طيوب البراح

نعومة السكين

 

محمد عياد العرفي

أصبحت وحيدة تجلس قرب النافذة عاجزة عن فعل أي شيء سوى تلعن الجميع في صمتٍ مؤلم..مازالت ترى إنها أجمل النساء.. لا تكترثُ لأحد وصل بها الغرور لدرجة العزلة..فزوجها السيد أمين كان من أفضل الرجال..كان وفياً لها..لم تضع في الاعتبار إخلاصه لها..ما إن يصل للعمل إلا وترفع سماعة الهاتف وتطلب منه الرجوع للمنزل حالاً.. وعند رجوعه.. يدخل يراها جالسة مقابل المرآة تُسلك شعرها الأحمر.

يسألها ماذا هناك ؟

 تقول له: مجرد صوت يأتي من جهة الشرفة.. يثور غاضباً تغمره في حضنها..يا حبيبي كنت وحيدة ولم أعرف ماذا سأفعل ؟ لولاك كنت سأموت رعباً..كنت أتخيل أني رأيتُ خيال شابٍ طويل يمسك في يده سكين.. وترمقه بنظرة لا تعجبه تحاول أن تثير غيرته ونجحت في ذلك مع مرور الوقت..شعر السيد أمين بأن حياته أصبحت معقدة فهو يعمل كمدعي عام في منطقة الجنوب..وبيته يقع في منطقة الوسطى تبعد المسافة العمل عن البيت حوالي 30 كيلو متر.. فتقدم بطلب النقل إلى المنطقة الوسطى..وحصل على الموافقة سَعِدَ بذلك كثيراً رجع للمنزل وأستغرب أن زوجته لم تتصل به..على عتبة البيت يسمع صوتاً غريب تتحدث الزوجة..بهمسٍ متقطع حاول بأن ينظر من نافذة المطبخ لكن الستارة عتمت الرؤية..تمالك أعصابه وفتح باب المنزل… دخل جاءت مسرعة نحوه مرتبكة بعض شيء تسأله :

لماذا رجعت مبكراً ؟ نظر حولها وكأنه يتابع إحدى قضاياه التي استعصى عن فك لغزها.

 وفي لحظة حدق في شكلها وهي ترتعش أحمر شفاه مرسومة على عنقها الطويل كقبلة أخذت بدون استئذان..وشعرها مشتت ليس كطبيعته..

فسألها بحنق :اانت بخير ؟

 ردت مرتبكة..نعم أنا بخير.. واقتربت منه ومسكت يداه ووضعتها على بطنها

 وقالت : أترى يا عزيزي لقد صار ينمو بسرعة !! سالت دمعة الفرحة على خد السيد أمين وابتسم..اسمعي يا عزيزتي..لا أريدك أن تتعبي نفسكِ بعد اليوم..دعي عمل منزل لغيرك سأحضر لكِ خادمة لكي تساعدك في عمل البيت..فقفزت من حضنه ونزلت على ركبتيها تتوسل إليه..أرجوك لا تجلب لي خادمة أستطيع أن أهتم بشئون المنزل وحدي.

 فقال لها :ماذا عن الجنين ؟ ستنجبين بعد أشهر قليلة.

 قالت : لا تخاف سأعتني بنفسي… تعجب السيد أمين مما سمعه وطلب من الزوجة أن تجهز له الحمام.. خرج من الحمام مرهق بالكاد يفتح عينيه استلقى على الفراش وغط في نومٍ عميق.. استيقظ وصداع يضرب رأسه كموج البحر الهائج يصارع الصخور..ينادي على الزوجة..وهي لا تسمعه نظر لساعة الحائط وتفاجأ بالتوقيت..يسأل نفسه هل نمت طوال هذا الوقت ؟ الساعة ألان الثانية بعد منتصف الليل..عاود الصراخ حاول النهوض لكن شعر بالدوران أحس بالتعب..فوقف من فراشه فسقطت علبة صغيرة فأمسك بها..فوجدها حبوب منع الحمل..اندهش !! سحب قدميه بقوة ومشى خارج الغرفة فنزل من الطابق الثاني..وسط الدرج شاهدَ ضوءً يخرج من جهة المطبخ تعجب !! اتجه نحو الضوء.. فسمعَ نفس الصوت..فاقترب وحدق خلف الباب وجد زوجته تتحدث مع شابٍ نحيف يجلس بالقرب منها ماسكاً بسكين..ويقول لها هل أصعد ألان ؟ وهي تراقبُ الساعة..على مهلك لقد خلطتُ له بعض السم مع عصير البرتقال..فشربه عند خروجه من الحمام..ربما سيموت من زيادة الجرعة.

 قال لها: ماذا ستفعلين بالجنين ؟

 فجاوبته لن يعيش أكثر مما عاشه في أحشائي..

 إذاً ماذا تنتظرين ؟

 دعنا أولاً نفكر أين سنرمي الجثة ؟

 سندفنه في الحديقة..لا لا

 سنرميها بالقرب من المقاطعة الجنوبية.. وهكذا لن تشك بنا الشرطة أبداً..

 كيف هذا ؟

 استلم زوجي قضايا كثيرة وكان دائماً يحارب الفساد..

أنت تقولين لي ذلك..

تتذكرين ما فعله ؟

 قد أوقع بي وزج بي خلف القضبان عشر سنوات وأنا أنتظر هذه اللحظة.. وألان يجب عليه أن يدفع الثمن..

تمهل يا حبيبي..

لن نذهب لأي مكان سنعيش هنا..سنتزوج بعد موته..

متى..متى ؟

 دعني أصعد لغرفة النوم لأرى هل مازال على قيد الحياة ؟ أم أنه رحل عنا..

انتبهي عند دخولك لغرفة النوم..

حسناً.

 في تلك الأثناء اتجه السيد أمين نحو الشرفة ورفع سماعة الهاتف..يهمس الو أنا السيد أمين المدعي العام بالمنطقة الوسطى..يوجد في منزلي رجل” غريب..أرجو أن تأتوا بسرعة..ربما لن أعيش طويلا..قد تآمرت علــ..وسقطت سماعة الهاتف على أخر كلمة بعد أن طعن أربع طعنات في ظهره.. نزلت الزوجة مسرعة..فتزحلقت فوق الدرج وسقطت مغشية عليها.

 خرج القاتل من المنزل ماسكاً بيده السكين..فتفاجأ بعدد رجال الشرطة يحاصرون المنزل من جميع الاتجاهات..حاول أن يقفز من سور الحديقة.. إلا أن طلقات الرصاص كانت الأسرع.. اخترقت جسده..فسقط جثة هامدة..أخذت البصمات..ونقلت الزوجة إلى المستشفى دخلت في غيبوبة استمرت ثلاثة أيام..أجريت لها عملية إجهاض لوقف النزيف.. مات زوجها , مات القاتل , فقدت طفلها , أصبحت وحيدة..محبطة معدومة الإحساس والمشاعر.. حاولت أن تفعل شيء يصلح أو يغفر لها ما ارتكبته..انطلقت نحو عمل زوجها فوجدت المكان مكتظ بالحضور..فسألت امرأة تضحك قليلا وتبكي كثيرا..

ماذا هناك ؟

فالتفت نحوها قائلةً: بالأمس كان السيد أمين هذا الرجل النزيه..الذي جعل أهل المدينة يعيشون بأمان..قضى على معظم الأشرار..ورفض جميع العروض..من رشوة وهدايا..كان لا يعرف في حياته إلا شيئان العمل والزوجة..وألان يحتفلون هؤلاء المرضى بتعيين مدعى عام مكان السيد..وهو شخص له سوابق وتلاعب بقضايا الناس.

فقالت لها: إذا لماذا هم سعداء؟ ومرحبون به.

قالت:لان هذا الزمن لم يعد بحاجة لأناس” مخلصين كالسيد أمين..فقد تغيرت المعطيات والبراهين.. اسمحي لي !! فأني لا أطيق كل هذه السخافات.

تحركت السيدة الأرملة تبكي وتبكي..تنوح.. أكان زوجي هكذا!!

أين كنت ؟

لم أكن إلا مع نزوتي ,مع غروري ,مع هلاكي , ضاع كل شيء خرجت تهذي بهذه الكلمات..وقطعت الطريق وكادت تصدمها شاحنة..وصلت للمنزل جلست في المطبخ بالقرب من النافذة تلعن الجميع في صمتٍ مؤلم..تضحك و تضحك..فقدت صوابها..جُنت المسكينة نظرت نحو الطاولة وجدت سكيناً..بكت بشجن الذكريات..وأغمضت عينيها وغرست السكين و نــامت.

________________

نشر سابقا في صحيفة قورينا

مقالات ذات علاقة

لك الله يا وطني

المشرف العام

قلبُ أب

المشرف العام

ردهة صغيرة

صفاء يونس

اترك تعليق