المقالة

واللغة لعبة لابد منها

اللغة العربية.
اللغة العربية (الصورة: الشبكة).


(.. أما اللغة العربية فقد واجهت أولى أزماتها خلال القرن الأول من نزول القرآن عندما اصطدمت بلغة أرية في فارس ثم انتهى الصراع بانتصار عربي ساحق نجم عنه أن تخلى الايرانيون عن نصف المفردات في لغتهم واستبدلوها بكلمات عربية ولكن الازمة لم تكف عن تعميق أبعادها حتى انتهت بذلك الانفجار الهائل الذي وصل مع جيش السلطان التركي ثم تكشف في القرن التالي عن هزيمة الثقافة العربية ولغتها بصورة نهائية في امتداد واحد لعصر المماليك المحزن. ومنذ ذلك الوقت اتخذ تاريخ العرب السياسي مجري شديد الانحدار في اتجاه القاع فأنتهي عصر الاتراك بظاهرة الاستعمار الغربي واقتسمت اوروبا ميراث الرجل المريض قبل ان يموت.

ونال العرب استقلالهم السياسي ولكنهم لم ينالوا استقلالا ثقافيا كاملا حتى الان واذا كانت ظروف الحضارة الحديثة تلعب دورا أصيلا في هذا النقص فأن لغتنا العربية ماتزال أكبر مظهر مباشر لهذه الحقيقة المحزنة. فالمشكلة أن الامم الصغيرة تقف على بعد ثقافي لا يمكن تصوره وراء الاخرين وليس ثمة فرصة للحاق بالطليعة الا عن طريق اتقان لغاتها. الباحث العربي مضطر الى أن يتعلم اكثر من لغة ولكنه ليس مضطرا الى اتقان لغته الام لأنها لن تكون ذات أهمية بالنسبة اليه الا باعتبار اخلاقي.

أن اللغة الانجليزية تصدر أربع قواميس كل عام وأن الالمان يصدرون سبعة عشر قاموسا منها ثلاثة قواميس مصورة وثلاثة أخرى للمصطلحات وقاموس خاص لتحديد استعمال الكلمات.. اما العرب فمازالوا يعيدون طباعة تاج العروس وحده كأن الزبيدي رحمه الله مطالب بأن يحل مشاكلنا حيا وميتا.

أن لغتنا تحتاج الى عمل كبير وتحتاج الى عملية انقاذ جادة على نطاق الوطن العربي وليس ثمة شك أن مئات الرجال المخلصين يبذلون جهدهم في كل مكان لتحقيق هذا العمل ومن غير اللائق أن يتجاهل المرء جهوده الفردية ولكن الامر يبدو دائما أكثر ضخامة من أن يعهد به الى المؤسسات الخاصة وحدها أو الأفراد المثقلين بالمسؤوليات.

أننا نحتاج الى حقل اكثر اتساعا يليق بأهمية المشكلة وأهمية حلولها فدعونا نرجو من الجامعة العربية أن تحضر لنا قواميس اليهود قبل أن تدمر تل ابيب لكي نترجمها ونحل مشكلتنا..)

___________________________________
من مقال (اللغة لعبة لابد منها) الحقيقة. بنغازي 28 فبراير 1967

مقالات ذات علاقة

السكتة الشعرية

ناصر سالم المقرحي

الطرابلسينو وأنثاه…!

المشرف العام

مقدمة كتاب: على خطى العقيد

عبدالقادر الفيتوري

اترك تعليق