أين ليبيا التي عرفت؟
المقالة

أين ليبيا التي عرفت؟ 2

محمد نجيب عبد الكافي

المجاهد أحمد سيف النصر.
المجاهد أحمد سيف النصر.

عشق بالسماع

والأذن تعشق قبل العين أحيانا. هذا حالي مع ليبيا.فطوال سنيّ طفولتي وبعض من أعوام مراهقتي ، لم يكن يوم يمرّ دون أن تذكر ليبيا التي كانت تسمّى لدينا طرابلس. كان ذكرها يردّد في السهرات العائلية ، وجلسات الرّفاق بالمقاهي ، وأحاديث النسوة في أمسياتهن ، ولا يغيب الاسم طبعا عن صفحات الجرائد التي تجنّدت لواجبها نحو الشقيقة. كانت تذكر بطولات وتضحيات واستشهاد ومحتشدات وصمود بعزيمة وتصميم ، من شعب أبيّ يذود عن حرّيّته وكرامته. أسماء أبطال كثيرين تردّدت باحترام وإعجاب ، فبقيت عالقة بذاكرة الطفل الذي كنته : فهذا بن عسكر وذاك غومة المحمودي وآخر سوف ومثله الفكيني والباروني وشيخهم عمر المختار والى جانبه العبيدي والعبّار وسيف النصر وقائمة طويلة من أسماء ” رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا ” فلمست ، وأنا لم أرشد بعد ، معنى الإخلاص للدّين والوطن ، وتجسّمت لديّ الشهامة والإباء ، فعرفت قيمة الجهاد وثمن التضحية قولا لا فعلا. هذه صورة من ليبيا التي عرفت ، فأين هي ؟

أحضان المعشوق

دارت الأيام فأخرجتني من مسقط رأسي فى تونس ، فرارا من الظلم وأهله – وأمرّالظلم ما جاء من ذوي القربى – فإذا بي في ليبيا وهي ترتدي ثوبها الجديد ، ثوب دولة ناشئة في مظهر حديث ، تبحث عن مكان لها تحت الشمس فسرعان ما نالته بامتياز واحترام. كيف ولماذا ومتى؟ بالصبر والتؤدة والعزم الراسخ وحب الصعود لما يليق. ولأنّ إرادة الحياة الكريمة الحقة كانت راسخة ولأنه ” إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا ، لا تنفذون إلا بسلطان.” لم يكن بين أيدي أبناء ليبيا التي عرفت من السلطان إلا الإرادة الصادقة والعزم الرّاسخ للنهوض بوطنهم فنهض ونهضوا. متى؟ خلال أول عقد من الاستقلال اعتمادا على الله ، والتعليم ، وإخلاص المواطنين ، وطهارة اليد والقلب. هذه هي ليبيا التي سمعت عنها ثمّ دخلتها لاجئا ، فاحتضنتني بلا تردّد فكان عناقا كعناق المحبين. أين ليبيا التي عرفت ؟

بحثت فيها عن الأبطال الذين أثْرَوْا طفولتي وثبتوا الخطوات الأولى من شبابي ، فلم أتشرّف بالتعرّف إلا بواحد أو اثنين ، لكني سعدت بالتعرّف على الأبناء والأحفاد للعديد من الذين ضحوا بالعزيز في سبيل سعادة الجميع ، ذكرت بعضا وأضيف أسماء لم تنمحِ من الذاكرة أمثال فرحات وكعبار والقاضي والكيخيا ، وغيرهم كثير في ليبيا التي عرفت. حيث لا اختطاف ولا اعتداء ولا سرقة ، بل جدّ وإخلاص ونزاهة وصدق ، رغم كلّ ما يعرف عن البشر من عدم الكمال . فمن يصدّق أنّ دولة فقيرة معدمة ، في حاجة أكثر من ماسّة للعون والمساعدة ، تقرّر أوّل ما تقرّر تعميم ومجانية التعليبم ، للصغار والكبار، مجانية شملت المسكن والمأكل والكتاب والدفتر والقلم. صدّق أو لا تصدّق فهي ليبيا التي عرفت. فأين هي ؟. وللحديث بقية ، إن طال العمر.


* الصورة للمجاهد احمد سيف النصر الذى رفض الاغراءات الفرنسية بالاستقلال باقليم فزان واعلن ولائه المطلق للدولة الليبية المتحدة وقال قولته المشهورة : لو كان بي عرقا غير سنوسيا لقطعته.

مقالات ذات علاقة

أرباع

زكري العزابي

الإعلام الليبي وأثره في الحرب والسلام

أمين مازن

مرزق اشلاء مدينة

المشرف العام

اترك تعليق