قصة

أيهم

من أعمال التشكيلي عبد الهادي شلا- التفاحة الحمراء

كسايس للخيل أثخن بالإرهاق، عمل منظفا للإسطبل، يقوم بتهيئته، بغسل الجياد ولملمة قوالب التبن وقش الأرض، كان يقوم بكل شيء، فيما عدا ركوبها، فلقد منعه السيد (مالك) من امتطائها، ليتفرد ويتباهى هو وحده بالفروسية المطلقة أمام الجميع.

كان (إيهم) يؤدي عمله بمضض، ويستشعر النقيصة فتتراكم عنده الضغينة، ليفلت زمامه مفرغا شحنة انتكاساته في وجه (هوى).

…مضت الأيام على هذه الشاكلة ومرت بهذه الرتابة رويدا رويدا.

.. (هوى) تلك المرأة الفاتنة والباهرة الجمال، المتناسقة بقوامها، كانت كاللهب تحت حبيبات رماد خفيف.

…لم يكترث (إيهم) لعجزه ولحجم المهمة المنوطة به تجاه (هوى)، فلابد من إشباع احتياجاتها ورغباتها المتأججة وللأسف لم يفِ بذلك!!

… لا لا، لم يستطع الاستمرار كفحل مهاب على الدوام!

ف (إيهم) يقضى معظم أوقاته بين حوافر الجياد، واكوام القش، فيمتزج عرقه بعفونة الإسطبل.

ينام باكرا، لينهض باكرا، فلا يضاجعها مُضاجعة تليق بحضرة جسدها العطش، صار يتركها تئن دون ارتواء !!، فتمقته حينها، وتنفر منه في اغلب الأوقات، ثم تقسم في قرارة نفسها وبواطنها، بأن ترمى نفسها وبجسدها لفحل آخر قد يصادفها.

…ذات يوم،

 انتبهت لاختلاف حياتها حين قارنت بعلها (إيهم) ببقية رجال قومها، والذين بانوا أمامها، كالأغصان الخضراء المزدانة بالأوراق والمزينة بأبنائهم من حولهم كالورود والثمار، أما (إيهم) في نظرها، فكان كالغصن الجاف اليابس منكسرا لا زهر ولا ثمر!

عاشت (هوى) كضلع أعوج!! حائرة لامبالية مهمومة غير راضية بقسمتها ونصيبها لكن هاتفا بداخلها بدأ يشدو ويهتف لها، بأن تستظل بظل ذاك الغصن الأخضر اليافع، وأن تتنعم بجمال اوراقه وتستنشق نسيم وشذي ازهاره، ولا بأس إن تذوقت ثمرة من ثماره ذات مرة.

لم تستغرق كثيرا من الجهد والوقت، فها هي وقد حسمت أمرها، فنفذت ما بدا لها صواب!! وها هي تستظل بذاك الغصن الأخضر الزاهي البديع وتقضم احدى ثماره!!

… استحبت (هوى) المذاق، فاستمالت (إيهم) حينها، لتخبره أن عليه أن يترك الاسطبل هذا الذي تسبب في نبذه ونفورها منه، ليعيش كغصن أخضر أخر، مثله، مثل بقية من هم حوله من الفحول.

تردد (إيهم) كثيرا قبل أن ينصاع الي رغبة زوجته (هوى)، لكنه أنساق معها، فأهمل إسطبل ولي نعمته(مالك) والعناية بخيوله، حتى وصلت فعلته بعد أن تسربت اليه والذي سارع بمعاقبته، جراء اهماله للإسطبل.. والأدهى هو تعدي زوجته (هوى) على ما تحمله الاغصان الأخرى من ثمار ليست من حقها، فطرده بعيدا حيث الأرض الواسعة.

 وحذره بعقاب شديد إن تمادى هو و (هوى) في غيهما.

وبعيدا بعيدا … عاشت تقلبات وتدني الحياة

…أنجبت بمرور الأيام كثير من الصبية والبنات!

 أولاد تربوا هكذا حيا الله!!، ودون انتباه.

…أول الأولاد أسمته (برهام) كان حكيما رشيدا، نأى بنفسه جانبا عن والديه وارتحل ليقبع بين تلين كانت أرض جرداء لا زرع ولا نبت فيها، حتى حط بها الرحال.

أما أجمل الأولاد فأسمته (جوزيف)، امتهن التجارة رغم انف بقية اخوته فتفوق حتى أصبح كبيرا للتجار

.. واخرون واخرون، فمنهم (توم) أسمته تبركا بالزنجي   الفحل العابر لطريق الهجرة، قادما من اواسط بلاد السود املا في التسلل إلى ما وراء البحر.

…. (توم) الذي وجدته مختبئا تحت الأشجار في إحدى الليالي،

 الشتوية القارصة، فعطفت عليه ورأفت به وأخذته الي بيتها، لتمنحه (هوى) هو الآخر هواها!!! بعد رحيل (ايهم)، ولتنجب منه طفلاً، كان يحمل لون وتقاسيم والده الفاضحة!

فأنتبه الجميع بعد ان ترعرع الأولاد، إلا   السايس(إيهم) والذي من شدة إرهاقه جراء العناية بالخيول، غفل عن كل شيء!! حتى قضى أجله.

…عديد البنات والفتيان خرجوا من رحمها للدنيا، في فترات زمنية متباعدة

…. لكن اكثرهن صخبا كانت الحسناء الجميلة

(ماريا) والتي عرفت بحبها للوحدة والانعزال.

ثم اكثرهم أمانة وصدقا أسمته (مهند) الذي وصف بالمجنون.

…استمرت الحياة بتقلباتها، فتسربت الأخبار عن (هوى) من جديد إلى (مالك)، والذي صب جام غضبه عليها، بعد أن علم ما تفعله (هوى) على هواها.

… انتابها الفزع جراء خوفها الشديد، وعلمها بنية عقابه وبطشه بها وراح يتعقبها، لتفر منه محاولة النجاة، بأبنتها (ماريا) والتي انجبت طفلا سيكون الأكثر جدلا دون اخوته، فاسمته (يسوع) وانجبته وهي ماتزال في طور الصبا عذراء دون معرفة من فعل فعلته حتى هذه اللحظة.

14 فبراير 2021

_______________________________

قصة “إيهم” مستوحاة من:
1- رواية (أولاد حارتنا)، للكاتب العربي العالمي (نجيب محفوظ).
2- قصة (العم صالح) عام ٢٠٠٧، للكاتب الليبي (حسن ابوقباعة المجبري).

مقالات ذات علاقة

هـــنا وهـــناك1

الكرة

عزة المقهور

صــورة

موسى اللافي الشيخي

2 تعليقات

حسن ابوقباعة المجبري 21 فبراير, 2021 at 18:08

ارجو تعديل النص لغويا بهذا

إيهم
قصة قصيرة
حسن ابوقباعة المجبرى
١٤ فبراير ٢٠٢١

كسايس للخيل
أثخن بالإرهاق،
عمل منظفا للإسطبل ،يقوم بتهيئته، بغسل الجياد ولملمة قوالب التبن وقش الأرض، كان يقوم بكل شيء، فيما عدا ركوبها،فلقد منعه السيد ( مالك ) من امتطائها، ليتفرد ويتباهى هو وحده بالفروسيةالمطلقة أمام الجميع.
كان (إيهم) يؤدي عمله بمضض، ويستشعر النقيصة،فتتراكم عنده الضغينة، ليفلت زمامه مفرغا شحنة انتكاساته في وجه (هوى) .
…مضت الأيام على هذه الشاكلة ومرت بهذه الرتابة رويدا رويدا .
..(هوى) تلك المرأة الفاتنة والباهرة الجمال، المتناسقة بقوامها، كانت كاللهب تحت حبيبات رماد خفيف .
…لم يكترث (إيهم) لعجزه و لحجم المهمة المنوطة به تجاه (هوى) ، فلابد من إشباع احتياجاتها ورغباتها المتأججة،وللأسف لم يفِ بذلك!!
… لا لا ، لم يستطع الاستمرار كفحل مهاب علي الدوام !!.
ف (إيهم) يقضى معظم أوقاته بين حوافر الجياد، واكوام القش، فيمتزج عرقه بعفونة الإسطبل.
ينام باكرا ، لينهض باكرا، فلا يضاجعها مُضاجعة تليق بحضرة جسدها العطش، صار يتركها تئن دون ارتواء !!، فتمقته حينها، وتنفر منه في اغلب الأوقات ، ثم تقسم في قرارة نفسها وبواطنها، بأن ترمى نفسها وبجسدها لفحل آخر قد يصادفها.
…ذات يوم،
انتبهت لإختلاف حياتها حين قارنت بعلها(إيهم ) ببقية رجال قومها، والذين بانوا أمامها، كالاغصان الخضراء المزدانة بالأوراق والمزينة بابنائهم من حولهم كالورود والثمار ، أما (إيهم ) في نظرها، فكان كالغصن الجاف اليابس منكسرا لا زهر ولا ثمر!!.
، عاشت ( هوى ) كضلع أعوج !! ،حائرة لامبالية مهمومة غير راضية بقسمتها ونصيبها،لكن هاتفا بداخلها بدأ يشدو و يهتف لها ،بأن تستظل بظل ذاك الغصن الأخضر اليافع ،وأن تتنعم بجمال اوراقه وتستنشق نسيم وشذي ازهاره ،ولاباس إن تذوقت ثمرة من ثماره ذات مرة.
لم تستغرق كثيرا من الجهد والوقت ،فهاهي وقد حسمت أمرها، فنفذت ما بدا لها صواب !!وهاهي تستظل بذاك الغصن الأخضر الزاهي البديع وتقضم احدى ثماره!!
… استحبت (هوى) المذاق، فاستمالت (إيهم ) حينها، لتخبره أن عليه أن يترك الاسطبل هذا الذي تسبب في نبذه ونفورها منه ،ليعيش كغصن أخضر أخر، مثله ،مثل بقية من هم حوله من الفحول.
تردد (إيهم ) كثيرا قبل أن ينصاع الي رغبة زوجته (هوى)، لكنه أنساق معها، فأهمل أسطبل ولي نعمته(مالك) والعناية بخيوله ، حتى وصلت فعلته بعد أن تسربت اليه و الذي سارع بمعاقبته ،جراء اهماله للاسطبل.. والأدهى هو تعدي زوجته (هوى) علي ماتحمله الاغصان الأخري من ثمار ليست من حقها، فطرده بعيدا حيث الأرض الواسعة .
وحذره بعقاب شديد إن تمادى هو و (هوى) في غيهما.
وبعيدا بعيدا … عاشت تقلبات وتدني الحياة
…أنجبت بمرور الأيام كثير من الصبية والبنات !!!.
أولاد تربوا هكذا حيا الله!!، ودون انتباه.
…أول الأولاد أسمته (برهام ) كان حكيما رشيدا ، نأى بنفسه جانبا عن والديه وارتحل ليقبع بين تلين كانت أرض جرداء لا زرع ولانبت فيها،حتي حط بها الرحال.

أما أجمل الأولاد فأسمته (جوزيف )، امتهن التجارة رغم انف بقية اخوته فتفوق حتي اصبح كبيرا للتجار
.. واخرون واخرون، فمنهم (توم ) أسمته تبركا بالزنجي الفحل العابر لطريق الهجرة، قادما من اواسط بلاد السود املا في التسلل إلي ماوراء البحر.
….(توم) الذي وجدته مختبئا تحت الأشجار في إحدى الليالي،
الشتوية القارصة، فعطفت عليه ورأفت به وأخذته الي بيتها ، لتمنحه (هوى ) هو الآخر هواها !!! بعد رحيل (ايهم )،
ولتنجب منه طفلاً، كان يحمل لون وتقاسيم والده الفاضحة!!.
فأنتبه الجميع بعد ان ترعرع الأولاد ، إلا السايس( إيهم) والذي من شدة إرهاقه جراء العناية بالخيول، غفل عن كل شيء!! حتي قضى أجله.
…عديد البنات والفتيان خرجوا من رحمها للدنيا، في فترات زمنية متباعدة
…. لكن اكثرهن صخبا كانت الحسناء الجميلة
( ماريا )والتي عرفت بحبها للوحدة والانعزال.
ثم اكثرهم أمانة وصدقا أسمته (مهند) الذي وصف بالمجنون.
…استمرت الحياة بتقلباتها، فتسربت الأخبار عن (هوى ) من جديد إلى (مالك )،
والذي صب جام غضبه عليها، بعد أن علم ما تفعله (هوى) علي هواها.
… انتابها الفزع جراء خوفها الشديد ، وعلمها بنية عقابه و بطشه بها و راح يتعقبها، لتفر منه محاولة النجاة ،بأبنتها (ماريا ) و التي انجبت طفلا سيكون الأكثر جدلا دون اخوته ، فاسمته (يسوع) و انجبته وهي ماتزال في طور الصبا عذراء دون معرفة من فعل فعلته حتى هذه اللحظة.
………………………
………………………
قصة “إيهم”
مستوحاه من:
١- رواية (أولاد حارتنا )
للكاتب العربي العالمي (نجيب محفوظ)
٢- قصة ( العم صالح) عام ٢٠٠٧
للكاتب الليبي (حسن ابوقباعة المجبري

رد
المشرف العام 22 فبراير, 2021 at 06:18

صباح الخير
تم التعديل

رد

اترك رداً على حسن ابوقباعة المجبري