المقالة

من سرق المالوف من أزقة طرابلس .. من قايض هويتنا برخص التراب؟!!

وأنت تعود من أداء شعائر صلاة الجمعة وتفتح المذياع بسيارتك تجد كل موجات الـ (FM) بما فيها المحسوبة على الإسلام السياسي تتنافس على بث نوبات المالوف .. الأمر وإلى  هذا الحد طبيعي .

بالمقابل وطوال الفترات الماضية الأمر على النقيض تماماً بالشارع الطرابلسي .. فالمالوف  بطبعتيه التي اكتسبها عبر العقود هو فن الشارع لذا بثه بالمذياع أو على الـ (TV ) هو تحصيل حاصل فرضته ضرورات العصر وما أستجد من تقنية ولغرض الأرشفة والتوثيق لا أكثر … أما سحره وأريج  مسكه وتطوره باطراد وما يلحق به من حكايات وأساطير فيكمن بأنه فن الحواري والأزقة  والشوارع  وباختزال أكثر هو فن الناس .

المالوف موكب أوبرالي مهيب يمر راجلاً  يزف به الأهالي سلاطين أعراسهم  و من خلاله يرفعون الطارات عالياً لقدوم الأبكار من الذكور للعائلة  وأيضاً تعلو من خلف الشبابيك الزغاريد لمرورها  لحظة ختان العيال  ..

عن المصدر
عن المصدر

هذا الفن  حفظته الزوايا والتكايا بعد أن أضافته ضمن طقوسها  كعامل لجذب الشباب حين عزفوا عن ارتيادها  قديماً .. لذا من كل تكايا وزوايا ليبيا لا يوجد هذا الفن إلا بزوايا طرابلس . . ونما وترعرع بها حتى صار يوزن بالذهب .. ولأنه فن الناس منذ القديم لحقت به الأساطير حتى قيل (إن ايقاع المحير حين تسمعه الجان تفقد صوابها  فتهيط من عليائها وتتهيم خلف رتمه كالدراويش )  .

المالوف فن الناس ورثوه كابرعن كابر كما أنه  ليس حكراً على الذكور    فالطرابلسيات  اللواتي يوقدن المباخر  وينثرن الزهر من (مشربيات البيوت) فوق رؤوس كورال الأوبرا الراجلة يرددن بدورهن خلفها

(ياغزالاً في البهاء ما أجملك ..علموك الهجر حتي بدلك ) .

المالوف بليبيا وبطرابلس كما ( غاليري أكاكوس )  فن ليبي أصيل وجماله في تنوع  مشاربه من الأصل الأندلسي إلى تمازجه باللهجة و بالنغم المحلي وانتهاء إلى  امتداده  المشارقي والذي يصل لحدود الأناضول .

 بهذا الأكسير  صنع تميزه وتوج كشريف  في كل المشاركات الخارجية …وما كان يصل لهذه الحظوة  لو أنه غادر قلوب الناس وأعرافهم وعاداتهم بل ويومياتهم .. بل أنه لم يكن ليجتز أعتاب طرابلس إن جمد بمذياع  أو علب بتلفاز .. كما يحدث الان وبتعمد واضح . . ولا أحد  له القدرة على التبرير أو التفسير والرد عن سؤال ( لما ينحسر هذا الفن أصيل  الناس من مكانه الطبيعي في زواياهم وفي شوارعهم وقلوبهم  ليتمدد وبفتور وبرود مبالغ فيه  ولغرض يفهم الجميع أنه يصب في خانة الدعاية السياسية والتي تستعمل لها علب الراديو؟؟ ). يقول دعبل الخزاعي ..

منازل ايات خلت من تلاوة …………ومنزل وحي مقفر العرصات

فها هي أزقة طرابلس وأحياؤها التي  كانت تتطيب بمرور النوبة  ويطرب أهلها لتنوع ايقاعاتها وبوحدة  وجهورية صوت منشديها  والذين يخلعن (الشاشية والبسكل ) لينالهم نصيب من ­­­­­مرشات الزهر والمباخر لتتعطر جباههن  ويتعطر مرورها المهيب.. والصبايا اللواتي كن يرددن مع المنشدين من خلف حجاب ينثرن الفل والياسمين على جمع المارين  وقلوبهن تخفق بالدعاء بقرب النصيب ..بالعجائز وزغاريدهن وكأنها ايقاع فريد هاهو هذا المشهد المهيب يسقط في الهاوية بنظام التنقيط رويداً رويدا .. وبما أن الأمر وكأنه ممنهج وبدءًا  من سنوات لذا ومن غير أن ندرك فالمشهد يكاد يقفل على نفسه الباب الان  ..لتبقى طرابلس خاوية على عروشها   إلا من الشاردين خلف قوتهم وعيالهم  كل بيده ملف ويسعى وراء لاشي (وكأن على رؤوسهم الطير ) بل وكأنهم رفعوا اياديهم عن الفرح واختاروا التقاعد المبكر عن  البهجة واضربوا  حتى عن  الهمس بأبجد هوز المالوف ( ألف ياسلطاني والهجران كواني ..أليف )

كل هذا بدأ بالتلاشي  والانحسار واختفت نوبات عشق غرناطة من شوارع طرابلس ماتت حماماتها الزواجل  وانقطع حبل وصالها بالأندلسي.

خلاصة لو اختزلنا ما فات  ليليق بمشهد  لكان (لبيت مسكون لا يشتغل فيه إلا المذياع )  لكن ولأن الأمر شخصي وليبي بامتياز فنحن لم نشهد نوبة مالوف تدرج عريساً بـ ( بيفرلي هيلز)  لذا فالأقرب للفهم ( في ظل مالا يُفهم ) الاستعانة بالمثل الشعبي الذي يفيد بانه (ما يسبق للسوق الا الخضار ) ويبدو أن من يسبق للسوق   طوال الفترة  الماضية كان  من يقايض هويتنا  برخص التراب ..

_________

نشر بموقع 218

مقالات ذات علاقة

الحيوان الناطق في أدب الأطفال

منى بن هيبة

الجهاد الاسلامي، مسيرة نضال في زمن الخنوع

ميلاد عمر المزوغي

استمر صنماً

نجوى بن شتوان

اترك تعليق