المقالة

يوم خسوف القمر

الناشطة والحقوقية سلوى بوقعيقيص

كانت (سلوى) إحدى نسوة المدينة اللاتي انتفضن مع ثوار المدينة لمقارعة نظام جثم على نفوس الليبيين طويلا، كانت إحدى الأصوات البارزة لمقارعة النظام مع ثوار المدينة.. كانت إحدى النسوة المنتفضات اللاتي حملن شعلة الحرية وكانت تتواجد بشكل شبه يومي في ساحة المدينة لمساندة الثورة والثوار في مواجهة ذلك النظام الفاشي، الذي انبرى منذ نشوئه على طمس حرية الناس لسنين طويلة من الحيف وخنق الحريات.. كانت تلك المرأة تتطلع ليوم آخر تشرق فيه الحياة في بلادها.. التي عاشت وسط الظلمة طويلا.. كانت إحدى رائدات الحرية.. لم تتزلف يوما للنظام.. وهي تعلم بكبر جرائمه التي سادت الوسط السياسي عقودا وعقودا لم تنفرج عنه ضؤا في نهاية النفق..

كانت (سلوى) من النسوة البارزات اللاتي حملنا مشعل الثورة وسط نظام فأشى لا مساحة للحرية فيه.. بل سيف الجلاد والجبر. كان حلمها الوحيد الذى لا ينفك عن مخيلتها هو حلم الحرية.. وأن ترى مشهدا جديدا متغيرا لبلادها الذى شهد عصرا من الظلمة والظلام وكبت الحريات.. لاقى سكان المدينة البؤس والحرمان في النطق حتى بالكلمة.. كان حلمها هو الخلاص من تلك الوضعية البائسة التي كانت جاثمة على نفوس الناس.. تلك الوضعية التي حجبت ضوء الشمس عنهم ردحا من الزمن ليس بالقصير.. كان الناس يتطلعون الى يوم أن تنفرج عنهم بيوم جديد يسوده الحرية..

كان ذلك اليوم الذي انتظره الناس هو صبح انتصار الثورة.. كان يوماً مجلجلا بالبهجة عندما اندفعت الجماهير الى مراكز الانتخابات لتعلن عن نفسها بعد انتصار الثورة وأنها صاحبة الإرادة في صنع مستقبلها.. شعرت في ذاك اليوم أن حلمها قد تحقق في عودة الحياة الى جسم الأمة.. كانت في ذلك اليوم جالسة في مطبخ بيتها تعد الطعام لزوجها وأطفالها كما كانت العادة.. وكان الحبور يملأ جنباتها وجنبات البيت في تحقيق الحلم.. بأن تري الناس وهم يندفعون لصناديق الانتخابات لترشيح نوابهم في البرلمان الجديد.. لم تشهد البلاد ذلك الاندفاع الكبير من الناس على صناديق الانتخابات. كان عرسا جماهيريا لم تشهده البلاد من زمن طويل.. لقد كانت الحياة تتراقص من حولها بنشوة الحرية.. لكن الفرحة لم تتوقع قدرا مشؤما غير منتظر كان يداهمها..

لقد دخل الى بيتها خلسة بعض الرجال وقاموا بغرس السكاكين في جسدها.. لقد غرسوا السكاكين في روح تلك السيدة دون انتظار في مقابلة غير منتظرة وبدون سابق موعد.. كان انتظارا مع الموت المشئوم في يوم ذلك العيد التي حلمت به طويلا.. كان لقاؤها مع صلبان الحرية ليمزقوا جسدها.. فوق أرضية المعبد الذى طالما كان يشهد حضورها الدائم في أحضان أسرتها.. شاع الخبر المشؤم أرجاء المدينة، عن تلك السيدة التي رفعت شعلة الحرية تطالها يد الغدر على أيدى أعداء الحياة و الحرية.. الساعون في العيش وسط الظلام.. والمطفؤون لنور للحياة و الحرية..

كانت وطأة الخبر كبيرة على نفوس سكان المدينة.. لقد صمت إلى الأبد ذلك الصوت الذى كان يتغنى بالحرية.. كانت كل الأصابع في تلك الحادثة الرهيبة تشير الى المليشيات الإرهابية التي كانت تتحكم في أمور المدينة.. في اليوم التالي كنت في حضرة المحقق بشرطة مركز المدينة كان لدى بلاغ حول الغارة التي قامت بها مليشيات المدينة على الشرطة الراجلة التي كانت تحرس سكان المدينة في صبيحة ذلك اليوم من أي اعتداء مرتقب.. والتي دمرت كل ما أملك في ذلك اليوم بعد أن نصب الشجار بينهم وبين الشرطة الراجلة في ذات موقع سكنى.. فانهالت القذائف على وعلى سكنى المجاور نتيجة نشوب الصراع فدمرت كل ما أملك من سيارات الى مرافق البيت، جراء يوم كامل من القذائف المتساقطة.. لأنه كان في مواجهة الكتيبة التي كان مسيطر عليها من قبل المليشيات.. ولعل تحرك تلك الكتيبة في مواجهة الشرطة كان وراء قتل (سلوى) فالمعركة استمرت أكثر من 4 ساعات وكان سكن (سلوى) في الجوار.. وعندا جلست أمام المحقق بادرني بسؤال: هل تعلم من قتل تلك السيدة أي (سلوى)؟

قلت له في عفوية: أنها الحكومة..

آنذاك، كانت المليشيات هي المسيطرة على زمام أمور المدينة بصورة لا تظهر للعيان.. فأجاب بالنفي: أنه حارس المبنى..

لم أصدق ذلك فلو كان حارس البيت لأخفى الجثة ولم يتركها هكذا، وهو لازال قائما في البيت.. أو أن يهرب بفعلته..فى اليوم التالي سمعت أن ذلك المحقق قد قتل.. مما رفع الظن عن الحارس.. فلعله كان ذلك المحقق لديه مفاتيح القضية حتى يقدموا على قتله ثاني يوم من الحادث.. هذا ما نما الى علمي آنذاك..

ذهبت (سلوى) ولم تترك إلا ذكرى خالدة وسط سكانها.. بأنها المرأة التي رفعت صوت الحرية عاليا وتردد صوتها في أرجاء المدينة.. ذهبت (سلوى) وكان لديها حلم بأن تتحقق الحرية التي غابت كثيرا عن وطنها.. فى ذلك الوقت يوم قتل (سلوى) توشح جسد القمر بلون الدم ثم غاب عن سماء المدينة.. لقد غطاه الخسوف لامرأة ناضلت من أجل حلمهاأ.. ذهبت (سلوى) وكان لديها حلم بأن ترى حدائق بلادها تزهر ثانية..

مقالات ذات علاقة

أَطِبّاءٌ لَهُمْ تارِيخ

يوسف القويري

نساء خارج العُزلة (*)

فاطمة غندور

التعصب والعنصرية لدى الشعب الليبي

عمر أبوالقاسم الككلي

اترك تعليق