المقالة

مواطنة مغشوشة!

أرجوك، لا تقرأ مقالي حتى تتفقّد (كُتيّب العائلة) الخاصّ بك؛ لتعرف مكانتك في دولتك أوّلاً… فهل أنتَ (مواطنٌ بحكم القانون)؟! أم (مواطنٌ مقيم)؟! أم (مواطنٌ بحكم الولادة)؟!. ولا تنسَ أن تسأل جدّك: هل هو من (العايدون) أم من (الصاد شين)؟. أو لا سمحَ الله أنتَ من أبٍ غير ليبيّ!.

لنكفّ عن خِداع أنفسِنا، فلسنا سواسيّة أمام القانون ولا أمام المجتمع. نحن سواسيّة فقط تحت الأرض لا فوقها.

المواطن المزيّف:

دخل صفحتي الشّخصيّة معنّفاً: ليس من حقّك! ليس مكانك هنا! اذهب إلى صحراء الحجاز، فلستَ “أصليّاً!” ولا “أصيلاً!”، بل دخيلاً. أنا عندي إثبات DNA فهل عندك أنت؟!.

رددتُ عليه مُحاججاً: أنا يونانيّ، لم يمضِ على وجود أجدادي أكثر من 140 عاماً. فما مصيري بينكم؟ وهل أنا مواطنٌ من الدرجة الثانية مثلاً؟.

وما معنى الحديث عن DNA في نقاشٍ سياسيّ. فعندما أبحث عن الانتماء إلى دولة عِرقيّةٍ قد يكون ذلك مُبرّراً. ولكنّ عند البحث عن دولة المواطنة، التي يتساوى فيها أفرادها أمام القانون، مهما كان عِرقهم ودينهم ولونهم وجنسهم وقبيلتهم وولاؤهم السياسيّ؛ حينها يكون الحديث عن DNA هرطقة سياسيّة.

كلّ دعوةٍ إلى قوميّة – أيّا كانت – هي دعوةٌ إلى عُنصريّة، وكلّ تعصّب قوميّ، سرطانٌ ينخر في جسد أمّةٍ، تتهادى.
الطوارق، داخل الخريطة وخارج الوطن:

بعد أن زار قبور أجداده بغات، ذهب إلى مصرف المدينة ليستلم راتبه الشهريّ، كما كان يفعل ذلك طيلة 50 عاماً. فاجأه موظّف المصرف: “تمّ إيقاف راتبك؛ لأنّك لا تملك رقماً وطنيّاً”.

قال في نفسه: وهل الوطنيّة عندكم أضحت رقماً؟

ذهب إلى مكتب السجل المدنيّ شاكياً، فأخبروه أنّ ذلك صحيح. فهو لا يملك الجنسيّة الليبيّة بعد أن سحبها القذّافي منهم، ومنعها عنهم، ولم يستردّوها حتى يومنا هذا. ليضيع مع الراتب جواز السّفر، وتسجيل الأولاد بالجامعات، وشفرة المدار، و400 دولار.

لم يعبأ بالأمر كثيراً، ذهب إلى أمّه الصحراء التي لم تسأله يوماً رقماً ولم تمنّ عليه براتبٍ ولا عاتب. مُردّداً: “لطالما حَمَلنا الوطن معنا، وحَلِمنا بوطنٍ يحملنا”.

لا يوجد أكثر عقوقاً، من وطنٍ يبخس أبناءه حقوقهم، في الوقت الذي يتغنّى بهم في كلّ محفل. لا عجب أن كانت التضحيات والضحايا، من جذر لغويّ واحد.
المجد للقبيلة:

قبيلة (ما) أصدرت بياناً تهدّد فيه بتقسيم ليبيا، إن لم تُلبَّ مطالبُها السياسيّة، المتعلّقة بمصالحها الخاصّة. هكذا ببساطة، وكأنّها تتحدّث عن “صونية بسبوسة”.

قبيلة أخرى، جمعت المترشّحين لرئاسة البرلمان من الأفراد الذين يحملون اسمها، وأجبرتهم على التنازل عن ترشّحهم لصالح واحدٍ منهم فقط، حتى لا تتفرّق أصوات القبيلة الموجّهة، شِيعاً.

لا أدري كيف يرتضي إنسانٌ يحترم ذاته، أن تحوّله القبيلة إلى رقم في قطيع؟!. القبيلة الضدّ النّوعيّ للمدنيّة، والانتماء إلى القبيلة تكريسٌ للانتهازيّة.

عُذراً أبي آدم:

2011: أداروا الحبل حول عنقه وهم يصيحون: مرتزق، تشادي. وهو يبكي بصوتٍ خافت: أنا ليبي، والله العظيم “خوكم” ليبي.

2018: أضاع بوغبا (وهو لاعبٌ فرنسيّ من أصول أفريقيّة يلعب في نادي مانشستر يونايتد الإنجليزيّ) فرصة حاسمة لفريقه، كلّفتهم الكثير. كلّ من في المقهى صاحوا: “عنجد العبيد”، “ما ترجاش خير من وصيف”، “ربع دماغ”.

أسرّها يوسف في نفسه، ومن يومها لم يُشاهد المباريات إلا وحيداً، ولا يشرب القهوة إلا منفرداً.

ماذا لو كان هناك قانونٌ يُجرّم العنصريّة؟. لا تبحثوا عن فتوى تحرّمها.. فتاريخنا مليءٌ بها، وعلى رأسه زبيبة.

عُذراً أبي آدم، لا أدري لماذا يكرهك أبناؤك إلى هذا الحدّ؟!.

ولا يزال حُلُم إدراج موضوع “المواطنة” في مناهج أبنائنا المدرسيّة الكارثيّة، معلّقاً بالرّيح. كما لا يوجد أخطر على مشروع “المواطنة” أكثر من مفهوم الهُويّة المُتلاعب، والذي يُصيبها في مقتل؛ سيّما عند توظيف قضيّة الهُويّة سياسيّاً.

احذروا الهُويّة، واحذروا من المتاجرين باسمها، واستبدلوها بالانتماء تربحوا.

مقالات ذات علاقة

جزيئات

يوسف الشريف

كلاسيك (100/19)

حسن أبوقباعة المجبري

هل حقا الانتخابات هي الحل؟؟!!

خالد الجربوعي

2 تعليقات

rashad aloua 18 مايو, 2021 at 02:53

هذه قضايا شائكة لاتعالج بقصيدة شعر او قصة قصيرة او حتى رواية هذه قضايا تحكمها القوانين والتشريعات خاصتا فى المدن الحدودية والتى مند 2011م تدفق المئات ان لم اقل الاالاف من البشر يدعون انهم ليبيون

رد
المشرف العام 19 مايو, 2021 at 05:51

نشكر مرورك الكريم

رد

اترك تعليق