من أعمال التشكيلية الليبية .. خلود الزوي
قصة

أعيد تشكيل ذاكرتي

آية بسباس

من أعمال التشكيلية الليبية .. خلود الزوي

 

وسط ضجيج الأصوات المُترددة و المُلحة التي تسكن كياني، وهي تُحاول مساعدتي للتوصّل إلى قرارٍ صائب، همس صوتٌ ما بهدوء وثبات، وكأنه يُلقي عليّا أمراً لا مجال للجدال فيه،

أعيدي تشكيل ذاكرتك …

و أنا أحاول اختيار عطر لإقتنائه بأحد المحلات التي تبيع العطور، وسط ثرثرة الأشخاص المسؤولين عن تسويق مُنتجات المحل، وأسئلتهم الكثيرة في محاولة منهم لاكتشاف نوع العطر الذي أبحث عنه، يرش لي أحدهم نوعاً و يدعوني لأشتمّه، ويقاطعنا آخر قادما من حيث لا أدري حاملا معه شيئاً ما يدعوني لتجربته، لتأتي إحدى الآنسات و تبدأ في طرح أسئلتها علّي لتخمن ما يناسبني …

أتدرسين ؟ ماذا تفعلين بالحياة ؟ أتفضلين الصيف أم الشتاء ؟ ، هل تُحبي الورد أم العود ؟ ، بما تصفين شخصيتك !؟ ، إختصري نفسك بجملة من ثلاث كلمات !! مرتبطة !!!؟

والكثير من الأسئلة الأخرى، التي تحتاج الكثير من التأمل و التفكير، لأتمكن من الإجابة عنها !!

كل ذلك و أنا أمشي بخُطى بطيئة و مُترددة، متأملة زُجاجات العطر بأشكالها المختلفة و أفكر .. أريد عطراً جديداً هذه المرة ، لم أستخدمه مطلقاً من قبل ، لا تحتفظ له ذاكرتي بأي ذكرى جميلة أو بشعة و إن كانت عابرة … أمرّ من أمام عطر كنت أحبه كثيراً ، كنت أعتبره مُفضلاً .. و منعت نفسي من استخدامه منذ فترة طويلة ، لأقطع الطريق أمام كل الذكريات السيئة التي سيحملها إليّ بمجرد إقترابه من حواسي ..

أمرّ أمامه و أتوقف هذه المرة ، ليهمس ذاك الصوت بما همس به … أعيدي تشكيل ذاكرتك !

نحاول الابتعاد عن كل ما اعتدناه يوماً ، لننسى بسرعة أكبر ، ما كنّا عليه في مرحلةٍ ما من حياتنا لننسى سذاجتنا حينها ، و ربما نكره ما أحببناه جداً يوماً لإرتباطه بذكرى سيئة أو شخص ما لم نعد نريد تذكره حتى …

شعرت اليوم بأن هناك الكثير من الأشياء الجميلة التي من المجحف أن نربطها بأشخاص أو أحداث ، فإن إنزعجنا و إستئنا منهم أو أنه لم يعد لهم مكان بحياتنا … اعتزلنا كل تلك الأشياء معهم ، و كأننا نعاقب أنفسنا بهم !

سأنسج ذكريات مختلفة جداً هذه المرة ، ستُنسيني كل الغباء الذى علق بذاكرتي و ارتبط بهذا العطر ، أكاد أجزم بذلك ، قلت لنفسي أحببت ذلك العطر قبل حتى أن تفكر تلك الذكريات في أن تحدث !

تذكرت أغنية فيروز ” كيفك إنت ” والتى لها مكانة خاااصة جداً في نفسي ، فبها تعرفت على صوت فيروز و أنا بالثالثة عشر من عمري و وقعت في غرام أغنياتها … و في فترة ما ارتبطت في خيالي هذه الأغنية بأحدهم ، حتى إنّي كنت أتجنب الاستماع لها ، و منذ ما يقارب سنة أو أكثر ، و دون أي سبق إصرار أو ترصد وجدتني أستخدم أحد عبارات الأغنية بإحدى هرطقاتي ، لتُحرر أغنيتي الرائعة من ذنب لم تقترفه ولكنه إلتصق بها عنوةً …. ولتعود لتزين حياتي و ترسم ابتسامة على شفتاي في كل لقاء بيننا

و بالعودة لمحل العطور ، قلت بصوتٍ مرتفع ليسمعني الجميع و يتوقفوا عن مطاردتي .. قررت ماذا سأشتري ، أريد هذااااا ..

مقالات ذات علاقة

انـثيــال

طاهر بن طاهر

السلْسلة

خالد مصطفى كامل سلطان

جان.. في حينا ؟؟

سعد الأريل

اترك تعليق