تجارب

والمغرب مرة اخرى (2)

اْنه ليس اْجمل من لحظات الفجر انها رائعه تملاْ الانسان الذى ينهض للحياة بحماس واقبال على العطاء بلا حدود. اْن الفجر يقترن بتنفس الصبح وانطلاق الحياه بعد نوم وخمول وقد اقسم بهما العلى القدير فى تصوير فني بديع… الفجر هو الحياه المتجدده فى يوم جديد. كنت فجرا فى محطة المسافرين بالدار البيضاء مرة ثانيه. اتجهت الى فاس فى الشرق. كانت الدنيا ظلاما والضواحى هادئه مستكنه… ولكن بعد قليل ستشرق اْمنا الشمس. ثمة صقيع رغم مايو. انطلق ذلك القطار…مررنا بعين السباع ثم المحمديه فالصخيرات… فالرباط حيث لاحت تباشير الصباح. اماكن ونقاط ومعالم شاهدتها قبلئذ. والحياة تضج حيوية… راح الظلام. ثم مضينا فى طريقنا عبر سلا… اخترقنا نهر ابى الرقراق وبعيدا فوق التله عند بقايا مسجد حسان بدا ضريح محمد الخامس. هذه القنيطره. وغدت الشمس اكثر اشراقا. طريق القطار تمر وسط التلال والاشجار والينابيع… ولجنا اْنفاقا وغمرتنا العتمه… وخرجنا للضوء… لايمكن للظلام ان يستمر. هناك نهار واشراق على الدوام.

اخترقنا جبال اطلس المتوسط. والجمال والروعه معنا. هذه ليست دعايه سياحيه فاْنا لااْجيدها اْيها الاصدقاء.تجمعت الغيوم فيما المطر يتساقط… مررنا بسيدى يحى وسيدى قاسم وسيدى سليمان… الاولياء والمرابطين والاضرحه والمقابر فى السهول مرة ثانيه… الموت والحياة… الوجود والعدم… المطر والجدب… العقم والخصوبه… وتنتصر الحياة.

هذه القصيبيه… ثم سيدى بن امشيش… وتذكرت درنه وزاوية ذلك الولى…ثم محطة مولاى ادريس… ادريس الاول مؤسس الدوله العلويه وجد الادارسه… قتله هارون الرشيد بالسم… دفن هنا… اجل هنا… فى قمة زرهون… وتولى بعده الامور ابنه ادريس الثانى… ومازالت الامطار ومن بعيد لاحت مكناس على مرمى حجر… وازدحمت فى البال جموع المتصوفه والمجاديب وحلقات الذكر والابتهالات ورائحة البخور والزهر… التراث كله اْضحى اْمامى وتذكرت الشموع والزوايا والخلاوى فى بلادى على امتدادها.. اقتربت مكناس… جميله مثل اْناسها وتاريخها… والقطار يمضى. وحضر الشعر. طاف بخاطرى الشيخ والشاعر الكبير حسين لحلافى… وقصيدته الرائعه (القطار) التى نظمها فى المهجر بمصر سنة 1930 وتخيل عودته بواسطته مع اخوانه الى الوطن… وماتنباْ به حدث. مازال شيئ قد يكون فى الافق… (وتعمر السكه… من غروب لمكه… لاعاد شبردق لاهناك حدود)هااْنا فى مغرب الوطن… ها اْنا فى القطار… اْتكىْ على الشعر وعلى اْحد عمالقته لحلافى. فهل ستكتمل رؤيته… وهل سيتحقق حلمه ؟ ان الشعراء اْحيانا يفعلون المستحيل… لكن بكلماتهم… فلا تحفظوها فى الملح !!

.. وهذه فاس. اْخرج من القطار ثم من المحطه والمطر يزداد. اْعبر الدروب القديمه فى المدينة العتيقه. ليس هناك سيارات بل عربات وبغال وحمير. اْسواق عامره وحركة لاتهداْ. هذه منتوجات بلديه… السمن واللبن والزهر. اجمل مافى فاس الزهر. وتستوقفنى اكوام القعمول معروضة للبيع مع النعناع وكل الخضروات… مااْسمه لديكم ؟ ويجيبنى البياع… نحن نسميه القوق… نقشره ونتلذذ باْكله ونطبخه اْيضا… اعنى مثلنا تماما فى بنغازى عندما نجلبه من عوالى الرجمه ووادى القطاره والساحل. لافرق بين قوق فاس وقعمول دريانه. والدروب اْمامى… اْحيانا تضيق واْحيانا تتسع… لكنها تمتد اْمام بصرى والحمير تنهق. اتهالك فى مطعم شعبى فى ساحة الرصيف واْحتسى خليع مغربى ساخن.اْحسن مايواجه صقيع اليوم.

ثم اْجد نفسى اْمام جامع القرويين… اْقدم جامعة فى التاريخ. اْدخل الى رحابها واْرنو واْتطلع الى الماضى… هنا درس فى حلقاته وتخرج… اْبن باجه واْبن رشد واْبن بطوطه واْبن ميمون واْبن مشيش واْبن خلدون واْبن حرزهم والسنوسى الكبير وغيرهم من رجال. هذا جامع عريق وجامعة عتيده بنته فاطمه الفهريه القادمه مع اْسرتها من تونس. هذه خزانة القروين تعج بالكثير من المخطوطات لاْبن رشد الفيلسوف العظيم وسواه. وشحادون من عابرى السبيل يقتعدون الارصفه ومكتبات تتوهج بالكتب والمؤلفات… وموسيقى تصدح من بعيد. هذه مدينة العلم وهذا نكهة التاريخ ومن لم يزرها لم ير شيئا فى حياته كما يقال. هذا ضريح ادريس الثانى مؤسس فاس… اْنه تحت الصيانه. زاره الملك ادريس السنوسى اْحد اْحفاده سنة 1953 وتسبب مجيئه الى مراكش فى تلك الفتره فى جفوة بينه وبين محمد الخامس الذى كان منفيا خارج البلاد !.واْدرك معنى عبارة (سليل الفاتحين)التى ازيلت من النشيد. حين تكون فى فاس فاْنت داخل التاريخ. واْعبر الى سوق الصفارين وباب بو جلود واعود الى المحطه… ثم الى الدار البيضاء. التقيت الصديقتين خديجه الفتحى وفاطمه عاشور… نقاش عن الفن والثقافه والربيع العربى فى جو اخوى رائع تخلله الشاى المغربى. قالت خديجه وهى من فاس اْن من اْروع التقاليد لدى بعض العائلات الامازيغيه فى فاس اْن عقد القران بين العروسين لايتم فى ورقه او وثيقه اْنه يكتب كالرقيه فى صحن ويقومان بشربه. اْنه يسرى فى الروح… هذا الميثاق الغليظ ولايحتاج الى محكمه او ماْذون… واْداعب فاطمه… اْن لدينا فاطمه عاشور اْيضا سيده ليبيه عينها الملك ادريس سنة 1968 فى البعثه السياسيه الليبيه فى امريكا… ونتبادل الحكايا… صديقتان رائعتان لاتفترقان وتنشطان فى مجال الصحافه والاعلام. خديجه وفاطمه لااْنساهما من الذاكره. وينتقل الحديث الى الكاتب والناشط الامازيغى اْحمد عصيد الذى اتهم بالتطاول على الاسلام فى احدى محاضراته وينضم رئيس الحكومه الى الحمله ضده مع المنابر والسلفيين. لكنها قد تشكل لحظة صدام بين فعاليات الحركه الامازيغيه ورموز الحركه الاسلاميه فى المغرب… هكذا يقولون… والنقاش الشجاع يصل بالاطراف الى المطلوب. والدين لايؤثر فيه ذلك… دين التسامح والحوار والمنطق.

… وقطارنا اْبدا يفوت. قال البياتى… ثم العود اْحمد.

جبال الاطلس المتوسطساحة الرصيف فى فاسجزء من القمر الاحمر بخط عبدالرفيع الجواهرى

مقالات ذات علاقة

ما فيه خير من ساعة ربي لا تبرم لا تعبي

المشرف العام

قارئة الفنجان

المشرف العام

هذا هو ديك الحلوى الذي يضرب به المثل

سعيد العريبي

اترك تعليق