المقالة

أساتذة النغم بعد السبعة الكبار

عبد الرحمن قنيوة

السبعة الكبار في الموسيقى العربية المعاصرة

من خلال اطلاعي على الكتاب القيم الذي خطه الأستاذ (فيكتور سحاب) بعنوان: (السبعة الكبار في الموسيقى العربية المعاصرة)، والذي يورد في مقدمته: ((في عشرين سنة امتدت من سنة 1891 م إلى 1912 م، ولد للأمة العربية سبعة من عباقرة الموسيقى والغناء قلما يولد لأمم الأرض نظيراً لهم في مثل هذا الزمن العسير: سيد درويش، محمد القصبجى، زكريا أحمد، محمد عبد الوهاب، أم كلثوم، رياض السنباطى، وأسمهان)).  وفى ثلاثين سنة امتدت من سنة 1904م إلى سنة 1934م ظهرت في مصر مبتكرات تكنولوجية غربية أحدثت أثراً خطيرا في الموسيقى العربية، فدخل الفوتوغراف ليحل محل الحفلات والمسارح كوسيلة لنشر النتاج الموسيقي والغنائي، وتطورت صنعة المسرح الغنائي.  فمثلا بالأوبرا الإيطالية التي بدأ المصريون يشاهدونها في مدنهم من عهد الخديوى إسماعيل، ثم ظهور أول الأفلام المصرية سنة 1927م، وأول الأفلام الغنائية سنة 1932م.  وسرعان ما ظهر الميكروفون، وتأسست الإذاعة المصرية سنة 1934م فأحدثت هذه المبتكرات تبدلات تعصى على محاولة الحصر فغيرت كثيرا في ملامح الموسيقى والغناء العربيين في مصر، ثم في الوطن العربي.  فاقتضى الفوتوغراف أن تكون الأغنية سريعة قصيرة تستوعبها أسطوانة، واختفت الوصلة الغنائية وظهرت مكوناتها في أنواع غنائية مستقلة: الموال، والموشح، والدور، واقتضى المسرح الغنائي ابتكار المحاورات الغنائية، وظهور التعبير الوجداني والتمثيلي في الغناء، وعزز ظهور السينما الحاجة إلى ظهور التعبير والتمثيل والمحاورة في الموسيقى، وفرض الإيقاع السينمائي والمضمون الاجتماعي نفسيهما على ملحن الأغنية السينمائية، ثم استطاعت الإذاعة، توسع انتشار الأغنية، وأحدثت أثراً معاكساً لأثر ظهور الأسطوانة؛ إذ يسرت الوصلات الإذاعية للأغنية الطويلة أن تعاود الظهور والانتشار والازدهار، وفي أثناء هذه التطورات جميعا كان السبعة الكبار يمسكون بأزمة الموسيقى والغناء العربيين، فيطورون الأنواع والأشكال، ويشقون سبلا جديدة لزملائهم الموسيقيين والمغنيين العرب.  إضافة إلى ذلك أقول إن الإبداعات الموسيقية والغنائية التي قدمها أساتذتنا الأجلاء، قابلها إبداعات لا تقل روعة وجمالاً ورقياً للموسيقى العربية خلال القرن العشرين، بل أخذت طابعاً جديداً أحبه الناس منها ما كان امتدادا لمدرسة السبعة الكبار، ومنها ما كان تقدماً ورقياً رائعاً، وعلى نفس المسار العربي لموسيقانا العربية التي تعتبر من أغنى وأرقى الموسيقى في العالم أجمع.

إن من الكبار أيضاً في القرن الماضي بعد الجيل الذي ذكر، هناك العباقرة الدين أثروا بروائعهم الوطن العربي بأرقى ما قدم من الموسيقى والغناء في القرن الماضي (حيث يعتبر إضافة الموسيقار فريد الاطرش) للسبعة الكبار بما أثرى به من أعمال غنائية واستعراضية وسينمائية لم يسبقه بها أحد، وليلى مراد بصوت لن يعوضه الزمن. كذلك إبداعات: كمال الطويل، ومحمد الموجي. وبليغ حمدي، وسيد مكاوي. وأحمد صدقي، ومحمود الشريف، وصباح فحري، ووديع الصافي.  وكانت فيما بعد انطلاقة المدرسة العربية الحديثة للموسيقى والغناء بما قدمه العملاقين الأخوين رحباني، والصوت الملائكي الذي أطربنا ولا زال يطربنا في المدرسة الجديدة للغناء المطربة الكبيرة فيروز أطال الله عمرها.  إن المعيار الأول الذي استند فيه الأستاذ الكبير “فيكتور سحاب” في اختيار السبعة الكبار دون غيرهم من الكبار المعاصرين الذين ذكرتهم سلفاً هو أن هؤلاء السبعة هم الذين شقوا الروافد الأساسية التي تشكل منها (نهر الموسيقى العربية المعاصرة) كما يسميها الأستاذ سحاب: سيد درويش: وضع أسس التعبير المسرحي والتمثيلي في الموسيقى العربية.  محمد القصبجي: هو الذي وضع الملامح للمونولوج الوجداني العربي وثبت أصوله الموسيقية بداية من منولوجه “رق الحبيب”.  زكريا أحمد: طور الدور والطقطوقة.  محمد عبد الوهاب: طور القصيدة وأنشأ الموال في أغنية مستقلة، وأوضح ملامح الأغنية السينمائية.  رياض السنباطى: ثبت شكل الأغنية المسرحية وأضفى على الموسيقى العربية نفحة صوفية.  أم كلثوم: عاندت أحكام الأسطوانة، ومددت عصر الأغنية المسرحية الطويلة، فيما بدأ أن الحكم بزوالها قد صدر.  أسمهان: هي التي زاوجت أساليب الغناء العربية ببعض الأساليب الغربية وأنشأت مفهوماً جديداً للغناء النسائي العربي امتد تأثيره حتى صار راسخ الأركان في التراث العربي المعاصر.

هذا تحليل علمي وواقعي مقنع لا يختلف عليه اثنان، لكن من وجهة نظر شخصية بحثه لشخص يكرم الحقيقة ويقرها شكلا وموضوعاً، وفى بداية نهضتنا الموسيقية المستقبلية للقرن الواحد والعشرين يكون لزاماً علينا أن نسمى الجيل الثاني لرواد الموسيقى العربية الكبار، ونضع الوصف العلمي الذي يجب أن نكرمهم به ليكون جيل اليوم والغد على دراية كاملة بالجزء المكمل للسبعة الكبار وفق التصور الشخصي الاتي، والكمال لله.  فريد الأطرش: أثرى الأغنية الاستعراضية والسينمائية والوصفية والوطنية والعاطفية.  أحمد صدقي ومحمود الشريف: امتداد لمسيرة موسيقار العرب رياض السنباطي في الغناء الشرقي العربي الأصيل، والنغمة المعبرة التي أظهرت العديد من الأصوات الراقية والملكات المرتبطة بالنغم الصادق الذى لازال ينطق بزمان الفن الجميل للأجيال الصاعدة كالأصوات اللامعة التي برزت عن طريقهم ( محمد قنديل, كارم محمود, سعاد محمد, وغيرهم كثر), وفى الأوبريتات الإذاعية الرائعة, وروائع المقامات العربية الراقية والمنسية, والأوزان ذات الإحساس الروحي المتربع على الوجدان المحب لوحدانية الله, كمال الطويل ومحمد الموجي وبليغ حمدي وسيد مكاوي ومحمد فوزى:  الخماسي الراقي الذى أثرى ثراء لا نظير له في الأغنية والقصيدة والنشيد والأغنية الوطنية والمسلسلات الإذاعية بأعظم ما قدم في القرن العشرين لأعظم من ما غنى في هذا العصر من مطربين ومطربات, وشارك الرواد الأوائل في تكملة المسيرة الراقية للزمن الجميل, والذين قدموا التقنيات الحديثة لصالح الغناء العربي بدون تشويه, وأيدهم بقناعة الرواد الأكابر موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وموسيقار الغناء العربي رياض السنباطي باستخدام آلتي الأورغ والبيانو في أعمالهما الأخيرة مع معرفة الجميع أن موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب هو أول من استخدم الآلات الغربية في الأغنية المصرية كالآلات الخشبية والنحاسية والبانجولين والأكورديون والقيثار الخشبي إلى جانب البيانو والأورغ في ألحانه الأخيرة.  وبرز من بين الخماسي الراقي الذين شرفوا التلحين لمعجزة الغناء العربي أم كلثوم، ثم أجمل أصوات العصر: نجاة الصغيرة، وردة الجزائرية، عبد الحليم حافظ، فايزة أحمد، و(كارم محمود، عباس الجليدي، صباح، سعاد محمد، محمد قنديل، وعبد الغنى السيد، ومحمد عبد المطلب) من تلامذة الموسيقارين: محمود الشريف وأحمد صدقي.  ليلى مراد: صوت من أرقى النفائس التي ظهرت في هذا العصر، صوت لا يقلد ولا يتكرر، صوت يغنى ببديهية مطلقة وسهولة لا تشنج فيها يذكر، ذو عرب محببة لكل الأذواق، وقفلات صعبة ومستريحة إلا على ليلى.  غنت لأكبر ملحني عصر العشرينيات: محمد عبد الوهاب، محمد الموجي، زكريا أحمد، ومحمد القصبجي.  ولازالت أعمالها تذاع كأنها سجلت اليوم، وخير دليل مثلاً “أنا قلبي دليلي” للفالس الراقي والملحن الأرقى النابغة والموسيقار الكبير محمد القصبجي رحمه الله. 

فيروز والمدرسة الرحبانية: فيروز اسم على مسمى حقيقي ليس يحمل مجاملة، ولا يحمل ذرة من نفاق.  فالحق والحق أقول لقد أبهرت العالم بأسره (ما بعد جيل الكوكب المضيء دائماً أم كلثوم كسيدة الغناء العربي للمدرسة الحديثة، ومعجزة الصوت الفريد في قرننا الماضي وحتى الآن).  التحف الذهبية لفيروز التي تجاوزت المئات من الدرر التي لا تنسى، ولا زلنا نرددها منذ الصغر.  أكثر من خمسين عاماً وهي على قمة هرم الإبداع الروحي والفني والعلمي، المسرحيات الغنائية التي تضاهى لحد قريب مسار الأوبرا الغربية.

عاصي ومنصور رحباني: الأخوين العملاقان اللذان حملا شموع النهضة الموسيقية العربية الراقية (التي بدأها العمالقة في نهاية القرن التاسع عشر والقرن العشرين).  وأقاما للموسيقى العربية مكانه متقدمة أمام الموسيقى العالمية، وموسيقى الشعوب الأخرى (علماً، وموهبة، وخبرة، وعطاء غير محدود، وألحاناً لا تنسى).  قمة الفن الغنائي والموسيقى والهارموني المطلوب فعلاً في زمن العمالقة في النصف الثاني من القرن العشرين.  صباح فخري: فخر العرب ودرة الزمان وعملاق الفن والطرب العربي الأصيل.  الصباح النير الذي سهر بضيائه أركان الأمة العربية بصوته الذي لا أستطيع أن أوصفه، لأكثر من ستين عاماً متواصلة، حفلاته التاريخية التي أقامها في عشرات العواصم العالمية.  المطرب العالمي الذي ضرب الرقم القياسي في الوقوف على مسرح الغناء وهو يطرب العالم لمدة عشر ساعات متواصلة.

هبة الله: العمالقة السبعة

هبة الله: العمالقة الذين حملوا الراية بعدهم.

هبة الله: عمالقة مدرسة سورية الصباحية حماها الله.

والحمد لله أولاً وآخراً

مقالات ذات علاقة

حصان طرواده الأوروبي

نجوى بن شتوان

رحل أيدير وسيظل سفير الأغنية الأمازيغية

المشرف العام

القيمة المضافة كمدخل لمفهوم الحرية

جمال عبدالقادر أمهلهل

اترك تعليق