أنا إبنُ هذي البلادْ …
إبنُكم جميعاً …
واِبْنُ هذه الحربْ
لا أعرفُ قيمةً للأهل والسلامْ
ومعنى الحب والوطن
وسحر الجمال وبهجة الوئامْ
لم أشمَّ يوماً عطرَ الورودْ
ولا عرفتُ حتى الآن رائحةً
غيرَ أدخنةِ النارِ
والحرائقِ والبارودْ
لا يعني لي القمرُ سوى أنه عدوٌ خطيرْ
يكشفُ بأنوارهِ خندقي للعساكرِ والخصومِ والجنودْ
والشمسُ يفضحني شروقُها
يوثقُ أمامكم أصابعَ يديَّ على الزنادْ
لا أبصرُ أمامي في الأشجَارِ اِخْضِرَارَ أوراقِها
وأغصَانِهَا السامقاتْ
وبلحَ عراجيِنِها، وثمارَ وحبَّاتِ زيتونِها
وخيراتِها الوفيراتْ
ولا ظلَّها الظليلَ لراحتي
وحمايتي وهدأةِ روحي من تعبِ الغادياتْ
هي عندي عدوٌ متربصٌ صنديدْ
هي أمامي سدٌ مانعٌ عنيدْ
يحجبُ الرصدَ عني ويعيقُ الضرباتْ
وكلها سواترٌ تمنع دبابتي ومدفعي
وزحفَ الأرتال ورميَّ الكتائب ورصاصَ الراجماتْ
أنا لستُ أعمى العينين ولكنِّي
أرى المآذنَ ولا أستمعُ لنداءِ الصلواتْ
لاَ وقتَ لديَّ في ساحةِ الحربْ
لاَ خِطَطَ عِنْدِي لحظةَ الهربْ
لاَ هَمَّ لِي فِي ساعةِ الضربْ
سوى قتل أخِّي الليبِّي هُناكْ
وطعن أَكْبَادِ الأمهَاتْ
وقهر كُلِّ العُيونِ الدامِعَاتْ
وحرق القلوبِ الراجفاتْ
أنا ابنكم
منكم وإليكم فلا تنكروني
أنا بضاعتكم
تبيعونني وتشتروني
في السياسةِ والإعلامِ
وأسواقِ الأفكار والايديولوجياتْ
وكل المزادات .. الرخيصاتْ
********
زمني المغدور .. كلَّ لحظةٍ يكبرُ فيّ
وعمريَّ المهدور.. لا يعي أيَّ شيء
سوى أنِّي ولدتُ في جوف دُشمةٍ بساحة القتالْ
وعشتُ طفولةً
ليس فيها لَعِبٌ ولا حلوى أو دلالْ
أعترفُ لكم بـأنَّ مَنْ ضيَّعَنِي
وهـَدَرَ عُمْري
وحَرَق غَدِي وبلدي
هُمْ أَشْبَاهُ الرِجالْ
أولئك الساسةُ الملاعينُ الأنذالْ
******
أنا إبنُ هذي البلاد …
إبنُكم جميعاً …
واِبْنُ هذه الحربْ
بلا تنصلٍ ولا كذِبْ
وليسَ عليَّ وحدي كلُّ هذا الإثمِ والذنبْ!!
__________________________________
طرابلس 18 يونيو 2019
