قصة

آلهة الاعتذار

دائماً كان يجد الأعذار اللائقة.. السابقة التجهيز..

أعذار مقنعة تفي بالغرض وتجعل أشد منتقديه يطرقون برؤوسهم خجلاً من تسرعهم واتهاماتهم الباطلة بعد ذلك كان يبتسم.. ومن أعماقه.. وبلا أدنى صوت يوجه كلمات شكر حارة إليهم.. يرفع عينيه إلى الأعلى صوب تلك السحابة البيضاء بلون القطن.. المتروية قليلاً في ركن السماء الأيسر المختبئة بعض الشيء خلف زرقة الأفق البعيد.. ويتمتم بقلبه والامتنان يغمره:

–   شكراً آلهة الأعذار.. ألف شكر!!

.. شياطين بحجم نواة التمر.. عثر على أحدهم يوماً مرمياً على قارعة الطريق ينتظر موتاً على يد أحدهم.. على وجه التحديد.. على قدم أحدهم.. تفحص الكائن المتناهي في الصغر.. استعان بحدة بصره ليستبين ملامحه وقسمات وجهه.. وبهدوئه المعتاد وضع الجسم الضئيل في جيبه ومضى.

لم يكن الأمر صعباً فرائحة البصل كانت فعالة حتى مع الشيطان القزم.. استيقظ.. وبصوت لا يتناسب مع حجمه تحدث بطلاقة مذهلة:

– أنت منقذي.. الآن سأذهب ولكن لن أنسى الجميل.. سأبحث مع أصدقائي كيف نكافئك.. أترى تلك السحابة.. تلك على اليسار.. نقطن هناك.. وداعاً.

منذ ذلك الحين انهالت الأعذار.. صارت طلاقة لسانه مرهونة فقط باختلاق الأعذار.. حجج مذهلة تعجب من سمع وتسر من رأى.. صار خبيراً بابتداعها.. طارت شهرته حتى عمت الآفاق.. آفاقه هو.. قصده الأصدقاء يبحثون عن أعذار تخصهم.. كان يستمع إلى الذنب.. إلى الخطأ.. ثم ينظر مرة واحدة إلى تلك السحابة وعندما يتراءى له الشيطان الصغير.. يهبط العذر على أم رأسه.. ينزلق من لسانه إلى قلوب الناس دون وسيط فيقعون في حب أعذاره.. ويغفرون له زلاته مهما عظمت.

زوجته كانت تغفر له هفواته.. وأصدقاؤه نسيانه لمواعيده.. ورؤساؤه إهماله لواجباته.. حتى أعداؤه كانوا يغفرون ازدراءه لهم.

حتى هذه اللحظات لا زال يختلق الأعذار..

أحياناً لاستعماله الشخصي.. وأحياناً يبيعها مخفضة للطلبة عندما يتغيبون عن امتحاناتهم وللموظفين المتأخرين عن أوقات دوامهم الرسمي.. وبالعملة الصعبة لرجال الأعمال.

مؤخراً اشترى زوجة رائعة الحسن ومنزلاً من طابقين. والفضل يعود دائماً لتلك السحابة أو لقاطنيها.. لا فرق.. المهم أن الأمور بخير طالما إن في السماء سحباً بلون القطن.. وفي الدنيا شياطين بحجم نواة التمر.

البيضاء 24/12/1998

مقالات ذات علاقة

القِدْر…

أحمد يوسف عقيلة

رسالة..

حسين بن قرين درمشاكي

مكانٌ لا تجوبه الكلاب.

محمد النعاس

اترك تعليق