حوارات

الأديب أحمد يوسف عقيلة… الزاهد الذي انصرف للبحث عن الحقيقة

صحيفة فسانيا (حوار/ سالم البرغوثي)

القاص الليبي أحمد يوسف عقيلة

القاص أحمد يوسف عقيلة من مواليد الجبل الأخضر ومن كُتّاب القصة المميزين على الساحة الليبية وترجمت قصصه للفرنسية والإنجليزية…

من أهم أعماله: الخيول البيض، غناء الصراصير، الجراب، عناكب الزوايا العليا، الخفاش، الحرباء، قاموس الأمثال الليبية، خراريف ليبية، حكايات شعبية، درب الحلازين، غراب الصباح…

بالإضافة إلى نشر قصصه في عديد المطبوعات المحلية والعربية منها: العرب اللندنية، الزمان، الشاهد، العرب الكويتية، المعرفة السورية، أخبار الأدب المصرية، مجلة ألواح في إسبانيا، وضفاف الصادرة في النمسا. وكانت انطلاقته على المستوى المحلي خلال تسعينيات القرن الماضي.

المخطوطات: الشتّاوَة (بنت الغنّاوَة)، الأُغنية المصاحبة للعمل (الترجِيْز)، القاموس الليبِي للنفاق، قاموس الدلالات الصوتية الليبية، قاموس الكُنية في اللهجة الليبية، قاموس أُصول المعانِي، ضوء الكلام (شهادة على الكتابة)، ديوان الشاعر الشعبي مراد البرعصي، ديوان الشاعر الشعبي ارحيّم جبرين، ديوان الشاعر الشعبي إدريس الشيخي، فارق التوقيت (مقالات).

تُرجمت بعض أعماله إلى اللغة الإنجليزية والفرنسية. نشر قصصه في كثير الصحف والمجلات الليبية والعربية: الشلال، أخبار بنغازي، أخبار أجدابيا، الأفريقي، الجماهيرية، الشمس، أويا، قورينا، لا، الفصول الأربعة، الثقافة العربية، المجال، العرب اللندنية، العربي الكويتية، المعرفة السورية، أخبار الأدب المصرية، الحياة التونسية، الشاهد، الزمان، القدس العربي، ألواح الصادرة بإسبانيا، ضفاف الصادرة بالنمسا، تموز الصادرة بالسويد.. وكثير المواقع العربية على شبكة الإنترنت.

المقدمة…

يتطلب حوار القاص والباحث والأديب والكاتب وصديق البيئة أحمد يوسف عقيلة استعدادا من نوع خاص.. فهو كاتب ذو طبيعة خاصة تصل مرتبة الحكيم الذي يعيش حياته بعقلانية والزاهد الذي انصرف للبحث عن الحقيقة بين وديان وسهول وكهوف الجبل الأخضر وضواحي اسريغين وقندولة والصفصاف…

أحمد يوسف عقيلة يبتسم للنمل ويوشوش للسلاحف ويضرب المواعيد مع الخفافيش المتدلية من سقوف الكهوف ويغازل الطيور والسوسن وعشبة الأرنب…

تمنيت للحظة أن يكون أحمد عقيلة سياسيا وقياديا بارزا.. لا أعرف كيف راودتني الفكرة.. ربما لأن لديه ثباتا في الرؤية وسيطرة على النفس ونظرة ثاقبة للأمور ومملكة متفردة متناغمة في قلب الغابة يسيطر على حدودها دون ترسيم إقليمي أو دولي وبميثاق وطني من دخلها كان آمنا حتى وإن كانت أفعى الكوبرا…

الحوار…

– أحمد يوسف عقيلة سؤال خارج دائرة الحوار.. هل تمنيت ذات يوم أن تكون سياسيا أو صاحب رؤية سياسية؟

> لا.. أبداً.. أحب أن أحافظ دائماً على صفاء ذهني.. وهذا لا يتأتى للسياسي الذي يتعامل مع متغيرات يومية.. نشأت في بيئة تدعو إلى التأمل.. وأنا شخص خجول إلى درجة الحرج.. وأتلعثم.. ولا أجيد الكلام.. وكل هذا يبعدني عن السياسة.

– يبدو جليا من خلال العناوين تأثير البيئة والمحيط في قصص أحمد عقيلة…

> نعم.. كل عناوين القصص دون استثناء جاءت على اسم حيوانات أو حشرات: (الخيول البيض.. غناء الصراصير.. عناكب الزوايا العليا.. الحرباء.. درب الحلازين.. غراب الصباح.. الكلب الرابع.. ضفدع الوحل).. وهذا بالطبع ليس مصادفة.. فأنا أوظف شخوصي من البيئة المحيطة.. وأبطال قصصي متماهون مع المكان فلا يشكّلون بروزاً أو نشازاً.. ولا يعنيني البطل التقليدي.. فأي كائن من الممكن أن يكون محور الحدث.. وتوظيف كائنات الطبيعة يمنحني براحاً أوسع في الجماليات والرموز والدلالات.

– كيف يُقيّم أحمد عقيلة الحركة الأدبية والنشاط الإنتاجي في ليبيا وتحديدا في السنوات العشر الأخيرة؟

في السنوات الأخيرة ظهرت أسماء مهمة في الرواية والقصة والشعر.. جيل أكثر جرأة في التناول والطرح.. وساعدته وسائل التواصل على الانتشار.. وجُل أعمالهم لازالت خارج اهتمام النقد.. وإن كنت أخشى أن الكثير من النقاد غير قادرين على مواكبة إبداعات الشباب.. وأخشى أن يظلموهم بتطبيق معايير نقدية قديمة.. يجب النظر إلى تجربة الشباب على أنها تجربة مختلفة عن الأجيال السابقة.. وأن تراعى في سياقها الزمني المختلف.

القاص أحمد يوسف عقيلة.
القاص أحمد يوسف عقيلة.

– بعض كُتّاب القصة والرواية يملكون الحس الفني والأدبي ويفتقدون اللغة .فهل بإمكان القاص أو الروائي أن ينجح في اعتماده على حسه الفني والأدبي؟

> العملية الإبداعية تتظافر فيها عدة عناصر.. إذا نقص عنصر فالإبداع ينقص بغيابه.. واللغة عنصر أساس في العملية الإبداعية.. فهي أداة المبدع.. وإذا كان هناك خلل في الأداة فسيظهر ذلك في الناتج.. طبعاً هناك تبريرات لا معنى لها.. من قبيل: (المهم الموهبة).. فالموهبة تحتاج إلى لغة لتعبر عنها.

– كثر الجدل أستاذ أحمد حول أدب المرأة أو ما يسمى بالأدب النسوي ماهي وجهة نظرك في ذلك؟

> من وجهة نظري ليس هناك شيء اسمه أدب نسوي أو رجالي.. بل هناك أدب إنساني.. ولا أعرف ما هي المعايير التي تصنف رواية ما على أنها رواية نسوية؟! ظهر في المشهد السياسي وهو حتما ينعكس سلبا على المشهد الثقافي الليبي بما يعرف بالبدو والحضر أو إن شئت بالحرب الباردة على الطريقة الليبية وهو ما يشكل خطرا على النسيج الاجتماعي.

– أحمد عقيلة كبدوي ومثقف وكاتب هل ينتابك القلق من تلك التوصيفات أم هي حالة سكر سرعان ما تتلاشى؟

> الحضر والبدو نمطان من أنماط العيش.. فالحضري هو الذي يعيش في المدينة.. والبدوي هو الذي يعيش خارج المدينة في الأرياف.. أي أن التعريف تحدده بيئة العيش.. ولا علاقة للمسألة بالتقدم أو التخلف.. فالحضري الذي يترك المدينة وينتقل للعيش في الريف يصبح بدوياً.. والعكس.. وكل نمط عيش له خصائصه الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.. وهما نمطان مكملان لبعضهما.. وفي كثير من الدول هناك حرص على الحفاظ على نمط العيش البدوي.. كما يحدث في منغوليا.. بل حتى في السويد نجد رعاة حيوان الرنة بدواً رحّلاً.. يسافرون بقطعانهم حسب الفصول.. هذا هو الأمر.. أو هكذا ينبغي أن يكون.. أما مسألة السخرية المتبادلة بين الطرفين ـــ الحضر والبدو ـــ فلا معنى لها.. بل هي مؤشر تخلف للطرفين.

– حسب علمي أنك كنت تتبادل الرسائل من الكاتب المرحوم كامل المقهور وأنه ذات يوم تنبأ بأنك ستتربع على عرش القصة القصيرة في ليبيا وهذا ما حصل في تقديري…

> نعم.. لقد اهتم بي المرحوم كامل حسن المقهور كثيراً.. يمكنني أن أقول بأنه (فرح بي).. وقد دعمني وشجعني.. وأمدني بكثير نصائحه وتجربته.. وهذا بعض ما جاء في إحدى رسائله.. (عزيزي أحمد.. لا أُحفي عليك أنني كنتُ في شوقٍ أن أقرأك منذ أن اطَّلعتُ على قصة لك في (الفصول الأربعة).. منذ ذلك الوقت ارتبط اسمك لديّ “بمستقبل” القصة الليبية.. وابتدأتُ أفكِّر جدِّيًّا في الاتصال بك.. وإذ وجدتُكَ أخيراً تشبَّثْتُ بك.. فلقد قرأتُ مجموعتك التي أتحفتَني بها أكثر من مرَّة.. وجدتُ قاصًّا ليبيًّا كنتُ أشتاق إليه.. قاصًّا ليبيًّا طالما بحثتُ عنه).

بالإمكان دائما الاستغناء عن الذيول من أجل الرؤوس بشرط أن لا تكون تلك الرؤوس فارغة . إسقاط جميل صالح لكل الأزمان وصورة كأنها لم تخلق للبوبريص. (بالإمكان دائما الاستغناء عن الذيول من أجل الرؤوس بشرط أن لا تكون تلك الرؤوس فارغة).. توظيف كائنات الطبيعة في السرد يمنح القاص جماليات الطبيعة.. واستخدام الرمز.. فعوالم الطبيعة تشكل نوعاً من المجتمع الموازي.. والمعادل الموضوعي.. ويمكن إسقاط مدلولاتها على الكثير من الحالات المراد انتقادها.. أو السخرية منها.. فبمجرد أن نسخر من وضع ما فنحن ننتقده.. ففي قصة البوبريص الذي يتخلى عن ذيله لحظة الخطر للحفاظ على نفسه.. رمزية واضحة لما يحدث غالباً في السلطة.. حيث يُضحى بمن يمكن الاستغناء عنهم دون تردد.

– الحدث السردي بين وعي الكاتب والقارئ كيف ترسم العلاقة بينهما؟

> للقارئ (منطقته) التي ينبغي أن يراعيها الكاتب.. وألا يعتدي عليها.. وأن يترك لقارئه مساحات للتأمل وللقراءات المتعددة.. بعض النصوص تستفز القارئ لأن الكاتب يقول كل شيء.. النصوص السردية الأجمل هي التي يُكملها المتلقي.. ربما بقراءة لا تخطر حتى على بال الكاتب نفسه.

– معظم قصص أحمد عقيلة خالية من الوصف والتفصيل الممل . وتميل إلى المشاهد الدرامية القصيرة.. هل كان ذلك الخط عن استشعار الكاتب لميل القارئ لمثل هذه القصص أم هو رؤوية للتجديد كما يحدث في شعر الومضة؟

> الوصف يقطع السرد.. أو يجعله يتعثَّر على الأقل.. وللتخلّص من هذا العيب ينبغي أن نجعل الوصف جزءًا من السرد.. فلا نُقدِّم وصفًا جاهزًا مقطوعًا.. يُشكّل فجوة وفراغًا في السرد.. بل يجب أن يتماهى معه.. والوصف ينبغي أن يكون دالّاً.. فأي وصف غير دال هو مجرد إثقال للنص فلا حاجة له.

– قاموس الحكم والأمثال الليبية هل هناك ما يضيفه أحمد عقيله عليه بعد هذه السنوات؟

> نعم.. أقوم بإعداد الطبعة الثالثة.. وهي مزيدة.. لازلت أجمع الأمثال الشعبية.. فمن الصعب الإحاطة بها كلها.. ولذلك ستظل كل طبعة مزيدة. هناك الكثير من الكتب التي تناولت الأمثال الشعبية بالبحث.

– هل ثراتنا كبير لهذا الحد الذي لم نستطع فيه تغطية كل الأمثال الشعبية؟

> الجهود المبذولة لجمع الثرات جهود فردية.. ففي غياب المؤسسات المعنية بالأمر لا نملك إلا العمل الفردي.. وبإمكانات محدودة.. ثراتنا من الكثرة والتنوع بحيث يحتاج إلى مؤسسة لجمعه.. فأين هي؟

– هل يطالب أحمد عقيلة بإنشاء مركز لجمع الثرات؟

> هذا ما يُفترض.. كان هناك مركز سبها للمأثورات.. وقام بجهود كبيرة في التوثيق.. وأصدر عدة كتب.. لكن للأسف لم نعد نسمع عنه.. أتمنى أن يواصل عمله.

– أحيانا تتطابق الوقائع والشخصيات في القصة أو الرواية على أنها ترجمة ذاتية حقيقية لحياة الكاتب ومحيطه. كيف يستطيع المتلقي أن يميز بين العمل الفني وصياغته الفنية والتجربة الذاتية للكاتب؟

أعطيك مثلا معظم قصص أحمد يوسف عقيلة متأثرة بمحيطه كما أن رواية علبة السعادة لمحمد الأصفر تنطلق أحداثها من حي المحيشي وربما تكون مستمدة من حياة الأصفر الشخصية. لا يمكن عزل الذات عما تنتجه.. الكتابة الحقيقية نابعة من الذات.. والكتابة انعكاس لها.. وعلى كل حال كل نتاجات الكاتب الإبداعية هي نوع من الاعترافات والسيرة الذاتية.. لكن هذا لا يعني بالضرورة أن بطل الرواية أو القصة هو الكاتب نفسه.. فهو يلتقط شخصياته من محيطه.. قد تقترب هذه الشخصيات أو تبتعد عن ذاته.

– يرى بعض النقاد أن منح جائزة نوبل للقصة القصيرة في 2013 جاء ليحيِيَ نوعا أدبيا كان مهمشا وغير مؤثر.. مامدى صحة هذا القول؟

> القصة القصيرة ليست مهمشة.. لها قُراؤها.. وكُتّابها الكبار مثل تشيكوف وموباسان وغيرهما.. ومن الجيد أن تأخذ القصة جائزة نوبل.. وعلى الرغم من اتجاه الكثير من كتاب القصة إلى كتابة الرواية إلا أنه لا خوف على مستقبل القصة.. ففي كل جيل يبرز كُتّاب للقصة القصيرة.

الخاتمة…

في الوقت الذي أتقدم بجزيل الشكر للقاص والكاتب والمُدوّن أحمد يوسف عقيلة على رحابة صدره وامتناني أيضا على دعوته لي لزيارته في الجبل الأخضر. فإنني أسجل للتاريخ بأن أحمد يوسف عقيلة كان يريد قول الكثير إلا أنني في مكان ما فشلت في سبر غوره العميق فكان خجولا في الاعتراض على خط سير اللقاء وهو لم يقل ذلك في الوقت الذي كان يريد قول ذلك.. وكان يراودني هذا الإحساس .فأنا مارست دور الصحفي لا دور الناقد وهي نقطة مثيرة للجدل قد نختلف فيها وقد نتوافق بين كاتب وآخر.

عزيزي القارئ هذا الحوار بين أيديكم وأتمنى أن أكون قد وفقت وما التوفيق إلا من عند الله.


صحيفة (فسانيا)، 24 مارس 2020

مقالات ذات علاقة

أدباء ليبيون يكسرون طوق الرقيب الأعمى

خلود الفلاح

عفاف عبدالمحسن: ”نحن نكتب لأننا بحاجة للنسيان“

المشرف العام

حوار مع كاتبة رواية “زرايب العبيد” الليبية

المشرف العام

اترك تعليق