم نصاً خاصاً به، وهناك من ظل يراوح بين هذا وذاك، وبجانب كل هذا برزت أسماء عديدة كتبت القصة بأرقى تقنياتها مثل القاص يوسف الشريف وهناك أيضاً من كتب القصة القصيرة جداً التي اختزلت كل مقومات النص المتكامل في أسطر قليلة، وأعتقد أن جيل الشباب من كتاب القصة الذي يمثله عمر الككلي وأحمد يوسف عقيلة وسالم الأوجلي وإبراهيم حميدان وبشير زعبية وسعيد خير الله وغيرهم من الشباب قد حقق قفزات كبيرة في مسيرة القصة الليبية القصيرة، ولا يفوتني هنا أن أشير إلى أن القاص الليبي عبد الله الخوجة قد كتب القصة القصيرة جداً منذ الستينيات من القرن الماضي -بمقاييس قصة المرحلة- ولديه مجموعة قصصية يتيمة بعنوان (فتاة على رصيف مبلل) غير أنه لم يصدر بعدها أي مجموعة، كما أن الأديب الليبي الكبير علي مصطفى المصراتي الذي عرف بكتابة القصة القصيرة الطويلة قد فاجأ النقاد بإصدار مجموعة (الطائر الجريح) التي ضمت مائة وخمسين قصة قصيرة جداً جداً.‏

* الكوني اسم روائي عربي كبير… كيف بزغ هذا النجم في فضاء الثقافة العربية… “الموهبة” “الحضور الإبداعي”؟‏

.. في تصوري أن شهرة الكوني الذائعة مردها إلى جانب موهبته وحضوره الإبداعي لصلته وارتباطه الوثيقين بالبيئة التي عاش فيها والأرض التي نشأ عليها، فعلى الرغم من أنه أمضى زهاء ربع قرن خارج ليبيا إلا أنه لم يغادرها إبداعياً فكل القصص والروايات التي كتبها كانت مستوحاة من الصحراء التي شهدت ميلاده مع مطلع أربعينيات القرن الماضي… فقارئ الكون يحس أنه يعيش معه في الحمادة الحمراء (موطن الكوني الأصلي) والشخوص التي تتحرك في عالمه الروائي هي تلك الشخصيات التي صنعت حضارة الصحراء والقضايا التي يثيرها ويعالجها نص الكوني الروائي والقصصي أيضاً هي قضايا سكان تلك الصحراء على سبيل المثال قصة (الشظية) التي نشرها الكوني ضمن مجموعته القصصية (جرعة من دم) والتي تحولت فيما بعد إلى شريط سينمائي كانت تعالج مشكلة الألغام التي دفنها المستعمر في رمال الصحراء الكبرى ليتوارث مخاطرها وكوارثها الأجيال ويعيشون بسببها في رعب دائم من الأرض التي يفترض أن يحسوا دائماً بالأمان عليها… العوالم التي تتوفر عليها الصحراء الكبرى التي تسبح في فضاءاتها روايات الكوني عوالم غريبة وعجيبة ومدهشة لا يملك أحد أن يحس بها وأن يحسس الآخرين بها إلا من يملك إحساس فنان ومخيلة مبدع مثل الكوني (ابن الصحراء البار)… فعالمية الكوني ليست وليدة المصادفة أو النجومية الهشة التي يصنعها الإعلام لكنها عالمية مرتكزة على أسس منطقية وطبيعية جداً أساسها الإغراق في المحلية (الصحراء التي عاشها الكوني) والحضور الإبداعي المتأسس على الموهبة أساساً.‏

مقالات ذات علاقة

في حوار مع المحامي عبد الله شرف الدين 2-2

فاطمة غندور

عوض الشاعري لـ «الوسط»: جدتي غرست في كياني بذور الحكي

المشرف العام

حوار مع الكاتب والمترجم عطية الأوجلي

المشرف العام

اترك تعليق