من أعمال الفنان محمد الشريف.
قصة

‏إِعْـــــــدَامٌ‬

Mohammad_Esharif (1)

تَسَلَّلَ مُرْتَدِيًا جُبَّةَ الظَّلامِ .. في يَدِهِ يبرقُ خنجرُهُ المسْنُونُ .. اجتازَ ممرًّا مؤدِّيًا لحجرَةِ الضَّحِيَّةِ .. فتحَ البابَ .. دخلَ على أصابعِ حذرِهِ .. نظَرَ إليهِ منبعجًا على سَرِيرِهِ مِثْلَ مَيِّتٍ .. أنفاسُهُ تعلو وتهبطُ .. شخيرُهُ صَوتُ سَاقيَةٍ عجوزٍ .. اقتربَ منه .. رفعَ الخنجرَ عاليًا .. رفعَ رأسَهُ صوبَ لمعانِهِ .. أنزلَهُ .. نظرَ مجدَّدًا لوجْهِ الضَّحِيَّةِ .. لحيتِهِ المتناثِرَةِ على حَوَافِّ وجههِ المعروقِ .. شعرِهِ الذي بَعْثَرَهُ التَّمرُّغِ نَائمًا .. عينيهِ المغمضتينِ على نَوْمِ ثقيلِ .. رأسِهِ المكتظِّ بمليونِ مسألةٍ .. يديهِ المرتخيتينِ السَّاجيتينِ على جانبيهِ .. جَسَدِهِ المنهَكِ الرَّاحِلِ نحوَ الشَّيْخُوخَةِ ..
بَدَا لَهُ بريئًا ومُسَالِمًا مثلَ طفلٍ .. !!

لكنَّ نفسَهُ الأمَّارةَ سوَّلَتْ لَهُ بقتلِهِ .. رفعَ خنجرَهُ أعلى رأسِهِ .. لَمَعَ على سَاعَةِ الضَّحيَّةِ التي تحتضنُ مِعْصَمَهُ .. رَفَعَ بَصَرَهُ إليهِ تلفَّتَ .. تحرَّكَ الرَّجُلُ السَّاجِي .. الضَّحيَّةُ المفترَضَةُ .. انقلبَ على جانبِهِ الأيمنِ .. حَبَسَ أَنْفَاسَهُ .. تراجعَ للورَاءِ بحذرٍ شديدٍ .. علا شَخِيرُ السَّاقِيَةُ العجوزُ مجدَّدًا .. دَنَا منهُ .. رأى أن يحزَّ رأسَهُ حَزًّا سَريعًا بخنجرِهِ الحادِّ .. ثمَّ بدا لَهُ أنَّ عليهِ طعْنَهُ مليونَ طعنةٍ أوَّلاً .. أن يَتْرُكَ خنجرَهُ يعبَثُ بالجسَدِ العَجُوزِ .. ارتعشَ الخنجرُ في يدِهِ .. رفعَهُ لأعلى .. تقدَّم للأمامِ .. هوى بهِ نحوَ الجسدِ المسجَّى .. أوقَفَهُ قبلَ أن يُلامِسَ قلبَ الضَّحِيَّةِ حينَ سمعَ حركةً في المَمَرِّ .. حَبَسَ أَنْفَاسَهُ .. شَهَرَ خنجرَهُ باتجاهِ بابِ الغرفةِ .. تسمَّرَ مترقِّبًا وعيناهُ تنتقلانِ بينَ الضَّحيَّةِ والبَابِ ..

سَكَنَتِ الحركَةُ تمامًا .. هَدَأَتْ أَنْفَاسُهُ قليلاً .. اقتربَ من ضحيَّتِهِ بهدوءٍ .. دنا منه أكثرَ .. رأى أن يخنقَهُ خنقًا ثمَّ يذبحَهُ .. وضعَ الخنجرَ على طرفِ السَّريرِ .. اقتربَ منهُ أكثرَ .. انحنى على الجسَدِ السَّابِلِ .. تَلافَحَتِ الأَنْفَاسُ .. دَقَّ قلبُهُ بعنفٍ .. تحرَّكَ الجسدُ الهامِدُ .. ارتعبَ .. عادَ لِلوراءِ .. تَحَسَّسَ خِنجرَهُ .. انقلبَ الجسَدُ الآيلُ للطَّعنِ على الجانبِ الأيسرِ .. تركَهُ حتى سكنَ .. بدا لهُ أكثرَ تهيُّؤًا للفتكِ بِهِ .. أعادَ الاقترابَ منهُ .. اصطَدَمَتْ رِجْلَهُ بإطارِ السَّرِيرِ الخشبيِّ فَأَصْدَرَ صَوْتًا عاليًا .. استَيْقَظَ الجَسَدُ المغْدُورُ .. نَفَضَ عنهُ نَوْمًا ثقيلاً .. صَارَ في مواجهَةٍ مباشرةٍ معَ القَاتِلِ الشَّرِسِ .. جَلَسَ على السَّريرِ .. لا رُعْبَ في عينيهِ ولا في صوتِهِ .. صَوَّبَ نظرَهُ نحوَ المهاجِمِ الشَّابِّ .. صارا كَأَبٍ يُقَرِّعُ ابنَهُ العَاقَّ .. تَسَمَّرَ القَاتِلُ في فزعِهِ المهولِ .. كَتَّفَهُ الرُّعْبُ العظيمُ .. تجمَّدَتْ يدُهُ على الخنجرِ .. بَدَا في يدهِ كأَنَّهُ قلمُ رصاصٍ .. تصنَّمَ مَرْعُوبًا مُسْتَمِعًا إلى ما تتفوَّهُ بِهِ الضَّحيَّةُ المفترَضَةُ من كَلامٍ .. سَلَّطَ بصَرَهُ على الخنجرِ المهيَّأِ للفتكِ فأسقطَهُ من يدِهِ .. انحنى الجسدُ والتقطَهُ .. ضحكَ بلذَّةِ المنتصرِ .. تقمَّصَ القَاتِلُ المزعومُ دورَ الضحيَّة .. ارتعبَ .. اهتزَّ .. تَصَبَّبَ جَسَدَهُ عرقًا باردًا تحتَ طائلِةِ الخوفِ الرَّهِيبِ .. صرخَ فيهِ الرجلُ المغدورُ بعنفٍ:
– أنتَ قاتلٌ ..
– صرخَ فزعًا: لا ..
– أنتَ مجرمٌ ..
– لا ..
….
– لا ….
– لا ..

*****

صَحَتْ زوجَتُهُ على صراخِهِ المرِيعِ..
– ما بِكَ …!؟
– القاضي يزعمُ أنني كُنْتُ أنوي قتلَهُ ..
– ولماذا تقتلُهُ..؟
– لأنَّهُ حَكمَ عليَّ بالإعدَامِ .. مُدَّعِيًا أَنَّني قَتَلْتُ زوجتي بطعنَةِ خنجرٍ..!؟
صَرَخَتِ الزَّوجَةُ .. سَقَطَتْ أَرْضًا .. فِيمَا كَانَ زوجها يطردُ عن رأسِهِ كوابيسَ سوداءَ ظلَّتِ اللَّيْلَ كُلَّهُ تَحُزُّ بخنجرِهَا رَأْسَهُ المصدوعَ..!!

اجدابيا/ 2008

________________________________

من‬ مجموعة (سطر روايتي الأخير) للقاصِّ. دار_غراب_للنشر_والتوزيع‬

مقالات ذات علاقة

قصتان في لون الريح

محمد دربي

ذاكرة مفقودة

رحاب شنيب

مارد النار

المهدي جاتو

اترك تعليق