من أعمال التشكيلي مصباح الكبير
قصة

منطقة نفوذ

Mosbah_Alkbier_01

1

… الجرو الأبقع يُقرّر هذا الصباح ألاّ يتورّط في أيّ نباح مجّانِي كما تفعل الكلاب الكبيرة التي تنبح حتى على الريح.. لكن قبل ذلك عليه أن يبدأ طقوس الصباح: يتمطَّى.. يتثاءب مادًّا رجليه الأماميتين حتى يتقوّس ظهره إلى الأسفل.. ينفض أذنيه بفرقعة.. يدسّ أنفه بين فخذيه ليطْمَئِنّ على فحولته.. يرفع رجله.. يبول.. يحرث الأرض بأظافره.. يكرّر ذلك في عِدّة أماكن ليؤكّد منطقة نفوذه!

2

… يتلفّت حوله.. يراقب الدجاجات.. تلتقط أشياء هنا وهناك.. إحدى الدجاجات تشرب وتنظر إلى الأعلى.. ألِهذا قالوا: (الدجاجة تشرب وتنظر إلى الرَّب؟).. يرفع وجهه.. ثلاثة عصافير تقف على حافة الجدار تُسوّي ريشها.. أسفل الجدار قطة تتشمّس.. منطقة نفوذه آمنة.. لا شيء يستحق النباح.

3

… يقترب من حافّة الوادي.. يتذكّر أنّه كان يسمع عواءً طيلة الليل.. الوادي يغص بالضباب.. يُقعي.. يُفكِّر ما إذا كان ينبغي أن ينبح على الضباب؟ لكنّه يَعْدل عن الفكرة بسبب خيوط الشمس التي أخذت تخترق الضباب.. يتساءل: (إذا فَكَّر في ضمّ الوادي إلى منطقة نفوذه.. فكم سيحتاج من البول لتأكيد ذلك؟!).

4

… يشفّ الضباب.. يكتشف الجرو أنّه يقف فوق الحافة الصخرية التي تؤطِّر الوادي.. يتطاول.. يظهر القاع السحيق.. تبدو الصخور الصقيلة وسط تعرّجات مجرى السيل.. يتراجع.. يَهِرّ.. يكتنفه ظل مفاجئ.. يرفع رأسه.. يرى سحابة صغيرة داكنة.. تنتهك منطقة النفوذ.. ها هو شيء يليق بالنباح.

5

… السحابة مسرعة.. الجرو يطارد الظلّ.. الظل يختفي وسط خضرة الغابة الغامقة.. يرفع رأسه.. ينبح.. يجري فوق الحافة دون أن يحيد عينيه عن السحابة.. يواصل النباح.. تنعطف السحابة لتعبر الوادي.. يشتد النباح.. ينعطف.. و… يسقط من فوق الحافة.. يتقلّب عدة مرّات.. يتقلَّب المشهد: غابة.. سماء.. غابة.. سماء.. صخور.. سماء.. يستقرّ على ظهره فوق الصخور الناتئة في مجرى السيل.

6

… خيط أحمر يسيل من زاوية فمه.. يتعرّج فوق الصخرة.. يتخثَّر فوق التراب.. يفتح الجرو عينيه.. يرى طرف السحابة يختفى من فوق حافة الوادي.. ينبح نبحة واهنة باتّجاه السماء.. ثُمّ يموت مفتوح العينين.
***

(2009)

مقالات ذات علاقة

تفاصيل..

حسين بن قرين درمشاكي

سطوة الذباب

عوض الشاعري

المتسوِّل…

أحمد يوسف عقيلة

اترك تعليق